عمان

دور العمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في شرق إفريقيا

دور العمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في شرق إفريقيا

للحضارة الإسلامية دور بارز في القارة الإفريقية، فبعد انتشار الإسلام فيها منذ القرن الأول الهجري بدأت مؤثرات الحضارة الإسلامية فيها. وقد سبق أن درست عن قيام دول إسلامية ذات أبعاد حضارية في شمال إفريقيا كالدولة الرستمية والدولة الفاطمية، كما قرأت في الوحدة السابقة من هذا الكتاب قيام مدن إسلامية في شمال إفريقيا وغربها كالقيروان وتمبكتو، وعرفت ما أنتجته هذه المدن من أبعاد حضارية إسلامية.

وقد بقي لنا في هذا الدرس أن نسلط الضوء على الشرق الإفريقي، حيث تبرز هنالك معا لم الحضارة الإسلامية التي حمل لواءها أجدادنا العمانيون، فما الدور الذي قاموا به في شرق إفريقيا؟ وما أبرز نتاجاتهم الحضارية هناك؟ هذا ما سنبحثه معك في هذه المقالة:

فقد كانت المدن الواقعة على سواحل شرق إفريقيا على علاقة تجارية راسخة مع عُمان ومناطق شبه الجزيرة العربية منذ فترات تاريخية سبقت الإسلام، ويرجع ذلك إلى حكم الجوار الجغرافي، الذي بدوره ساعد من خلال التجارة على وصول الإسلام وانتشاره على طول الساحل الشرقي لإفريقيا.

لقد كانت هجرات العُمانيين إلى ساحل شرق إفريقيا أهم الهجرات وأقدمها وأكثرها تأثيرًا في نشر الإسلام في هذه المنطقة الحيوية من قارة إفريقيا، وقد كان للإسلام دور كبير في تحضر شرق إفريقيا وتطوره، وأرسى دعائم المدنية والحضارة .

النتاج الحضاري لشعوب شرق إفريقيا في العصر الإسلامي

أسهم العُمانيون إلى جانب المهاجرين المسلمين من حضرموت وفارس والهند بدور تاريخي وحضاري أساسي في تكوين المجتمع الإسلامي في شرق إفريقيا، فالمجتمع المسلم في ساحل شرق إفريقيا يتكون من أجناس متعددة، وأمم مختلفة في صفاتها وعاداتها وثقافاتها، وبعد إسلامها أخذت تنصهر جميعها في بوتقة الحضارة الإسلامية، ومن هذا الاختلاط نشأ جيل جديد عرف (بالسواحلي) ويتكلم لغة واحدة هي السواحلية يدينون بدين واحد هو الإسلام الذي وحَّد بين هذه الشعوب المختلفة، وقد بدأت مظاهر الحضارة العربية الإسلامية بالظهور على البر الإفريقي منذ القرن الهجري الأول، والتي نرصدها في المجالات الآتية :

1 – المجال السياسي :

منذ بدايات العصور الإسلامية وفي القرن الأول الهجري تحديداً بدأ العُمانيون يشكلون دولا على الشريط الساحلي لإفريقيا الشرقية، وقد كان لها رصيد مهم في نشر الإسلام في تلك المناطق، ومن أهم تلك الهجرات والدول والممالك ما يأتي:
١- بدأت مظاهر الإدارة والنظام السياسي بالظهور على الساحل الإفريقي منذ القرن الأول الهجري حين هاجر آل الجلندى بقيادة سعيد وسليمان ابني عباد إلى منطقة لامو شرق إفريقيا (٨٣ هـ / ٧٠٢م) في أعقاب حملات الحجاج بن يوسف ضد أهل عُمان، وتبعهما جماعات عربية عُمانية عديدة، وبرزت مظاهر الحياة في منطقة لامو حين أنشئت إدارة للحكم، وموانئ للسفن، والعديد من القلاع والاستحكامات العسكرية،

واتسعت المنطقة لتشمل جزرًا أخرى في أرخبيل جزر لامو، وبدأت جماعات إفريقية تتجه للإقامة في تلك المناطق تحت مظلة الحكم العربي والإسلامي، ومن لامو بدأت عمليات التحول إلى الإسلام في البر الإفريقي، وأصبحت مركزًا حضاريًّا إسلاميًّا مهمًّا بالنسبة للمناطق المجاورة لها، كما حدث تطور سياسي مهم في المنطقة أثناء حكم آل الجلندى كان من أبرز ملامحه:

إنشاء المجلس الاستشاري من وجهاء الأحياء في الجزر والمراكز الساحلية لإدارة الحكم.

تشكيل “هيئة قضائية” من العلماء والفقهاء لتطبيق مبادئ الشرع الإسلامي.

