عمان

عمان والتراث العمانية

عمان والتراث العمانية

التراث العماني .. هوية شعب وحضارة أمة إن عمان بكنوزها التراثية الثقافية، المادية وغير المادية، والطبيعية
المنتشرة في كافة مناطقها وولاياتها، تدل دلالة واضحة على هوية وثقافة أصيلة، وعلى إبداع فكر الإنسان العماني، واعتزازه
وارتباطه بأرضه ووطنه.

إن ما حظيت به الأرض العمانية من تراث طبيعي وثقافي هو نعمة لعمان وشعبها دليلٌ على وجود حضارة إنسانية مزدهرة، مستمدة حب المواطن العماني لأرضه والتضحية من أجلها، واستطاع بكل هذا أن يسطّر إنجازات عظيمة عاشها وتفاعل معها وأبدع فيها، فترسخت بذلك هوية الشعب العماني و ثقافته.

قلعة خصب الاتاريحية

وما يدل على براعة العماني وإبداعاته في البناء وفن النحت والنقش تلك القلاع والحصون والأبراج الأثرية المنتشرة في
ولايات السلطنة ومحافظاتها التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، حيث استخدم في ذلك خامات البيئة المحلية البسيطة، فكان يراعي في هندسته الاحتياجات الإنسانية والأمنية والاستحكامات الدفاعية متعددة الأغراض. كما أن هندسة أنظمة الأفلاج في ري المزروعات، من النخيل وغيرها، هي الأخرى تعد ملمحا حضاريًّا يعود إلى فترات تاريخية قديمة تؤكد ثقافة الإنسان العماني المبدع.

وعمان أرض خصبة في مجال الفنون التقليدية والشعبية الموروثة التي يعبر من خلالها الإنسان العماني عن ذاته وموروثاته وأسلوب حياته، ومدى قوة المجتمع العماني وترابطه، كما أنها تجسد مظاهر الفرح التي يعيشها ويمارسها على مدار أيامه.

وتمكنت عمان من نقل ثقافتها وإبداعاتها إلى الحضارات الأخرى، فأقامت على مر التاريخ علاقات ثقافية واقتصادية مع تلك
الحضارات عبر الفترات التاريخية المختلفة.

وفي شرقي أفريقيا أوجد العمانيون، خلال القرن الثالث عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، نظما وأنماطا معمارية ذات ثقافة عمانية متميزة، فاختفت الأكواخ الأفريقية البدائية لتحل محلها البنايات والقصور ذات الحدائق الواسعة، ونظمت الشوارع والممرات وأدخلت الحمامات العامة لأول مرة، وظهرت المشربيات والخطوط العربية على الفن المعماري الأفريقي.

كما نقل العمانيون الأغاني الشعبية لأول مرة إلى شرقي أفريقيا، والتي هي مرتبطة بالقيم الإنسانية في الأفراح ممزوجة بآلات
الموسيقى الأفريقية. وظهرت الملابس العمانية لتنتشر بين الأفارقة:
الدشداشة والعمامة والكمة.

التراث العماني .. اهتمام وسياحة تراثية فريدة
اهتمت السلطنة على مر العصور بالتراث العماني اهتماما كبيرا، حيث خصصت عام ١٩٩٤م عاما للتراث العماني، وفي النظام
الأساسي للدولة تنص المادة (١٣) ((على الدولة أن ترعى التراث الوطني وتحافظ عليه)). إضافة إلى ترميم وصيانة أعداد كثيرة من القلاع والحصون والأبراج والمساجد والأماكن الأثرية الأخرى ضمن خطة متكاملة، وعلى نحو يعيد هذه الآثار إلى حالتها أو قريبا منها، وقد روعي في إعادة ترميم هذه القلاع والحصون ونحوها استخدام الأدوات والمواد نفسها التي بنيت بها، وقد شاركت الكوادر الوطنية المدربة في عملية صيانة وترميم هذه القلاع والحصون التاريخية .

تتواصل عمليات التنقيبات الأثرية في عدد من المناطق الأثرية تحت إشراف وزارة التراث والثقافة التي أنشئت من أجل الاهتمام بالموروث العماني والحفاظ عليه بكافة أشكاله وأنواعه، حيث نالت المخطوطات العمانية القديمة في كافة فروع علومها حظا وافرا من الاهتمام فأنشئت دار المخطوطات والوثائق بوزارة التراث والثقافة التي تضم نحو (٤٣٠٠) مخطوطة عمانية.

