تاريخ

الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية

الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية

كان لعمان ، ولا يزال ، دور بارز في الثقافة الإسلامية ونشرها. والتراث الثقافي العماني بشكل عام زاخر بالعلماء والفقهاء والمؤرخين منذ أن دخلها الإسلام، وكان منهم الصحابة والتابعون وحملة العلم .
والعلماء العمانيون من السبَّاقين إلى التأليف في العلوم الدينية فكتاب : “ديوان الإمام جابر بن زيد” أول كتاب ألف
في الفقه، كما أن من العلماء العمانيين من يعدون بحق موسوعة علمية ، لكثرة ما طرقوه من أبواب العلم المختلفة .

واهتم العلماء العمانيون أيضا بتأليف المصنفات الفقهية التي تمثل قطاعًا كبيرًا من المخطوطات العمانية، وهي
ذات تنوع وتمايز في منهجها، وفترتها التاريخية، وأحجامها، فمنها الكتب والموسوعات التي تحوي أجزاء عديدة، ومنها الكتب الجوامع .
ولم يقتصر دور العلماء على العلوم الدينية بل اهتموا بمجالات وعلوم أخرى كعلوم اللغة وآدابها، ففي القرن الهجري الثاني برز الخليل بن أحمد الفراهيدي (١٠٠- ١٧٠هـ) فابتكر علم العروض ووضع معجم العين. كما برز في القرن الثالث الهجري أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (٢٢٣- ٣٢١هـ) أعلم زمانه باللغة والشعر، وقد ألف كتاب الجمهرة وكتاب الاشتقاق. وبرز أبو العباس الملقب بالمبرد (٢١٠ – ٢٨٦هـ) وألف عدة كتب في اللغة منها : الكامل في اللغة والأدب، وكتاب الروضة وكتاب المقتضب .

وعمل العمانيون منذ دخولهم الإسلام على تأسيس المدارس العلمية ، فبعد أن نهل حملة العلم من مدرسة الإمام جابر بن زيد ومن بعده الإمام أبي عبيدة استمرت المدارس عبر الفترات التاريخية المختلفة، وهو ما أسهم في ظهور كثير من العلماء الذين كان لهم الأثر الكبير في الثروة العلمية التي تزخر بها المكتبة العمانية .

من أعلام العمانيين في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة :

الفقه : جابر بن زيد .

الحديث : الربيع بن حبيب الفراهيدي .

اللغة : الخليل بن أحمد الفراهيدي.

الحياة الاجتماعية

لا يختلف المجتمع العُماني عن غيره من المجتمعات الإسلامية فهو يستمد قيمه وعاداته وتقاليده من الدين الإسلامي الحنيف ، واتخذ ذلك منهجًا في الحياة اليومية، في اللباس والمأكل والمشرب والمعاملات، وغيرها من الأصول الاجتماعية الإسلامية، وقد تأصلت هذه القيم والمبادئ منذ ظهور الدعوة الأباضية بعمان ، حيث سادت المودة والتراحم
والمحبة والعمل على كل ما فيه خير المجتمع ورقيه.
وليس أدل على روح التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع من تنافس الميسورين في سد حاجات الفقراء ، حيث ضربوا في ذلك أروع الأمثلة ، كما كانوا يتسابقون في دفع الديون المتبقية على من يموت من أفراد المجتمع .

كما سادت الأخلاق الحميدة بين أفراد المجتمع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسبما بينه القرآن الكريم ووضحته السنة الصحيحة، كما أن أفراد المجتمع عند الأباضية متساوون في الحقوق والواجبات، واهتموا بالمرأة والأسرة اهتمامًا كبيرًا، حيث أعطيت المرأة كامل حقوقها وفق ما حددتها تعاليم الإسلام السمحة من العناية بها، والنظر في أمورها، والدفاع عنها، وذلك دلالة على كرامتها ومنزلتها . وقد كان المشايخ والعلماء يعقدون المجالس لتعليم النساء أمور دینهن .

الحياة الاقتصادية

اهتم علماء المذهب الأباضي بالنواحي الاقتصادية منذ بداية دعوتهم، وكان ذلك أيام الإمام أبي عبيدة الذي أنشأ بيت مال خاصًا بالأباضية في البصرة ، بهدف مساعدة الدعاة والمحتاجين .
ولما دخل المذهب الأباضي عمان انتقلت معه هذه النواحي الاقتصادية ، إضافة إلى الدور الذي لعبته كل من الزراعة والتجارة والصناعة العمانية في ازدهار الاقتصاد في المجتمع العماني .