ظهور مؤسسات تعليمية تربوية إسلامية ممثلة في الكتاتيب والمساجد.

٢- في عام (٢٩٥هـ /٩٠٧م) قدمت إلى القسم الشمالي من ساحل إفريقيا الشرقي هجرات من قبائل الحرث، واستقرت
على ساحل الصومال وأنشأت موانئ لها في مقديشو ثم براوة.

٣- وصل أمير نبهاني من عُمان (في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي) وأسس مملكة واسعة في الساحل الشرقي لإفريقيا، واتخذ(باتي) عاصمة له، وقد ازدهرت هذه الدولة زمن خلفائه في المجالات التجارية والصناعية والزراعية، كما رسخت أسس الحياة السياسية السليمة، فكانت السلطة بيد الملك النبهاني، تعاونه على ذلك هيئة من زعماء العرب والأفارقة، ويتم تعيين والٍ لإدارة كل مدينة. وتأسست هيئة استشارية من كبار التجار وزعماء القبائل العربية وقبائل البانتو الإفريقية، وهكذا قدَّم العُمانيون نموذجًا للإدارة في ساحل إفريقيا الشرقي.

٤- قيام اليعاربة بتطهير الساحل الشرقي لإفريقيا من الاحتلال البرتغالي في نهايات القرن السابع عشر الميلادي وبناء
الكثير من القلاع والحصون على تلك السواحل، وتعيين ولاة عمانيين علی مدنها.

٥- استوطنت بعض القبائل العُمانية الساحل الشرقي لإفريقيا بعد قيام دول عُمانية على تلك السواحل، ومن أهم تلك
القبائل: المزاريع الذين حكموا جزءًا من الساحل الشرقي لإفريقيا في بعض الفترات التاريخية.

٦- تعد الدولة البوسعيدية خاتمة الدول العمانية التي قامت بشرقي إفريقيا وكان لها إنجازات عظيمة في تحقيق ازدهار
شرق إفريقيا وتقدّمها في مختلف المجالات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية.

فمع منتصف القرن الثامن عشر وخصوصًا في عصر الدولة البوسعيدية بدأ الإسلام ينتشر لأول مرة في مناطق جديدة، في الأدغال الداخلية بمنطقة البحيرات العظمى وصولا إلى منابع نهري النيل والكونغو خصوصًا بعد أن أصبحت زنجبار مركز إشعاع إسلامي وحضاري منذ أن اتخذها السيد سعيد بن سلطان حاضرة الحكم العُماني في شرقي إفريقيا عام (١٨٣٢م)، فكانت زنجبار وبمبا تضمان حوالي (٣٧٥) مسجدًا، إذ كانت تلقى الدروس في أروقة المساجد على يد نخبة من العلماء، كما اعتنى العُمانيون بإنشاء المدارس الدينية لتحفيظ القرآن وتعليم أصول الدين والشريعة واللغة العربية، فكانت تلك الدول تبني المساجد والمدارس وتعمل على نسخ المصاحف والكتب ونشر العلم والمعرفة بين سكان الساحل الشرقي لإفريقيا.

٢- المجال الاقتصادي :
ازدهرت الحياة الاقتصادية في شرق إفريقيا في ظل الدول والممالك العُمانية في مجالات عدة: كالتجارة والزراعة والرعي والصناعة والتعدين، وقد كانت التجارة في موانئ شرق إفريقيا هي النشاط السائد، إذ أصبحت تلك الموانئ تعجّ بالحركة والنشاط وقصدتها أعداد كبيرة من العرب والأفارقة والهنود للعمل بها، وأعجب بها العديد من الرحالة الذين زاروها.

وقد ارتبطت موانئ باتي وممباسا وماليندي وبراوة وكلوة بشبكة من الطرق والممرات عبر الغابات والأدغال إلى البحيرات الإفريقية الكبرى وأواسط القارة، وتوطدت علاقة قبائل البحيرات بسكان الساحل، وظهرت العملات الإسلامية لأول مرة في كلوة وباتي وزنجبار، وحلَّت محل المقايضة والتبادل، وفرضت الضرائب على العمليات التجارية لتمويل مصادر الدخل لتلك الممالك.

وقد أدخل العُمانيون شجرة القرنفل إلى منطقة شرق إفريقيا؛ فكان لهذا المحصول رواجا تجاريا واسعا، وأصبح من أهم صادرات المنطقة، وكذلك العاج والذهب والجلود.

