تاريخ

مظاهر تأثر الحضارات الأوروبية بالحضارة الإسلامية في مجالات العلوم والعمارة والحياة الإجتماعية والصناعة

مظاهر تأثر الحضارات الأوروبية بالحضارة الإسلامية في مجالات العلوم والعمارة والحياة الإجتماعية والصناعة

تأثر الأوروبيون كذلك بالمظاهر الحضارية الإسلامیة، التي کان لها دور كبير في تنويرهم، وهذه المظاهر هي:

1- العلوم الطبية:

كان عدد المختصين والمؤلفين من الأطباء المسلمين كبيرًا فقد خصص ابن أبي أصيبعة لهم مجلدًا في كتابه ((عيون الأنباء في طبقات الأطباء)). ويُعَدُّ أبو بكر الرازي (٩٢٥م) من أشهر أطباء المسلمين، وقد ظلت كتبه في الحصبة والجدري من المراجع الأساسية التي اعتمد عليها الأطباء في غربي أوروبا زمنًا طويلاً، كما أن كتابه في أمراض الأطفال يعد الأول من نوعه في كتب الطب المتخصصة، وامتاز أبو بكر الرازي بقدرته الفائقة على ملاحظة أعراض المرض وتشخيصه.

ومن أشهر كتب أبي بكر الرازي ((الشفاء، والحاوي في الطب، والمنصوري)) وقد تناول فيها موضوعات في التشريح، والأغذية، والأدوية، والجراحة، والأمراض، والحمى، وقد تُرجم كتاب الحاوي إلى اللغة اللاتينية، وأدى اختراع الطابعة إلى انتشار استعماله في الجامعات الأوروبية حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وما زال الغربيون يعترفون بفضله ويقدرون أثره، حتى أن جامعة برنستون الأمريكية أطلقت اسمه على أفخم أجنحتها تقديرًا لفضله.

أما علي بن العباس (٩٩٤م) فقد تخصص بعلم العقاقير الطبية والأغذية، وتمكن في كتابه ((الملكي)) من اكتشاف أخطاء كبيرة لأطباء اليونان.

ويعد ابن سيناء (١٠٣٧م) أشهر أطباء المسلمين على الإطلاق، وبلغ من تقدير المعاصرين له أن لقبوه ((الشيخ الرئيس))، ويُعدُّ كتاب ((القانون)) أشهر كتبه فقد طبع في روما (١٥٩٣م) وأصبح المرجع الأساسي في تدريس الطب بالجامعات الأوروبية.
أما ابن النفيس (١٢٨٨م) الذي كان رئيسًا للمستشفى الناصري بالقاهرة، فيُعدُّ صاحب الفضل الأول في الكشف عن الدورة الدموية في الرئتين. ويعد أبو القاسم الزهراوي (١٠١٣م) أشهر جراحي العرب، فقد اكتشف الكثير من العمليات الجراحية الدقيقة في العين والأسنان وحالات الولادة. ووضع ثمرة خبرته في كتابه ((التصريف لمن عجز عن التأليف)) وترك الزهراوي كتابًا في وصف الآلات المستعملة في العمليات الجراحية وطرق استخدامها.

2- العلوم الاخرى

أما في مجال العلوم الأخرى، كالكيمياء، والفيزياء، والصيدلة، وعلم النبات، فقد برز العديد من العلماء المسلمين في هذه المجالات، فاشتهر جابر بن حيان في الكيمياء، وترك مصنفات عديدة في وصف العمليات الكيميائية، كالتقطير والترشيح وغيرها، كما نجح الرازي في وصف عمليات تحضير حامض الكبريتيك، والكحول، وأخذ عنه الأوروبيون فكرة تقسيم المواد الكيميائية إلى معدنية ونباتية وحيوانية.
وأجمع علماء الغرب المحدثون على أن المسلمين تفوقوا تفوقًا باهرًا في ميدان الفيزياء، وبخاصة ما يختص بالعدسات والبصريات، فضلاً عن الصوت، والمغناطيسية، والجاذبية.

صورة لمخطوطات تتحدث عن الدواء

ومن علماء المسلمين المشهورين في هذا المجال البيروني الذي شرح أسباب خروج الماء من العيون والآبار الارتوازية، وكان الحسن بن الهيثم أكثر علماء المسلمين إسهامًا في علم الطبيعة، فقد اشتغل بالعدسات والبصريات، وكتب عدة رسائل في الضوء والمرايا وزوايا السقوط والانعكاس، وكتب الخازن البصري أبحاثًا قيّمة في المرايا وأنواعها، وأجرى تجارب لإيجاد العلاقة بين وزن الهواء وكثافته.

