اقتصاد

النفط بين الاستمرارية والنفاذ

النفط بين الاستمرارية والنفاذ

النفط الخام هو خليط من المواد الهيدروجينية (كربون هيدروجين) (Hydro-Carbons) وتكون منذ أزمنة جيولوجية استغرقت ملايين السنيين وينشأ النفط من مواد عضوية (حيوانية ونباتية) وتكون في باطن الأرض بمعزل عن الهواء في مستوى معين من الضغط والحرارة. وهو سائل لزج كريه الرائحة، يحتوي على مواد صلبة وغازية، وقد يتدرج لونه بين الأسود والبني والأخضر الغامق، أو عديم اللون.

النفط هو أساس الطاقة المحركة لعجلة الحياة في وقتنا الحاضر حتى أنه يطلق عليه الذهب الأسود، وله تاريخ حافل من التميز في مجال الرفاهية الإنسانية، فله يرجع الفضل في التقدم التقني والاقتصادي والاجتماعي في كثير من دول العالم، ونظرا لكونه طاقة ناضبة، فإنه لا يتوقع أن يستمر تربعه على عرش الطاقة إلاّ في المنظور القريب (٣٠ – ٨٠ سنة).

ولكن هل تصورت يومًا ينتهي فيه إنتاج النفط في العالم؟

ماذا سيحل بسكان الأرض؟ تصور أن كافة السيارات والناقلات قد توقفت. وأنك لا تستطيع الذهاب إلى المدرسة أو إلى أماكن بعیدة.

تصور أنك لا تجد الغذاء ولا الدواء ولا اللباس لأن المصانع قد تعطلت لعدم وجود الطاقة المحركة لها.

تصور أنك لا تجد الماء في منزلك.

تصور أنك لن تسمع أي خبر ولن تقرأ أي جريدة ، ولن تشاهد أي محطة تلفزة، ولن تسمع أي مكالمة من جوالك.

كيف ستكون حياتك حينها؟ و ما رأيك في ذلك ؟
نعرف جميعا أن النفط منذ بداية القرن الماضي أصبح جزءًا أساسيا في جميع مناحي الحياة اليومية سواء كان بصورة مباشرة، أم بصورة غير مباشرة.

ولكن قبل أن ندخل في جدل التفاؤل والتشاؤم يجدر بنا الرجوع قليلا إلى بداية اكتشاف النفط ، ونتعرف مكوناته، ولماذا
أصبح بهذه الأهمية في حياتنا اليومية.

أن أصل كلمة النفط غير عربية فهي محورة من كلمة (نافتا)، التي تعود إلى اللغة الفارسية القديمة، ويشيع استخدام كلمة ((البترول)) كذلك لتكون مرادفة لكلمة النفط ويعود أصل التسمية إلى الكلمة اللاتينية (Petrolium) وهي مكونة من مقطعين: (Petra) وتعني صخر، و (olium) وتعني زيت أي (زيت الصخر).

النفط …. زمانًا ومكانًا :
يسجل التاريخ (الزمن) للنفط صفحات مليئة بالإنجازات والتحولات وتدين له البشرية على امتداد جغرافية العالم بكثير من
الأفضال في مختلف المحالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلا أن البيئة تنحو عليه باللائمة في كثير من مظاهر التلوث التي أصابتها برًا وجوًا وبحرًا.
ويذكر التاريخ لنا أن الصينيين هم أول من حفروا بئرًا للنفط في القرن الرابع ق.م، وكانوا يحرقونه لتبخير الماء المالح لإنتاج الملح. وفي بغداد كانت الطرق ترصف بالقار في القرن الثامن الميلادي. وهكذا استمر اكتشاف النفط واستخدامه في بقية دول العالم، كما يوضحه الشكل الآتي:

الخط الزمني لاكتشاف النفط واستخدامه

أما على صعيد (المكان) الجغرافيا فيمكن القول أن النفط لا يتوزع بصورة متساوية على قارات العالم وأقاليمها المختلفة ولكن الملاحظ أن جميع قارات العالم تحوي كميات متفاوتة من النفط وذلك حسب توافر الطبقات التي تحتوي على البترول.
وتعد دول الشرق الأوسط أكبر الدول من حيث إنتاج النفط واحتياطاته، ويوضح الجدول التالي إنتاج النفط في العالم.

أكبر الدول المنتجة، أكبر الدول المصدرة، أكبر الدول المستوردة للنفط عام ٢٠٠٤م.