ففي المجال الزراعي ازدهرت الزراعة وتنوعت حاصلاتها ، وذلك لاتساع رقعة البلاد وتباين طبيعتها بين مرتفعات وسهول ساحلية وداخلية وهضاب ووديان ، وهو ما أدى إلى تنوع مناخها بين مختلف الأقاليم وعلى مدار فصول السنة، وهذا بدوره أسهم في تنوع الحاصلات الزراعية . ولعب الماء وتوافره عن طريق الأفلاج والعيون دورًا في تنشيط الزراعة وتطورها .
كما ازدهرت عمان تجاريًّا باعتبارها المركز الرئيس للتجارة البحرية مع بلاد الهند ، والشرق الأقصى، وأفريقيا الأمر الذي درّ لها أرباحًا كثيرة.
وقد ساعدت طبيعة عمان وموقعها العمانيين على الاتجاه نحو البحر والإفادة منه ، وكان ذلك منذ وقت مبكر لظهور الإسلام. وتشير المصادر إلى أنَّ أبا عبيدة عبد الله بن القاسم قام بأول رحلة عمانية بحرية إلى الصين خلال النصف الأول من القرن الهجري الثاني .
وكان العمانيون يتاجرون بسلع كثيرة كالتوابل ، والعاج، والجلود، والعنبر، والحرير الصينى، والجواهر، والأحجار الكريمة.

ولقد قام العمانيون بدوركبير في نشر الإسلام في مناطق شتى من جنوب شرقي آسيا والصين والهند وشرقي أفريقيا، وذلك من خلال عملهم في مجال التجارة العالمية .

من أشهر التجار العمانيين في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة :
١- أبو عبيدة عبدالله بن القاسم: أبحر إلى الصين ووصل ميناء كانتون حوالي عام ١٣٣ هـ في عهد الإمام الجلندى بن مسعود، وتعد رحلته من أقدم رحلات العرب إلى الصين .
٢- النضر بن ميمون: من التجار العمانيين، عاش في البصرة، ومن تابعي التابعين، كان له فضلٌ عظيمٌ في نشر الإسلام في الصين .

خريطة طرق ومراكز التجارة العمانية البرية والبحرية

ولم يقتصر نشاط العمانيين خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة على الزراعة والتجارة وإنما شمل الصناعة أيضًا، فشهدت عمان قيام صناعات عدة تدل على مهارة الإنسان العماني وقدرته على استخدام موارد الطبيعة. ونتيجة لتوسع العمانيين في النشاط البحري فقد تطورت لديهم صناعة السفن بشتى أنواعها وأحجامها، وازدهرت الكثير من المدن العمانية، وكانت محط
أنظار الكثير من الرحالة والجغرافيين الذين وصفوا ما وصلت إليه من مكانة مرموقة مثل: مرباط، وقلهات، وصحار، ونزوى .

قلهات : قال عنها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان إنها كانت مرفأ لأكثر سفن الهند. وقال عنها ابن بطوطة: إنها مدينة حسنة الأسواق، وأميرها رجل فاضل حسن الأخلاق . صحار: قال عنها ابن حوقل إنها قصبة عمان، وتقع على البحر ، وبها من التجارة والتجار ما لا يحصى .
وذكر الإصطخري إن صحار أعمر مدن عمان وأكثرها مالاً. وقال عنها المقدسي إنها مدينة طيبة الهواء كثيرة الخيرات والفاكهة ، وهي قصبة عمان ، بلد عامر حسن ، أسواقه عجيبة.

كما نبغ العمانيون في الصناعات المعدنية ، وبصفة خاصة صناعة النحاس والحديد والفضة ، نظرًا لدخول هذه الصناعة في صناعة السفن والأواني النحاسية وأدوات الزينة . واشتهرت صناعات عديدة أخرى تعتمد على الإنتاج الزراعي والحيواني ، كصناعة الغزل والنسيج، وصناعة المنتوجات القطنية، وصناعة الجلود ، والصناعات السعفية، وصناعة الفخار وغيرها .

مواضيع مشابهة

صعوبات الملاحة البحرية العمانية في الماضي

bayanelm

المدارس الفكرية في الاسلام

bayanelm

التراث العالمي المفهوم والاهمية

bayanelm