ويعدُّ العرب المسلمون أول من أسس مدرسة خاصة للصيدلة، وأول من أنشأ الحوانيت لبيع العقاقير والأدوية (الصيدليات)، ومن الكتب المشهورة في الصيدلة والأدوية كتاب ((جامع المفردات)) لابن البيطار، كذلك ذكر ابن رشد في كتبه الأدوية اللازمة لعلاج مختلف الأمراض، وذكر الرازي في كتابه ((منافع الأغذية ودفع مضارها)) كثيرًا من ألوان الطعام، وطرق عملها، ومزايا كل لون ومضاره.

أما علم النبات فقد اهتم به العرب كثيرًا، لأهمية النباتات والأعشاب في الغذاء والدواء، ولقد ضمّن ابن البيطار في كتابه جامع المفردات كثيرًا من أسماء الأعشاب وفوائدها، كذلك نبغ العرب، خاصة في الأندلس في معرفة خواص التربة، وكيفية تركيب السماد، وتحسين طرق الري، والزراعة، واستصلاح الأراضي البور، ووصفوا كثيرًا من الأمراض والآفات التي تصيب النبات، وطرق مقاومتها.

3- العمارة:

استفادت العمارة الأوروبية من فنون العمارة الإسلامية، لا سيما طريقة عمل الأقبية التي تقوم على عقود متقاطعة، وأضلاع ظاهرة ، فالعقود المدببة التي استخدمها الأوروبيون في القرن الثاني عشر بدلاً من العقود المستديرة، كانت معروفة قبل ذلك في الشرق الإسلامي.
واستخدم الأوروبيون نظام المشربيات والشرفات، وهو أول نموذج للأسوار ذات النوافذ، تم تطويره في القاهرة، ثم انتقل إلى العراق، ومنها إلى إيطاليا، أما ظاهرة تجميل الأعمدة بتيجان في المباني الأوروبية، فقد استخدمت في الشرق الإسلامي، ومنه انتقلت إلى أوروبا منذ أواسط القرن التاسع الميلادي.

ويظهر تأثر الأوروبيين بالعمارة الإسلامية في مجال فن العمارة الحربي، فقد أخذ الصليبيون عن المسلمين كثيرًا من فنون التحصين، وعمل الاستحكامات عن طريق محاكاة القلاع الإسلامية التي شاهدوا نماذج عديدة منها في بلاد الشام ومصر، والظاهرة الأخرى في فن العمارة الحربي التي أخذها الغرب عن المسلمين إبان الحروب الصليبية، هي طريقة تصميم المدخل الحربي في باب القلعة إلى داخلها، وجعله متعرجًا على شكل زاوية قائمة، حتى لا يتمكن العدو إذا وصل قرب الباب، رؤية الفناء الداخلي للقلعة، أو تصويب سهامه الی من فیها.

ونقل الأوروبيون معهم إلى بلادهم فن العمارة من النوع المستدير الذي اقتبسوه من مبنى المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وكنيسة القيامة في بيت لحم، ولا تزال بعض المباني من هذا النوع من العمران موجودة في كل من إنجلترا، وفرنسا، وإسبانيا، وألمانيا.

4- الحياة الاجتماعية:
كان من أثر احتكاك أوروبا بالمسلمين أن تغيرت نظرة الأوروبيين إلى المرأة، فبعد أن كان الرجل يعد نفسه السيد المطاع تبعًا لمشيئة الرب، كما كانت تقول تعاليم الكنيسة، أصبحت المرأة عندهم موضع اعتبار واحترام. كما تأثر الأوروبيون بالأزياء والملابس، فاستخدموا الأردية المنمقة، والأوشحة المصنوعة من الحرير والصوف. وكان من أثر هذا الاحتكاك أن تعود الأوروبيون قيم النظافة والعادات الصحية، وهي أمور طبيعية لدى المسلم، ولا نعجب أن نسمع عن مدينة بغداد أو قرطبة تزدحم الواحدة منهما بآلاف الحمامات العامة.

أما الأثر الأكبر في حياة الأوروبيين فتجلى في فن تنظيم الحدائق، وفن الموسيقى الإسبانية التي أفادت كثيرًا من الفنون الإسلامية، والإضافات الموسيقية التي أدخلها أبو الحسن بن نافع الملقب بزرياب، عندما نزل قرطبة (٨٢٢ م)، وكذلك انتقلت إلى أوروبا بعض أنواع الألعاب المسلية، والهوايات لاسيما الشطرنج.

5- الصناعة:

تجلت مهارة المسلمين في كثير من الصناعات مثل: صناعة النسيج، والجلود، والورق، والخزف، والزجاج فقد أقبلت أوروبا في العصور الوسطى على المنسوجات العربية إقبالاً يظهر في أسماء الأقمشة العربية، التي ما زال بعضها مستعملاً حتی یومنا هذا.
فقماش الفستيان (Fustian) منسوب إلى الفسطاط، وقماش الدمشقي (Damasks) منسوب إلی دمشق، وقماش الموصلين (Muslian) منسوب إلى الموصل، وقماش التابي (Tabby) منسوب إلى حي العتابية ببغداد الذي اشتهر بصناعة هذا النوع من القماش،ومنه انتقل إلى إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، أما عن الجلود فقد اشتهرت قرطبة بصناعتها ودبغها، حتى أطلق الأوروبيون على النوع الممتاز من الجلود اسم الجلد القرطبي (Cordovan).