وقد قامت السلطنة بدور بارز في الاهتمام بالحرف الوطنية التقليدية والحفاظ عليها باعتبارها حرفا تمثل انتقال وتواصل
الخبرات والمهارات الفكرية والأدائية للإنسان العماني، فشجعت الحرفيين على الاستمرار في إنتاجها مع الحفاظ على سماتها
ومكوناتها وهويتها العمانية. وتقوم الدولة بشراء منتجات المواطنين الحرفية، وإقامة المعارض على المستوى المحلي والعالمي بهدف إبراز الموروث الحضاري العماني، وقد لاقت هذه المعارض إقبالاً وإعجاباً من قبل دول العالم.

وقد تم تتويج تلك الجهود بإنشاء (الهيئة العامة للصناعات الحرفية)).

ومن أجل الحفاظ على المقتنيات الأثرية النادرة أنشأت الحكومة عددا من المتاحف التي تحوي بين جنباتها آثارا تجسد حضارة الإنسان العماني ودوره فيها عبر مراحل التاريخ المختلفة.

وتستقبل المتاحف العمانية عشرات الآلاف من الزوار سنويّا من المواطنين والجنسيات الأخرى.

كما اهتمت الحكومة بعدد من المحميات الطبيعية التي تعتبر بحق من التراث الطبيعي النادر في السلطنة، حيث منعت صيد الحيوانات والطيور بهذه المحميات بهدف بقاء سلالتها وعدم قطع الأشجار والنباتات التي تشكل غطاءً طبيعيًا تبتهج به النفس الإنسانية وتعيش عليه الكائنات الحية الأخری.

ومن خلال اهتمام الدولة بقطاع التراث أسهم قطاع السياحة بشكل كبير في الانتعاش والازدهار، واتجهت أنظار كثير من شعوب العالم إلى بلد الأمن والأمان، وبلد التراث الثقافي والطبيعي، وبلد التنوع في التضاريس، وبلد السياحة الدائمة على مدار السنة بفصولها الأربعة.

مواقع التراث العماني .. وقائمة التراث العالمي
نظرا لأهمية التراث العماني الثقافي والطبيعي وقيمته التاريخية باعتباره جزءً أصيلاً من بنية حياة المجتمع العماني، ولما كانت بعض المواقع التراثية ذات قيمة استثنائية تنفرد بها السلطنة، فقد أدرجت (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي عددا من المواقع العمانية وهي:
قلعة بهلاء ، وموقع بات الأثري ، وطريق تجارة اللبان، ونظام الأفلاج العمانية.

قلعة بهلاء: تعد قلعة بهلاء التاريخية المبنية من الطين من أقدم القلاع والحصون في عمان على مستوى العالم، وواحدة من أبرز معالم التراث الحضاري في شبه الجزيرة العربية، ويعود تاريخ بنائها إلى العصر الجاهلي، وأعلن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة (اليونسكو) في ٩ ديسمبر ١٩٨٧م، ويضم الموقع واحة بهلاء بسوقها التقليدي الذي يرتاده البائعون لتسويق منتجاتهم من الحرف التقليدية والزراعية وحاراتها القديمة المتزاحمة على شكل خلية، ومساجدها الأثرية وعدد من المصانع الفخارية والنحاسية والفضية والتقليدية، وأنظمة الري القديمة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين. يضاف إلى ذلك سورها الرائع الذي يحيطها بطول ١٢ كم ولهذا السور سبعة أبواب وعدد من الأبراج من أجل الاستكشاف والحماية من الاعتداءات الخارجية في تلك الفترة .

قلعة بهلا

ويقصد القلعة مئات السياح من كل أنحاء العالم، حيث يتعرفون قدرة الإنسان العماني وإسهاماته في بناء الحضارة وإثراء
التراث الإنساني فكرا وعملاً وإبداعا .

موقع بات الأثري :
هو ثاني موقع أثري عماني يدرج ضمن قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كمحمية ثقافية في عام ١٩٨٨م، بعد أن تم اكتشافه من قبل البعثة الأثرية الدنماركية عام ١٩٧٢م، ويبعد الموقع حوالي ٣٠ كيلومترا شرقي مدينة عبري بمنطقة الظاهرة.

