عمانتاريخ

دور العُمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في السواحل الأسيوية

دور العُمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في السواحل الأسيوية

يُعَدُّ العُمانيون رواد المحيط الهندي الذي كان منطقة نفوذ لهم خلال العصور الإسلامية الأولى، فمن خلاله وصلوا إلى سواحل آسيا حاملين تجارتهم، وفي الوقت نفسه كانوا طلائع حملة الإسلام وحضارته وقيمه السمحة، فعمَّ الإسلام معظم سواحل المحيط الهندي، بل وصلوا إلى المحيط الهادي حيث سواحل الصين في أقصى الشرق، كما توغلوا في أدغال وغابات المناطق الموسمية والاستوائية في آسيا، وأضحت تلك البقاع تشع منها أنوار الإسلام وحضارته.

عوامل نجاح العُمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في السواحل الأسيوية

أسهمت العديد من العوامل في إنجاح الدور العُماني في نشر الحضارة الإسلامية بالسواحل الآسيوية ومن أبرزها:

١ – العوامل الطبيعية:
شكَّل امتداد الساحل العُماني على مياه المحيط الهندي ومدخل الخليج العربي، عاملاً أساسيًّا في ظهور موانئ عديدة أسهمت في التواصل الحضاري مع الشعوب الأخرى، كما عززت ارتباط الساحل بداخلية عُمان وبقية مناطقها، كما كان لموقع عُمان الجغرافي بين حضارات مختلفة وأقاليم متنوعة في إنتاجها الدور الكبير في التفاعل والتكامل مع تلك الحضارات.

٢- العوامل السياسية:

كان للاستقرار السياسي الذي شهدته عُمان عبر العصور التاريخية، دور مهم في التواصل بين شعوب وحضارات المنطقة، إذ قامت بعُمان في العصور الإسلامية المختلفة دول عديدة أرست دعائم الأمن والاستقرار، وتعدّ الإمامة الإباضية الثانية (١٧٧- ٢٨٠هـ) منطلقًا لتحقيق الاستقرار السياسي والازدهار الحضاري بعُمان ثم امتدّ ذلك في قرون متتالية ساد فيها الأمن والعدل.

٣- العوامل الحضارية :

تملك عُمان رصيدًا حضاريًّا وافرًا؛ وذلك لتعاقب الحضارات على أرضها منذ عصور ما قبل الإسلام، فكانت حضارات مجان ومزون وعلاقاتها بالحضارات الأخرى الأثر الكبير في ثراء خبرة العُمانيين في التفاعل مع شعوب العالم المختلفة، وعندما دخل أهل عُمان في الإسلام ازدادت خبرتهم في مجال العلاقات الدولية ولا غرو في ذلك فالإسلام دين السلام والتفاهم والعيش المشترك.

٤- العوامل الاقتصادية:

أسهمت السفن العُمانية في إحداث ثورة في نقل السلع التجارية وتبادلها بين السواحل الآسيوية من جهة وبين الموانئ العُمانية وغيرها من موانئ الجزيرة العربية من جهة أخرى، وكان للعُمانيين الدور الأكبر في نقل محاصيل آسيا الزراعية إلى سواحل المحيط الهندي وبقية أرجاء الشرق الأدنى؛ فقد قامت السفن العُمانية بنقل متطلبات موانئ المحيط الهندي من الحديد والذهب والنحاس والعاج؛ فأسهم ذلك في ازدهار تلك الموانئ.

وهكذا كان للدور العماني أثر كبير في إرساء الحضارة الإسلامية ونشر مبادئها وقيمها على امتداد سواحل آسيا، حتى أصبح المحيط الهندي محيطًا إسلاميًّا، وغلب على سكانه الطابع الحضاري الإسلامي.

المؤثرات الحضارية العمانية في السواحل الأسيوية :

١ – جنوب آسيا (الهند):

بحكم الجوار الهندي لعُمان نشطت العلاقات التجارية والصلات الحضارية بين الشعبين ومنذ فترات تاريخية سبقت ظهور الإسلام، حيث استوطن الكثير من عرب عُمان مناطق مختلفة في الهند، وقد ذكر المؤرخ المسعودي أن بعضًا من العُمانيين سكنوا الهند في مدينة ساحلية تدعى (صيمور) وأنهم تزوجوا منها، كما سكنوا ساحل الهند الغربي ((المليبار))، وقد أسلم ملك المليبار، وتوفي أثناء عودته لبلاده من رحلة إلى الحجاز ودفن بظفار.

