عمان في عصر البوسـعيد وحدة ومنجزات
مرَّت عُمان في أواخر العصر اليعربي بأوضاع سياسية غير مستقرة، نتج عنها قيام دولة البوسعيد التي حققت العديد من المنجزات السياسية والحضارية والعسكرية، وتمكنت من إقامة العديد من العلاقات الخارجية مع الكثير من دول العالم.
النشأة … وتوحيد البلاد
بدأ عصر البوسعيد في عُمان عام ١٧٤٤م بتولي الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، الذي كان واليًا على مدينة صحار في أواخر عصر الدولة اليعربية، وتمكن الإمام أحمد بن سعيد من توحيد البلاد وطرد الفرس منها، واتخذ الرستاق عاصمة له.
شخصية تاريخية عُمانية
الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي:
ولد في ولاية أدم بمحافظة الداخلية، عمل في بداية حياته بالتجارة، كان رجلاً شجاعًا عالي الهمة تميز بِالحِنْكَةِ
والذكاء، وتوفي في مدينة الرستاق ودفن فيها عام ١٧٨٣م.
الحكام البوسعيد … سياسة حكيمة ومنجزات راسخة
تميَّز عصر البوسعيد بالعديد من المنجزات السياسية والعسكرية ومنها.
الإمام أحمد بن سعيد:
أسس جيشا قويًا ثابتا، وأسطولا بحريًّا
السيد سلطان بن أحمد:
حرر البحرين من سيطرة الفرس
السيد سعيد بن سلطان:
أقام إمبراطورية واسعة الامتداد في آسیا وإفريقيا
الإمام عزان بن قيس:
وحد البلاد وحافظ على استقرارها
السلطان فيصل بن تركي:
نجح في إقامة علاقة متوازنة بين عمان والقوى الأوروبية المتنافسة
ومن الإنجازات العسكرية التي تحسب للدولة البوسعيدية اهتمامها الكبير بالأسطول البحري، حيث تمكن الأسطول العُماني في عهد الإمام أحمد بن سعيد من تأمين السواحل العُمانية وطرد الفرس منها، كما تمكّن أيضًا في عام ١٧٧٥م من تحرير مدينة البصرة من الحصار الفارسي، وفي عهد السيد سلطان بن أحمد نجح الأسطول العُماني في فرض السيادة على الخليج العربي وبحر عُمان، ونجح نجاحًا باهرًا في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي تمكن بواسطته من ربط الشق الآسيوي بالشق الإفريقي من الإمبراطورية العُمانية، وكان سببًا في قوة العلاقة بين عمان والدول الأخرى.
شخصية تاريخية عُمانية
السلطان سعيد بن تيمور:
والد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيَّب الله ثراه-، تولّى الحكم عام ١٩٣٢م، اهتم بالعلاقات
الخارجية حيث عقد العديد من الاتفاقيات، أهمها اتفاقيات صداقة وعلاقات اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية
والهند، كما قام بزيارة العديد من دول العالم، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، واليابان، وفلسطين، ومصر. ويعدُّ
أول حاكم عربي يزور الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تُوجت منجزات الدولة البوسعيدية بقيام النهضة العُمانية الحديثة في ٢٣ يوليو ١٩٧٠م في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيِّب الله ثراه – فأصبحت عمان دولة المؤسسات والقانون، وتعد قوات السلطان المسلحة وشرطة عمان السلطانية
من شواهد النهضة العُمانية الحديثة حيث حظيت باهتمام بالغ من خلال برامج التأهيل والتدريب الفني والأكاديمي لكافة منتسبيها، وتزويدها بكافة الأسلحة والمعدات المتطورة التي تكفل تحقيق الأمن والاستقرار في سلطنة عُمان.
وتوفي السلطان قابوس في ١٠ ینایر ٢٠٢٠م، بعد أن أرسى ركائز دولة شامخة لها مكانتها وشهرتها المحلية والإقليمية والعالمية.