وتشتمل المحمية على مدافن قديمة يزيد عددها عن (١٠٠) مدفن على شكل أبراج صغيرة، وهي عبارة عن أكوام من الأحجار
المصقولة مصفوفة مطبقة فوق بعضها بعضا، ومدافن أخرى حجرية على شكل خلية نحل، وتضم ما بين مدفنين وخمسة مدافن، كما تضم المحمية ما يقرب من (٢٠٠) قبر أثري بالقرب من المنحدرات التلالية، بالإضافة إلى ستة أبراج من الحجر الكلسي قطرها يتراوح بين (٢٠ و٢١ مترا)، يعتقد أنها كانت للحراسة وحماية المدينة من الغارات، وبها بقايا منازل، ويعود تاريخ المستوطنة إلى الألف الثالثة قبل المیلاد.

كما عثر في هذه المستوطنة الأثرية العالمية على قطع فخارية وحجرية ونحاسية لها تشابه مع حضارة أم النار وحضارة فارس
وحضارة وادي السند وبلاد الرافدين، ويدل هذا على أنها كانت ذات علاقة وتبادل اقتصادي وثقافي، كما أنها كانت ملتقى طرق القوافل التجارية بين الساحل والداخل العماني، وبين القوافل القادمة من الجزيرة العربية عبر الصحراء متجهة إلى سواحل الخليج.

فجميع القوافل التجارية كانت تمر على مدينة بات للمتاجرة بالسلع والتزود باحتياجاتها من المدينة، وهوما يدل على أن المدينة كانت ذات استقرار أمني واقتصادي وذات إدارة فاعلة ناجحة عبر التاريخ.

والجدير بالذكر أن أهالي بات القدماء كانوا يدفنون موتاهم في المناطق الجبلية البعيدة عن متناول وعبث العابثين؛ لأنهم كانوا يدفنون مع الموتى أدواتهم وحاجاتهم الخاصة، لاعتقادهم بالبعث والخلود، وكانت سكناهم في المنطقة الخصبة المنخفضة من موقع المدافن.

مدافن بات

مواقع طريق تجارة اللبان :
لعبت عمان دورا رائدا في إنتاج اللبان وتصديره، وذلك لما للبان من شهرة عالمية في الفترات التاريخية القديمة، وهو محط اهتمام من قبل المصريين القدماء لاستخدامه في تحنيط جثث موتاهم والتطهير من الأمراض المعدية والمنتقلة عبر الفيروسات المنتشرة في الجو، كما استخدمه الیونانیون في معابدهم.
وقد ازدهرت هذه الحضارة وأقامت علاقات اقتصادية وثقافية مع تلك الحضارات من خلال شبكة تجارية عرفت في العالم القديم باسم (طريق اللبان ).

وفي عام ٢٠٠٠م أدرجت (اليونسكو) مواقع طريق اللبان إلى قائمة التراث العالمي. وقد لعبت المواقع دورا كبيرا في إنتاج وتصدير اللبان. ومن الملاحظ أنها جميعها تتمركز في الجنوب من عمان، باعتبار أنها تجود في مناطقها زراعة أشجار اللبان منذ القدم وتنتشر على مساحات كبيرة، وخاصة في وادي دوكة المحمية الطبيعية لأشجار اللبان التي تبعد عن مدينة صلالة حوالي ٢٥ كلم من جهة الشمال، فمن وادي دوكة يبدأ إنتاج اللبان وينتقل عبر القوافل التجارية البحرية إلى قلب الصحراء إلى منطقة ( شصر / وبار )، حيث مركز تصدير اللبان برا إلى العراق وبلاد الشام ومناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية، وفي هذا الموقع تم العثور على أدوات وأوانٍ فخارية وزجاجية يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد.

مدينة البليد الاثرية

أما الممر الساحلي لطريق اللبان فكان عن طريق موقع خور روري أو سمهرم ويرجع تاريخه إلى الألف الأول قبل الميلاد، وهو عبارة عن مستوطنة ساحلية كبيرة تقع بين ولاية طاقة وولاية مرباط. وهذه المستوطنة ذات طابع معماري مميز للنمط العربي الجنوبي. كما لعب موقع البليد الأثري دورا رائدا في تجارة اللبان، وفي هذه المستوطنة تم اكتشاف مسجد قديم يضم ١١٤ عمودا، وقلعة أثرية، بالإضافة إلى سور يحيط بالمدينة به عدة أبواب وستة أبراج للاستكشاف وحماية المدينة، وتأمين تجارة اللبان والبخور والصادرات الأخرى.