كما يذكر ابن بطوطة أنه حين زار مدينة “فندرينا” عام (٧٤٢هـ)، وجد بها الكثير من المسلمين وعددًا من المساجد، يقدمها جامع كبير على ساحل البحر، وكان خطيب هذا الجامع من أهل عُمان، كما أن قاضي هذه المدينة كان عُمانيًّا، وأشار إلى أن مدينة منجرور (بنجلور) تضم العديد من الجاليات الإسلامية بلغت أربعة آلاف مسلم، كما كان النوخذة حسن التاجر ملاحًا عُمانيًّا ثريًّا استوطن ميناء (صندابور) على ساحل المليبار، ومن أعماله المهمة في خدمة الإسلام بناؤه لمسجد صندابور، فكان ذلك المسجد مركزًا لنشر الإسلام والتعريف به للسكان المحليين من الهنود.

٢- شرق آسيا (الصين):

بدأت العلاقات التجارية بين الصين ومنطقة غرب آسيا وسواحل عُمان منذ الألف الثالثة ق.م. كما بدأت السفن العُمانية في الوصول إلى سواحل الصين الجنوبية والجزر المقابلة لها منذ تلك العصور حاملة منتجاتها ومنتجات الأقاليم المجاورة لها مثل التمور والسمك المجفف واللبان، وعادت تلك السفن في رحلات منتطمة حاملة سلع الصين ومنتجاتها من الأحجار الكريمة والمسك والعنبر والمنسوجات والخزف والصناعات الأخرى، حتى أصبحت موانئ عُمان مرتبطة بتلك الرحلات ومواعيدها، واستقرت أعداد كبيرة من الجاليات العُمانية وغيرها من الجاليات العربية في موانئ الصین، لا سیما میناء کانتون، بحیث کانت تلك الموانئ أسرع المراكز للتحول إلى الإسلام وثقافته منذ القرن الثاني الهجري.

وكان للتجار العُمانيين دور بارز في نشر الإسلام في الصين وما جاورها، حيث ارتبط الإسلام بالتجارة وارتبطت التجارة
بالدين، وقد سجَّل التاريخ أسماء بعض التجار العُمانيين الذين ارتحلوا إلى هذه البلاد مثل أبي عبيدة عبد الله بن القاسم البسيوي في القرن الثاني الهجري، والشيخ عبد الله الصحاري في القرن الخامس الهجري وغيرهم.
كما يوجد في الصين مسجد أبي عبيدة الذي بناه التاجر العماني أبو عبيدة عبد الله بن القاسم العماني في القرن
الثاني الهجري، وقد قامت الحكومة العمانية بإعادة بنائه بأوامر سامية من السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه
وتم افتتاحه رسميا في أكتوبر من عام ٢٠٠٩م، ويُعَدُّ هذا المسجد معلما من المعالم الدينية التاريخية العُمانية في شرق
آسیا.

وقد وصل العُمانيون بتجارتهم إلى أقصى شمال الصين، وتوغلوا داخل البلاد، كما وصلوا إلى بلاد الشيلا (کوريا حاليًّا)، وبلاد الواق واق (اليابان حاليًّا). واستمرت رحلات العُمانيين إلى ميناء كانتون الصيني، حيث كان لهم وكلاء عديدون في هذه المدينة وغيرها من مدن الصين التي فتحت أبوابها لتجارتهم.

٣- جنوب شرق آسيا :

ارتاد التجار العُمانيون منطقة جنوب شرق آسيا منذ القدم، سواء أكانوا يقصدونها للتجارة، أم يجعلون منها محطات لإعادة تصدير السلع “منطقة توقف”، أو لتزويدهم بالمؤن والماء العذب، وهم في طريقهم إلى ميناء كانتون بالصين، وقد دخل الإسلام إلى منطقة جنوب شرق آسيا منذ القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، عن طريق التجار العرب، من عُمان وغيرهم.

ومما حفز التجار العُمانيين للإبحار إلى هذه المناطق ما تميزت به من سلع ثمينة، (العنبر، الفضة، الأحجار الكريمة). ومن الأدلة التي تؤيد دور العُمانيين في نشر الإسلام في هذه المنطقة وجود إشارات تدل على تأثر جزيرة (جاوة) في إندونيسيا بالتجار العُمانيين، حيث عثر على مساجد أثرية قديمة كثيرة العدد بغیر زخارف، مما يدل على أنها من بناء التجار العُمانيين، أو على الأقل متأثرة بالطابع العُماني في بناء المساجد وهو طابع معروف ببساطته، كما تم العثور في جزيرة جاوه على مقابر كثيرة تظهر عليها نقوش عربية، تعود إلى عام (٤٧٥هـ/ ١٠٨٢م).