أسعار النفط بين سندان المخزون ومطرقة التوترات السياسية:
غالبًا ما نتابع في نشرات الأخبار الاقتصادية، أو نقرأ في تقارير الصحف اليومية، أن أسعار النفط قد ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ فترة من الزمن، أو إن سعر مزيج برنت قد فقد بعض أرباحه متأثرا بإعلان بعض الدول عن ازدياد مخزونها الاستراتيجي من النفط … ولكن قد تتبادر إلى الذهن بعض الأفكار من التساؤلات من مثل: لماذا نهتم نحن كمواطنين بمتابعة أسعار النفط في العالم؟ .. كيف يتم بيع النفط في العالم ؟ .. لماذا تتباين أسعار النفط بين بعض خاماته المصنفة؟ .. ما العوامل التي تؤثر في أسعار النفط؟ إلى أي مدى سيكون النفط البديل الأول للطاقة في العالم في المستقبل؟ ..
وغيرها من الأفكار.

تختلف طرق بيع النفط من إقليم إلى آخر في العالم ويعود ذلك إلى طبيعة الأنظمة الاقتصادية المتبعة في كل إقليم أو دولة، وتوجد أسواق متخصصة لبيع النفط أو شرائه ويتم ذلك حسب أصول التسويق وإجراءاته المتبعة من كل دولة. وتتلخص طرق بيع النفط في أشكال ثلاثة، هي:
١- البيع الفوري:(Spot markets)حيث يتم نقل البترول إلى الأسواق العالمية مثل ميناء روتردام، ويتم بيع النفط وشراؤه حسب الكميات والأسعار اليومية للبترول وحسب نوعيته.
٢- طريقة البيع عند المصدر: وهنا يتم البيع من موانئ التصدير، ويدفع المشتري تكلفة النقل والتأمين.
٣- بيع النفط عند مناطق التصنيع : وهنا تقوم الجهة المنتجة بنقل البترول في ناقلاتها الخاصة ، بعد التأمين عليه.

ويجد المتتبع لتاريخ إنتاج البترول أن كميات الإنتاج في تصاعد مستمر منذ عام ١٨٥٦م حين بدأ الإنتاج التجاري للنفط في
الولايات المتحدة الأمريكية، وساعد على هذه الزيادة تلك الاختراعات التي ابتكرها الإنسان لزيادة إنتاج البترول . فقد تطور
الإنتاج من (٢٠٠٠ برميل /سنة) في النصف الثاني من القرن ١٩، إلى (٢١ مليون برميل/سنة) عام ١٩٦٠م، وتضاعف الإنتاج عام
١٩٧٠م حين وصل إلى أكثر من (٤٥ مليون برميل/يوم). وفي عام ٢٠٠٥م كان الإنتاج حوالي (٨١ مليون برميل/يوم).

ويلاحظ كذلك أن أسعار النفط ارتفعت من (١,٣٥ دولار/برميل) عام ١٩٧٠م إلى أكثر من سبعة أضعاف في بداية
١٩٧٤م، حتى وصلت إلى حدود (٧٠ دولار/برميل) عام ٢٠٠٦م والشكل التالي يوضح أسعار البترول في العالم لسنوات
مختارة.

شكل يوضح تطور اسعار النفط في العالم

وعلى الرغم من المؤشر المتصاعد لأسعار البترول في العالم إلا أن هناك الكثير من العوامل قد تؤثر على هذه الأسعار ارتفاعًا أو انخفاضًا ونذكر منها، ارتفاع مستوى المخزونات الاستراتيجية لدى بعض الدول المتقدمة أو انخفاضها، والتوترات السياسية بين الدول، والحروب، وإغراق الأسواق بالمعروض من البترول.

هناك جدل واضح بين المتفائلين والمتشائمين على مستقبل النفط في العالم. هل ستكون نهاية النفط خلال القرن الحادي والعشرين، أم أن هناك من الدلائل ما يشير إلى استمرارية إنتاجه خلال القرون القادمة؟ ويجمع الخبراء أننا سنشهد في المستقبل المنظور الفصول الأخيرة من دراما النفط قبل أن ينخفض مخزونه في الأرض إلى حدود الخطر، وذلك لأن أسعار النفط سترتفع بشدة قبل وقت نفاذه،
ويعود السبب في ذلك إلى أن العقود القليلة المقبلة قد تشهد دخول وسائل تكنولوجية متقدمة جدًا إلى عالم الإنتاج قد تؤدي إلى رفع قدرات الكشف والاستخراج وغيرها من العمليات.