الأفلاج العمانية :
تعد الأفلاج في السلطنة من الموروثات التاريخية الحضارية العريقة التي تؤكد براعة الإنسان العماني القديم وهندسته في أنظمة الري التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي سنة، فعملت الحكومة الرشيدة على الحفاظ على هذا الموروث الحضاري من حيث الصيانة والترميم. وفي يونيو ٢٠٠٦م أدرجت خمسة أفلاج عمانية ضمن قائمة التراث العالمي ذات القيمة الاستثنائية التي يندر وجود مثيل لها في العالم. وتتميز هذه الأفلاج الخمسة بوجود الكثير من المعالم على جوانبها مثل الحصون والبيوت الأثرية وأبراج المراقبة، وقد تم اختيارها بعد توافر المعايير العالمية للتراث العالمي وهي :

أقدمية الفلج .

طول قناة مجرى الفلج .

تدفق مجرى الفلج .

الموقع المهم للفلج .

الهندسة المعمارية التراثية الفريدة للفلج .

والأفلاج المدرجة هي :
١- فلج الجيلة: من الأفلاج العينية بولاية صور، ويتميز بثبات تدفقه ليصل إلى (٠,٠٤٤ متر مكعب في الثانية)، ويتغذى من وادي شاب ذي المياه والبرك المائية المستمرة طوال العام. ويستخدم لري مساحات من مزارع النخيل تقدر بـ (١٠٠٣٤ مترا
مربعا)، ويستخدم لأغراض منزلية أخرى، ويبلغ طول قناته (١٦١ مترا).

فلج الجيلة

٢- فلج دارس: من أطول الأفلاج الداوودية في محافظة الداخلية بولاية نزوى، يبلغ طوله حوالي (٧٩٩٠ مترا)، ويتكون من ثلاثة
سواعد شهيرة هي الساعد الرئيسي والساعدان الشرقي والغربي. ويروي ما يقدر بـ (١,٧١٥,٥٠٢ متر مربع) من الأراضي المزروعة، وهو من الأفلاج ذات الجريان الكبير حيث يصل تدفقه إلى أكثر من (٢٠٠٠ لتر / ثانية) ويستمد معظم میاهه من وادي الأبيض.

فلج دارس

٣- فلج الميسر: هو من أشهر الأفلاج الداؤدية بولاية الرستاق، يتميز بعمقه بنحو (٥٠ مترا) تحت مستوى سطح الأرض، ويعد من الأفلاج ذات الكميات الكبيرة في تدفق المياه المستمرة، حيث يصل طول قناته إلى (٥٧٨٣ مترا)، ويتغذى من وادي الفرعي ووادي السن، ويبلغ تدفقه أکثر من (٩٠٠ لتر / ثانية)، ويروي الفلج من الأراضي الزراعية ما يقدر بـ (١,١٣٣,٦٩٨ مترا
مربعا).

فلج الميسر

٤- فلج الخطمين: من أشهر الأفلاج الداؤدية بنيابة بركة الموز بولاية نزوى، يتميز بتدفقه الشديد أثناء سقوط الأمطار، ويبلغ طول قناته حوالي (٢٤٥٠ مترا)، ويمر الفلج داخل حصن بيت الرديدة الأثري، ويروي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية،
وينقسم مجراه عند مدخل البلدة إلى ثلاثة أقسام متساوية، يروي القسم الأول المزارع التابعة للأهالي، أما القسمان الآخران
فيعودان للالتقاء في مجرى واحد لري مزارع بيت المال التي تمتلكها الدولة.

٥- فلج الملكي: يقع في ولاية إزكي وسمي بهذا الاسم نسبة إلى ((مالك بن فهم الأزدي)). ويعد من أقدم الأفلاج العمانية،
وينقسم إلى قسمين ليروي مساحات كبيرة من المزروعات وبساتين النخيل، ويشتمل على (١٧) ساعدا من السواعد المغذية للفلج.

مواضيع مشابهة

نسب قبيلة العادي في سلطنة عمان

bayanelm

عمان بين القرنين الثاني والسادس الهجريين

bayanelm

مخالفات ازعاج بوق هرن السيارة في قانون المرور العماني

bayanelm