مسجد سلطان لجوار شارع مسقط بسنغافورة

كما يوجد مسجد بماليزيا يسمى بالمسجد العُماني ويقع في ملقا، وقد بناه التاجر والداعية العُماني عبد العزيز الملكاوي نسبة إلى ملقا التي عاش فيها داعيًّا إلى الإسلام، ومن البحارة العُمانيين الذين ساهموا في نشر الإسلام عن طريق التجارة في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي التاجر محمد بن بلشاد الذي كان يمخر عباب البحار، منطلقا من ميناء ريسوت على الساحل الجنوبي لعُمان، مرورا بالسواحل الهندية، وصولا إلى سواحل جنوب شرق آسیا.

كما اشتهر الملاح العُمانيّ إسماعيلويه بن إبراهيم بن مرداس في بدايات القرن الرابع الهجري حيث أبحر بسفنه من ميناء (كَلَهْ بَارْ) بالملايو إلى صحار عام (٣١٧هـ)، ولم يقتصر تواصل العُمانيين في جنوب شرقي آسيا مع الملايو فحسب بل توغلوا إلى أبعد من ذلك فقد وصلوا إلى جزيرة برونيو، والجزر الجنوبية في الفلبين كـ (مندناو) و(صولوا) ذات الغالبية المسلمة اليوم.

أضف إلى معلوماتك:

كان الأسطول العُماني بالمرصاد لكل عدو يحاول تعكير صفو الاستقرار بسواحل المحيط الهندي، ففي عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي(٢٣٧-٢٧٢هـ) هاجم الأحباش جزيرة سقطرى التي كانت تابعة لعُمان واحتلوها وقتلوا الوالي العُماني عليها، فجهز الإمام أسطولاً ضخمًا بلغ تعداده أكثر من مائة سفينة ونازل الأحباش وانتصر انتصارًا ساحقًا وحرَّر تلك الجزيرة.

كان يُطلق على ساحل المليبار (خير الله)؛ لما يحويه هذا الساحل من خيرات عظيمة، ثم مع الزمن حُرِفت الكلمة إلى كيرلا.

في عام (١٠٧٧م) بلغت كمية البخور التي وصلت إلى ميناء كانتون بالصين حوالي ١٧٤ طنا جاء معظمها من ظفار العُمانية التي تلقب بشاطئ العطور ولذلك سمى الطريق البحري بين عُمان وجنوب الصين إضافة إلى طريق الحرير بـطريق البخور.

قامت سلطنة عُمان بتسيير سفن عُمانية شراعية في العصر الحديث من موانئ عُمان إلى موانئ الصين وجنوب شرقي آسيا والهند كسفينتي صحار (١٩٨١م)، وجوهرة مسقط (٢٠١٠م)، تخليدًا لأحداث لها مكانة خاصة في نفوس العُمانيين تعيد لهم
أمجاد أجدادهم، وحضارة أسلافهم، فقد أمر السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه بتجهيز تلك الرحلتين للتواصل الحضاري بين العُانيين وشعوب تلك البقاع.

شخصية تاريخية عمانية:

أبو عبيدة عبدالله بن القاسم البسيوي العُماني:

أبو عبيدة عبدالله بن القاسم البسْيوي العُماني: تاجر وداعية عُماني اشتهر برحلاته التجارية من عُمان إلى الصين كان من أوائل من أوصل دعوة الإسلام إلى الصين في القرن الثاني الهجري، وأسلم على يديه عدد كبير من الصينيين لأخلاقه وحسن معاملته.

أبو عبيدة عبدالله الصحاري ق(٥هـ):
هو تاجر عُماني لقبه الإمبراطور الصيني بجنرال الأخلاق الطيبة؛ وذلك لما كان يتحلى به من صفات عالية وسلوك متميز، وقد قضى عبدالله الصحاري في مدينة (قوانتشو) عشرات السنين كانت له ممتلكات وافرة حتى بلغ قيمتها عدة ملايين من المينات، (والمينات: عملة صينية قديمة).

مواضيع مشابهة

انجازات الاوائل طريق المستقبل

bayanelm

شخصيات عمانية في عهد الرسول محمد

bayanelm

نسب قببيلة المسكري في سلطنة عمان

bayanelm