
فارسكور: تاريخٌ عريق وحاضرٌ مشرق
مقدمة
تُعد مدينة فارسكور إحدى المدن المصرية العريقة التي تتمتع بتاريخ طويل يمتد لعدة قرون، وهي تابعة لمحافظة دمياط، وتعتبر قاعدة مركز فارسكور. تتميز المدينة بموقعها الاستراتيجي القريب من نهر النيل، مما جعلها منطقة مأهولة بالسكان منذ القدم. وتشتهر فارسكور بتراثها الثقافي والتاريخي الغني، حيث ذُكرت في العديد من المراجع التاريخية مثل معجم ياقوت الحموي وكتب الجغرافيين المسلمين.
أصل التسمية
ذُكرت فارسكور لأول مرة في المصادر التاريخية باسم “الفارَسكُرْ”، وهو الاسم الذي أورده ياقوت الحموي في معجمه، حيث قال عنها: «الفارَسكُرْ: من قرى مصر قرب دمياط من كورة الدقهلية». ويبدو أن أصل الاسم يعود إلى الحقبة القبطية أو ربما الفارسية، حيث كان المصريون القدماء يتأثرون بالحضارات المجاورة ويستوحون منها أسماء المدن والقرى.
التاريخ
تعد فارسكور من القرى المصرية القديمة التي حافظت على وجودها عبر العصور. وقد ورد ذكرها في العديد من المصادر التاريخية المهمة، حيث كانت جزءًا من أعمال الدقهلية والمرتاحية.
- العصر الأيوبي والمملوكي
- في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، ظهرت فارسكور ضمن قرى الروك الصلاحي، وهو الإحصاء الذي قام به ابن مماتي وذكره في كتابه «قوانين الدواوين».
- خلال العصر المملوكي، خضعت المدينة للروك الناصري، وهو الإحصاء الذي أجراه السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وقد ذكرها ابن الجيعان في كتابه «التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية».
- العصر العثماني
- في فترة الحكم العثماني لمصر، خضعت فارسكور للتربيع العثماني الذي أجراه الوالي سليمان باشا الخادم في عهد السلطان سليمان القانوني، حيث أُدرجت ضمن قرى ولاية الدقهلية.
- عصر محمد علي باشا
- مع مجيء محمد علي باشا وإصلاحاته الإدارية، أُعيد تقسيم المحافظات، وظهرت فارسكور ضمن مديرية الدقهلية عام 1228هـ / 1813م بعد عمليات المسح التي أجريت على قرى مصر.
الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية
تقع فارسكور في موقع استراتيجي بالقرب من مدينة دمياط، وتُعد حلقة وصل بين العديد من المراكز الحضرية المهمة في الدلتا، كما أن قربها من نهر النيل جعلها منطقة زراعية خصبة، حيث يعتمد سكانها بشكل أساسي على الزراعة والتجارة.
الاقتصاد والزراعة
تشتهر فارسكور بعدة أنشطة اقتصادية، من أبرزها:
- الزراعة: تنتشر زراعة المحاصيل مثل القمح، الأرز، القطن، والفواكه، حيث تُعد الأراضي الزراعية في فارسكور من بين الأكثر خصوبة في دلتا النيل.
- الصناعات الحرفية: تشتهر المدينة بالصناعات الحرفية التقليدية مثل النجارة وصناعة الأثاث، وهي امتداد للصناعات التي اشتهرت بها محافظة دمياط.
- التجارة: بفضل موقعها، تعد فارسكور مركزًا تجاريًا نشطًا، حيث تتبادل المنتجات الزراعية والصناعية مع المدن المجاورة.
المعالم السياحية والتاريخية
على الرغم من أن فارسكور ليست مدينة سياحية بالمعنى التقليدي، إلا أنها تضم العديد من المعالم التراثية التي تعكس تاريخها العريق:
- المساجد الأثرية: يوجد في فارسكور عدد من المساجد التاريخية التي تعود للعصور الإسلامية المختلفة.
- الأسواق القديمة: تضم المدينة أسواقًا شعبية قديمة، حيث يمكن للزوار التعرف على العادات والتقاليد المحلية.
- مباني أثرية: تحتوي المدينة على مبانٍ قديمة تعود للعصر العثماني، تعكس الطراز المعماري الفريد لتلك الفترة.
الأعلام والمشاهير من فارسكور
قدّمت فارسكور العديد من الشخصيات البارزة التي أثرت في مختلف المجالات:
- رياض السنباطي: أحد أعظم الملحنين في تاريخ الموسيقى العربية، الذي ارتبط اسمه بكبار المطربين مثل أم كلثوم.
- سعد أردش: مخرج وممثل مسرحي متميز.
- عبد الرحمن بدوي: فيلسوف ومفكر من أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين.
- زاهي حواس: عالم الآثار الشهير ووزير الآثار المصري السابق.
- ضياء الدين داوود: سياسي بارز وزعيم لحزب الناصريين في مصر.
- حلمي الحديدي: وزير الصحة الأسبق.
- تاج الدين نوفل: شخصية سياسية معروفة.
- سهير البابلي: واحدة من أشهر الممثلات في تاريخ المسرح والسينما المصرية.
الثقافة والعادات في فارسكور
تتميز فارسكور بعادات وتقاليد تعكس عمقها التاريخي وتنوعها الثقافي:
- الاحتفالات الدينية والمولد النبوي: تشهد المدينة احتفالات دينية كبيرة، خاصة في المناسبات الإسلامية.
- المطبخ الفارسكوني: يشتهر بأطباقه التقليدية مثل الفول والطعمية والأسماك، حيث تُعتبر المأكولات البحرية جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي لسكان المدينة.
- الحرف التقليدية: لا تزال بعض الحرف التقليدية متوارثة بين الأجيال، مثل صناعة الأثاث والخزف.
التعليم في فارسكور
تهتم المدينة بالجانب التعليمي حيث تضم العديد من المدارس والمعاهد التي توفر فرصًا تعليمية متميزة لأبنائها، وتعد قريبة من جامعات كبيرة مثل جامعة دمياط التي تسهم في تنمية الكوادر العلمية والثقافية.
فارسكور اليوم
في الوقت الحاضر، تشهد فارسكور تطورًا ملحوظًا في مختلف القطاعات، مثل:
- البنية التحتية: تحسين الطرق والمواصلات.
- الخدمات الصحية: تطوير المستشفيات والمراكز الطبية.
- الاستثمار: جذب الاستثمارات في قطاعات الزراعة والصناعة.
الخاتمة
تمثل مدينة فارسكور نموذجًا فريدًا للتاريخ والثقافة والتطور في مصر، فهي مدينة تجمع بين الأصالة والحداثة، مما يجعلها وجهة مثيرة للاهتمام لمن يرغب في استكشاف التاريخ المصري من منظور جديد. وبفضل جهود سكانها في الحفاظ على تراثهم وتطوير مدينتهم، تظل فارسكور علامة بارزة في محافظة دمياط، ومحطة مهمة في سجل المدن المصرية العريقة.
للمزيد من المعلومات حول تاريخ المدن المصرية القديمة، يمكنك زيارة موقع بيان العلم.