ومن مظاهر الاستقرار السياسي الداخلي الذي شهدته عُمان، الانتقال السلس للحكم بعد وفاة السلطان قابوس بن سعید بن تیمور طيَّب الله ثراه وتولي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في ١١ يناير
٢٠٢٠م، وقد ألقى جلالة السلطان هيثم ابن طارق بن تيمور خطابه الأول أمام مجلس عُمان وفيه عاهد شعبه منذ الوهلة الأولى
بالسير على خُطًا السلطان الراحل في مشهد تاريخي يدل على عراقة عُمان وتماسك شعبها وحکمة حگّامها.
السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد – حفظه الله ورعاه -:
وُلد في مسقط بتاريخ ١١ أكتوبر ١٩٥٤م، وتلقّى تعليمه في المراحل الأولى في المدرسة السعيدية بمسقط، ثم واصل تعليمه العالي في جامعة أكسفورد في برنامج الخدمات الخارجية، وتخرَّج عام ١٩٧٩م، ثم أكمل تعليمه بكلية بيمبروك التابعة لذات الجامعة. تولى السلطان هيثم بن طارق حفظه اللّه ورعاه مناصب عدة قبل توليه الحكم منها: وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية عام ١٩٨٦م، ووزيرًا للتراث والثقافة في الفترة (٢٠٠٢م ٢٠٢٠م)، كما تولى رئاسة اللجنة الرئيسية لرؤية عُمان ٢٠٤٠.
المنجزات الحضارية … مجد وازدهار
تعددت المنجزات الحضارية العُمانية في عصر البوسعيد، فشملت مجالات عديدة منها:
المجال الإداري
طوَّر حكام البوسعيد النظام الإداري في عُمان، حيث استحدث الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي بعض التنظيمات يوضحها الشكل (١٨).
المجال الاقتصادي
تنوعت الأنشطة الاقتصادية في عُمان في عصر البوسعيد، فقد ازدهر النشاط التجاري حيث كان لميناء مسقط أهمية تجارية كبيرة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وكان التجار العُمانيون يقومون بدورٍ مهمٍّ في تجارة المحيط الهندي باعتبارهم موزِّعين للسلع التجارية المحلية مثل: التمور والأسماك واللبان والعسل والصمغ، وكذلك السلع المستوردة من البلدان الأخرى مثل: البُن من اليمن، والملح من بلاد فارس، والعاج من شرقي إفريقيا.
بلغت التجارة التي تمر على ميناء مسقط في العقد الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي ما يعادل خمسة أثمان مجموع
التجارة في منطقة الخليج العربي.
كما اكتسب ميناء زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان شهرة عالمية، حيث استقبل السفن التجارية من مختلف دول العالم، فقد زارت الميناء (٤١) سفينة تجارية أجنبية خلال الفترة (١٨٣٢م – ١٨٣٤م).
وازدهرت الزراعة في عصر البوسعيد، ومن أشهر المحاصيل الزراعية: القرنفل الذي أدخله السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار عام ١٨٤٢م، وقد راجت تجارته حتى أصبح من الموارد الرئيسية الممولة لخزينة الدولة؛ مما جعل زنجبار أكبر مُصدّر للقرنفل في العالم.
بالإضافة إلى ذلك تطورت الصناعة في عُمان في تلك الفترة، ومن أهمها: صناعة السفن، حيث كانت الموانئ العُمانية مثل:
مطرح ومسقط وصور من أهم أحواض بناء السفن في عهد السید سعید بن سلطان.
المجال العمراني
نالت العمارة نصيبًا وافرًا من اهتمام حُكّام البوسعيد، فبنوا القلاع والحصون والأبراج والبيوت والقصور ، ومن الأمثلة عليها: حصن المنصور الذي بناه الإمام سعيد بن أحمد في الرستاق، وقلعة الراوية التي بناها السيد سلطان بن أحمد في مسقط، كما تم في عهده أيضًا بناء حصن الفليج في بركاء، أما في عهد السيد سعيد بن سلطان فقد تم بناء حصن الخندق في البريمي.