وقد ساعد استقرار كثير من التجار العُمانيين بشرق إفريقيا إلى انتشار الإسلام بين أهلها، إضافة إلى أولئك الدعاة الذين كانوا يتوافدون من حين إلى آخر بغرض التجارة، وكان بعضهم يستقر فيها نهائيًّا؛ إذ يتزوجون من أهالي سواحل وجزر شرق إفريقيا، فلم يكن الأمر مقتصرًا على التجارة بل رافقها نشر الدعوة الإسلامية والمعاملة الحسنة من التجار العُمانيين الذين تميزوا بحسن الاستقامة والصدق والأمانة؛ مما كان له عظيم الأثر في نشر الإسلام وتحقيق السلم والتعايش.

وقد انتشر الإسلام في المناطق الداخلية من شرق إفريقيا ووسطها في عصر البوسعيديين عن طريق قوافل التجار العُمانيين القادمين من زنجبار والمدن الساحلية الأخرى إلى الداخل، ومن أهم الدعاة العُمانيين الذين أوصلوا الإسلام إلى أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك ((سُنا)) في مملكة أوغندا، ويُعَدُّ وصول هذا الداعية العُماني بداية لدخول الإسلام إلى أوغندا.

٣- المجال الثقافي والفكري :

بفضل الثقافة الإسلامية الجديدة وتحول معظم السكان إلى الإسلام، ولدت لغة جديدة سادت بين كافة الأجناس على الساحل الشرقي لإفريقيا عرفت باسم ((اللغة السواحلية)) إذ أصبحت فيما بعد لغة التجار والتعامل، ومن الآثار الثقافية
التي ظهرت بشرق إفريقيا المؤسسات التعليمية والتربوية ممثلة في الكتاتيب والمساجد، التي أسهمت في انتشار الإسلام بين أوساط الأفارقة وأحدثت نهضة علمية لتعليم مبادئ الدين والقرآن الكريم في كل مدن الساحل وصولاً إلى جزر القمر.
ومن الإنجازات العُمانية الأخرى في مجال نشر الثقافة قيام السيد برغش بن سعيد بن سلطان (سلطان زنجبار في الفترة ١٨٧٠-١٨٨٨م) بإنشاء المطبعة السلطانية التي من خلالها نشطت حركة التأليف والطباعة، فظهرت مجموعة من الصحف العُمانية كالنجاح، والفلق، وجريدة زنجبار، وغيرها، كما طبعت عددًا من كتب الفقه كقاموس الشريعة، وهميان الزاد إلى دار المعاد، ومختصر البِسْيَوي، وغيرها.

وقد كان للعلماء العُمانيين الذين عاشوا في شرق إفريقيا إسهامات علمية عظيمة ومن أشهرهم العلامة ناصر ابن أبي نبهان الخروصي، والشيخ محمد بن علي المنذري الذي کان رئیسًا للقضاء في عهد السید سعید بن سلطان، والعالم الشاعر أبو مسلم البهلاني الرواحي الذي له عدة مؤلفات أهمها ((نثار الجوهر)) في الفقه وله ديوان شعري مشهور.

ومن بين العلماء الذين تقلدوا قضاء ((ممباسة)) الشيخ علي بن عبد الله المزروعي، وكذلك ابنه الشيخ الأمين ابن علي المزروعي، قاضي قضاة كينيا، الذي اهتم بالصحافة والنشر فأصدر جريدة الإصلاح الصادرة في عام (١٩٣٢م) باللغتين العربية والسواحيلية، وله كتاب “هداية الأطفال”.

٤- المجال الاجتماعي:
شهد شرق إفريقيا هجرات بشرية قادمة إليها من الجزيرة العربية وفارس والهند وغيرها من المناطق، وكان معظم أولئك المهاجرين من المسلمين الذين استقروا على امتداد تلك السواحل، حاملين معهم عاداتهم وتقاليدهم في الأفراح والأتراح إلى تلك المناطق المختلفة من الشرق الإفريقي، وأدّى استقرارهم إلى الاختلاط بسكّان تلك المناطق؛ فأقاموا معهم علاقة مصاهرة، أثرت في عاداتهم وتقاليدهم، وكذلك في فنون العمران والملابس والأزياء.

ففي يوم الجمعة يؤدي المسلمون الأفارقة صلاتهم وقد اتشح غالبيتهم بالأثواب العربية التي تحاكي الثوب العربي المستخدم في عُمان، وكذلك الكُمَّة والعمامة التي توضع على الرأس، بل إنه في مناسبات الزواج وعقد القران يتقلد العريس سيفًا وخنجرًا عربيًّا، ويلبس العمامة على رأسه.
وتمثل تأثير الهجرات العُمانية في البنية الاجتماعية ونظم الحياة بالشرق الإفريقي في الجوانب الآتية:

١- ارتبط الأفارقة بالفكر الإسلامي الصحيح، وتحرروا من الخرافات والاعتقادات المرتبطة بالحياة الوثنية لا سيما
ما يتصل بالسحر والكهانة والشعوذة.
٢- أصبح المسجد مركزًا لاجتماعات السُّكَّان واحتفالاتهم.
٣- أزال الإسلام الفوارق الجنسية والطبقية، وآخى بين جميع العناصر التي انصهر بعضها في بعض في نسيج واحد.