ولم يهمل المسلمون الصناعات المعدنية، فاستغلوا مناجم النحاس، والحديد، واستخدموا الزئبق، والفضة، والذهب، وصنعوا السيوف، وأنواع الأسلحة التي اشتهرت بها طليطلة، كذلك نبغ صناع المسلمين في صناعة الحلي الذهبية لتزيين مقابض السيوف والنقش عليها. وتأثر الإيطاليون في عصر النهضة بصناعة المعادن الشرقية، حتى أنه نشأ في البندقية مدرسة شرقية مهمتها التوفيق بين الصناعة والزخرفة الإسلامية من ناحية، والذوق الإيطالي في عصر النهضة من ناحية أخرى.

أما صناعة الورق فقد أخذها المسلمون عن الصين، ولكنهم استطاعوا أن يصنعوا الورق من مواد أخرى غير الحرير، والجلد، وهي مواد متوفرة وسهلة ورخيصة، كالكتان، والنباتات ذات الألياف؛ لتحل محل رقائق الجلد في الكتابة.

وكان أول المصانع التي أقامها العرب لصناعة الورق في الأراضي الأوروبية في صقلية وإسبانيا، ومنها انتقلت إلى أنحاء أوروبا، وتفوق العرب في صناعة الفخار وما يرتبط بها من القاشاني والخزف، وقد أفاد الأوروبيون كثيرًا من هذه الصناعة. كما أحرز العرب في صناعة الزجاج تقدمًا كبيرًا، فقد اشتهرت بلاد الشام منذ العصور القديمة بصناعة الزجاج؛ وذلك لوفرة الموارد اللازمة لهذه الصناعة، وعنها نقل الأوروبيون زخرفة الزجاج وصناعته.

نتائج تاثير الحضارة الإسلامية في الحضارات الأوروبية:

كان لتأثير الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية عدة نتائج، أهمها:
١- أخرجت الحضارة الإسلامية المجتمع الصقلي والأندلسي من التخلف إلى الرُّقي، فامتازت بالتسامح والعدل دون تمييز أو تعصب.
٢- مهَّد منهج التسامح والعدل في الحضارة الإسلامية الطريق للفتوحات.
٣- الحضارة الإسلامية كانت لمصلحة الفرد والمجتمع.
٤- ترك المسلمون آثارًا جمَّة في صقلیة والأندلس، وانتقلت بعد ذلك إلی إیطالیا وفرنسا وألمانيا وغیرها.
٥- استفادة النهضة الأوروبية الحديثة في بناءها على مميزات الحضارة الإسلامية.

شخصية تاريخية عمانية

راشد بن عُمَيْرة العِيْنِيّ الرُّسْتَاقيّ:
يعد من أشهر الأطباء العُمانيين عاش في القرن (١٠هـ)؛ فقد كان طبيبًا حَاذِقاً، وله مُؤلَّفات في الطبّ، منها كتاب ((أرجوزة تشريح العين، وشَرْحها)»، وهذا الكتاب استفاد منه الطبيب الألماني (ماكس مايرهوف)؛ إذ تناوله بالحديث في عدة دراسات له عن طب العيون عند العرب. وقد تم إدراج اسم الطبيب ابن عُمَيْرة ضمن الشخصيات العالمية في المؤتمر العام لليونسكو
في دورته (٣٧) لعام ٢٠١٣م؛ نظرا لإسهاماته الكبيرة في إثراء المعرفة الإنسانية.

العين كما رسمها الطبيب العماني راشد بن عميرة

أضف إلى معلوماتك:

عُثر في السويد والنرويج والدنمارك على بعض الحلي والزخارف، وعليها مسحة شرقية إسلامية، كما وجدت مئات القطع من النقود العربية في المدن الواقعة على بحر البلطيق، وخليج فنلندا.

أنشئ أول مصنع للورق في البلاد الإسلامية (٧٩٤ م) في مدينة بغداد، ومنها انتشرت صناعة الورق في العالم الإسلامي، كما اشتهر مصنع شاطبة بالأندلس في صناعة الورق الجيد.

مواضيع مشابهة

معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا (المعبر الإسلامي)

bayanelm

درس جمهورية الهند للصف التاسع المنهج العماني

bayanelm

الدولة الرستمية في المغرب الاوسط (160-296 هجري-776-908 ميلادي)

bayanelm