صورة حصن المنصور في الرستاق
صورة حصن الفليج في بركا
صورة حصن الخندق في البريمي
صورة حصن الراوية في مسقط
اهتم السلطان يرغش بن سعيد بالعمران، حيثُ شيَّد قصري بيت العجائب والمرهوبي في زنجبار، كما بنى برجًا
ضخمًا قرب ميناء زنجبار، ووضع على هذا البرج أربع ساعات ضخمة بأجراسها مواجهة للميناء.
المجال الثقافي
تطور التعليم في عصر حُكام البوسعيد ابتداءً من حلقات تحفيظ القرآن الكريم مثل مدرسة بيت القرن بالرستاق في عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، مرورًا بالتعليم النظامي في المدرسة السلطانية الأولى في عهد السلطان تيمور بن فيصل، وانتهاءً بما نشهده اليوم من انتشار للمدارس في كل مدن عُمان وقُراها.
شخصية تاريخية عُمانية
سعيد بن خلفان البوسعيدي:
سياسي ومترجم عيَّنه السيد سعيد بن سلطان مترجمًا أثناء استقبال الوفود الرسمية الأجنبية في مسقط، وقد نال لقب المندوب الفرنسي في مسقط عام ١٨٣٨م، وعيَّنته الولايات المتحدة الأمريكية وكيلا لها بمسقط، كما قَبل السيد سعيد بن سلطان عام ١٨٤١م طلب فرنسا بالاعتراف بسعيد بن خلفان قنصلًا فرنسيًّا في مسقط.
وبرز في عصر البوسعيد العديد من العلماء في مختلف مجالات المعرفة مثل: الشيخ مهنا بن خلفان بن محمد البوسعيدي حيث ترك كتابًا أسماه ((تهذیب الأثر في تلخيص جامع الشيخ محمد بن جعفر))، والشيخ ناصر بن جاعد الخروصي،
الذي ترك مؤلفات عديدة منها: ((موسوعة العلم المبين وحق اليقين))، والشاعر سعيد بن مسلم المعروف بأبي الصوفي الذي ألَّف ديوان شعر طُبع لأول مرة في مدينة أوساكا باليابان على نفقة السلطان تيمور بن فيصل عام ١٩٣٧م، ومن علماء عمان المعاصرين الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي الذي شغل منصب مفتي عام السلطنة منذ عام ١٩٧٥م، ومن مؤلفاته كتاب “برهان الحق”.
العلاقات الخارجية … انفتاح وتواصل
استمرت عُمان في عصر البوسعيد بإقامة علاقات دبلوماسية على المستويين الإقليمي والعالمي، حيث عقدت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات مثل: المعاهدة التي عقدها السيد سعيد بن سلطان مع الولايات المتحدة عام ١٨٣٣م، والتي تُعد من أقدم العلاقات السياسية بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية.
وحرصت عُمان على الاستمرار في علاقاتها الخارجية خلال الفترات اللاحقة، وفي عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيِّب الله ثراه- توسعت عُمان في علاقاتها بفضل سياسة السلام التي اتبعها، حيث اتخذ السِّلْم والحوار، وعدم التدخل في شؤون الغير منهاجًا في سياسته الخارجية، ودعا إلى حل جميع المشاكل الإقليمية والعالمية بالطرق السلمية، كما اتخذ السلطان دور الوسيط في حل الكثير من الخلافات إقليميا وعالميًّا؛ مما أكسب سلطنة عمان محبة العالم وأصبحت مرسى السلام والأمان. وعندما تولى جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد أكّد على السير على نهج السلطان قابوس فى سياسته الخارجية.
أضف إلى معلوماتك
أرسل السيد سعيد بن سلطان واليه على ممباسا علي بن ناصر الهنائي على متن السفينة سلطانة إلى لندن عام ١٨٤٢م، حاملًا معه هدايا السلطان سعيد إلى الملكة.