٥- المجال المعماري:

يُعَدُّ انتشار الإسلام أهم النتاجات التي حققها الوجود العُماني في شرق إفريقيا إلا أن هناك نتاجات أخرى تمثلت في المنشآت العمرانية الإسلامية والزخارف والنقوش، ففي معظم مدن الساحل الشرقي لإفريقيا تبدو العمارة الإسلامية ماثلة للعيان وخاصة في المساجد والقلاع والبيوت القديمة، حيث تبرز الهوية العربية الإسلامية، فلا تزال هناك آثار وشواهد دالة على هذه الآثار العمرانية كما هو حال النقوش الموجودة ببلدة (شوكة) في الجزيرة الخضراء، إذ يبدو فيها جليًّا النقش الذي هو على شكل خنجر عربي في المحراب القديم لهذا المسجد، ويعود تاريخ هذا المحراب إلى سنة (٨١٢هـ/١٤١٢م).

وشكلا يماثل عددًا من شواهد القبور القديمة في عُمان، هذه الآثار كلها تصور لنا هذا التأثير الثقافي والعمراني الذي ظلت
آثاره شاهدة سنین من التعایش والاندماج. وقد تبدلت الحياة السكانية في شرقي إفريقيا بصورة واضحة، فقد تأسست المدن العامرة كمقدیشو وبراوة ولامو، و زاد عدد سكانها بصورة كبيرة ونمت أحياؤها، و كانت مقدیشو أهم النماذج على ذلك؛ إذ ساهم العمانيون في تأسيسها وازدهارها؛ فاتسعت بسرعة وظهرت فيها المساجد العامرة، والطرق المعبدة والممهدة، التي تربط بين أحيائها ومينائها، كما شُيِّدت بها مَبَانٍ رسمية مثل دار الشورى، وأنشئت بها مصانع للملابس، حتى إنها بدأت
بتصديرها إلى الخارج، وأحاط بالمدينة سور كبير لحمايتها من هجمات الأعداء.

بيت العجائب في زنجبار
صورة الامبراطورية العمانية

اضف الى معلوماتك:

إن الوجود والتأثير العُماني في شرق إفريقيا أكثر عمقًا منه في آسيا؛ وذلك لعوامل عدة أهمها قيام دول وممالك عُمانية على طول ساحل شرق إفريقيا في فترات تاريخية طويلة.

الدول والممالك العُمانية التي قامت في شرقي إفريقيا :-
الدول: اليعاربة – البوسعيد.
الهجرات والممالك : آل الجلندى- الحرث- النباهنة – الكونغو الإسلامية العُمانية – المزاريع.

لامو:
أرخبيل (لامو) يقع في المحيط الهندي على الساحل الكيني. وكان إحدى مستوطنات العمانيين الرئيسية الممتدة على ساحل شرق أفريقيا ، وتعتبر قرية (لامو) أكبر قرى الأرخبيل، كما تعد واحدة من مواقع التراث العالمي.

باتي :
هي جزيرة تقع في أرخبيل لامو على الساحل الكيني، اتخذها النباهنة عاصمة لهم منذ هجرتهم إلى الساحل الشرقي لإفريقيا.

استطاع الإمام سيف بن سلطان اليعربي ((قيد الأرض» (١١٠٤ – ١١٢٣ هـ / ١٦٩٢ – ١٧١١م) طرد البرتغاليين من شرق إفريقيا بعد استغاثة شعوبها به، فبَعْد تحريره الساحل الشرقي لإفريقيا من البرتغاليين بتمكّنه من السيطرة على (قلعة ممباسا) آخر معقل أصبح العمانيون يحكمون المنطقة الممتدة من مقديشو شمالاً إلى رأس دلجادوا جنوباً.

اللغة السواحلية:
هي مزيج من لغات إفريقيّة قديمة واللغة العربية، وكانت اللغة السواحلية تكتب بالأحرف العربية إلى القرن العشرين ولكن الاستعمار البريطاني استبدل بالحروف العربية الحروف اللاتينية.

الهجرات الحارثية:
قامت الهجرات الحارثية على السواحل الصومالية في أواخر القرن الثالث الهجري واستمرت فترة من الزمن أسست فيها موانئ مهمة كمقديشو، وبراوة، وغيرها.

مواضيع مشابهة

ما هي الاجازات الرسمية في سلطنة عمان

bayanelm

نسب قبيلة الاسماعيلي في سلطنة عمان

bayanelm

نسب قبيلة الحراصي في سلطنة عمان

bayanelm