مسجد البليد، أحد المعالم البارزة ضمن متنزه البليد الأثري في الحافة على ساحل صلالة، وهو موقع تاريخي رائع يسلط الضوء على التاريخ المعماري والثقافي لسلطنة عمان. تم بناء المسجد في القرن الثالث الهجري الموافق للقرن التاسع الميلادي. وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أنه تم بناؤه فوق هياكل أقدم، ربما يعود تاريخها إلى العصر الحديدي.
تم الكشف خلال أعمال الحفر في الموقع عن 1732 متراً مربعاً، تمتد على ثلاث فترات بناء منفصلة. جدران المسجد مصنوعة من كتل حجرية ضخمة، لا تزال سليمة جزئياً على الرغم من مرور الزمن. يقع المسجد على منطقة مرتفعة يبلغ ارتفاعها حوالي ثلاثة أمتار، وكانت الجدران مغطاة بالجص. يلعب المسجد، بمداخله السبعة والشرفة المحيطة به، دوراً مهماً في المجتمع.
ومن أبرز ما يميز المسجد وجود 144 عموداً متوازياً في مواجهة جدار القبلة. وهذه الأعمدة ذات القواعد المربعة والتيجان المزخرفة بالنباتات، تتخذ في الغالب شكلاً مثمناً أو أسطوانياً، وكانت ذات أهمية بالغة في دعم سقف المسجد.
وتوجد في وسط المبنى “الشماسية” أو نافذة السقف التي تتخذ شكل فناء مستطيل مفتوح. ولا شك أن هذه المساحة الواسعة كانت ضرورية للتجمعات والتأمل. وتوجد مئذنة مربعة بارتفاع خمسة أمتار إلى الشمال الشرقي تعمل كنقطة محورية روحية وبصرية. وتقع بجوار المئذنة أماكن الوضوء اللازمة للتطهير الاحتفالي قبل الصلاة.
ربما كانت هناك مساحة صغيرة على الجانب الجنوبي الشرقي من المسجد تستخدم كقاعة صلاة للنساء أو مدرسة، مما يؤكد على الدور المزدوج للمسجد كمكان للعبادة ومركز مجتمعي.
فضلاً عن كونه مبنى قديماً، يوفر مسجد البليد نافذة على التاريخ الإسلامي الغني في عُمان. فهو يوفر للزائرين اتصالاً ملموساً بالماضي، ويمثل شاهداً صامتاً على الأنشطة الاجتماعية والدينية والتعليمية للأشخاص الذين عاشوا قبل قرون.