كما أن سعر النفط سيواصل الارتفاع كلما زاد عمق الآبار أو امتد البحث والتنقيب إلى مناطق نائية ذات ظروف طبيعية قاسية .
والأمر الأكثر جدلاً في هذا المجال هو المدى الذي سيستمر فيه النفط بالتدفق وأكثر التقديرات تفاؤلاً تشير إلى حدود ثمانين سنة في الشرق الأوسط، وأقل من ذلك في بقية مناطق العالم، كما أن العلماء قد حددوا نقطة الانحدار التدريجي في إنتاج النفط في بعض الدول والتي يوضحها الجدول الآتى:

الانحدار التدريجي لانتاج النفط

وإزاء هذا الأمر فإنه من المهم لنا بوصفنا شركاء في الطاقة أن نهتم لهذا الأمر، ونتابع المستجدات في مجال النفط والطاقة بصفة عامة، حتى نبقى على وعي بما يجب علينا اتخاذه من تدابير مستقبلية، وما ينبغي علينا أن نكون شركاء فيه مع الدولة.

ماذا بعد عصر النفط … ؟؟
استكمالاً لما تطرقنا إليه حول الانخفاض التدريجي لإنتاج النفط في بعض دول العالم حسب ما يتوقعه علماء الطاقة .. فماذا نتوقع من نتائج في هذا المجال؟ .. هل ستبقى الصناعات المختلفة كما عليه الآن؟ .. كيف ستتأثر وسائل النقل المختلفة؟ .. وماذا عن الزراعة وإنتاج الغذاء في العالم؟ .. والسؤال الأهم من كل ذلك: ما مستقبل الدول التي يأتي معظم دخلها من بيع النفط ومشتقاته ؟

تشير الكثير من الدراسات التي يؤكدها خبراء النفط في العالم أن العالم يستخدم حاليا (٢٧) مليار برميل من النفط سنويا بزيادة سنوية في الطلب تعادل (٢٪)، وأن المكتشف منه يقدر (٦) مليار برميل سنويًا، أي أنه يتوقع أن ينخفض الاحتياطي العالمي بمعدل (٣٪) سنويًا، وهذا يعني أن المستهلك من النفط يعادل (٢١) مليار برميل سنويًا، ويتوقع أن يكون استهلاك النفط – مستقبلاً – حكرًا على الدول الغنية القادرة على دفع تكاليفه المرتفعة، سواءً أكان في الإنتاج أم في الاستيراد. ويمكن استشراف المضافعات المستقبلية لانخفاض إنتاج النفط، وارتفاع أسعاره كما یأتي:

تباطؤ التوسع الصناعي المعتمد على النفط :
إن أكثر قطاعات الصناعة التي تتأثر بشكل سلبي واسع من انخفاض إنتاج النفط هو قطاع صناعة النقل (السيارات،
الحافلات، القطارات، الطائرات) وكذلك الصناعات المرتبطة بصناعة السيارات مثل صناعة الإطارات وقطع الغيار. كذلك تتأثر
صناعة البتروكيماويات (صناعة تسييل الغاز، واللدائن الصناعية).

عودة الزراعة المحلية للانتعاش :
يرتبط قطاع صناعات الأغذية والأطعمة بالزراعة، وفي ظل انخفاض إنتاج النفط يتوقع أن يلحق بهذا القطاع مضاعفات سلبية
بطريقتين رئيستين؛ فالأغذية والأطعمة ستزداد تكاليفها كلما ارتفعت أسعار إنتاج النفط واستهلاكه لأن هذا سيؤثر على مبيعات الأطعمة والغذاء، حيث سيعمل الناس على تكييف طرق غذائهم وأشكاله بما يتناسب مع مداخيلهم، وما يتوافر من إنتاج محلي غذائي في بلدانهم وبالاعتماد على زراعة أقل تطورًا وأقل تكلفة في الوقود.
وعلى هذا النحو سيلجأ المزيد من الناس إلى إعادة تنظيم طرق حصولهم على الطعام من المنتوج الزراعي المحلي الذي سيزداد الاعتماد فيه على الطبيعة وفصولها. وفي الوقت نفسه قد يؤدي الارتفاع في أسعار النفط إلى دفع المنتجين الزراعيين إلى إنتاج محاصيل زراعية تعتمد على معدات يتوافر لها الوقود البديل مثل وقود الإيثانول أو (الديزل الحيوي)
(الوقود المستمد من بعض المحاصيل الزراعية)، ومن المقدر علميًا أن يتسبب ارتفاع أسعار النفط بتصعيد درجة المنافسة بين أصحاب صناعة الآليات التي تعمل على الوقود الحيوي، وبين الناس أصحاب الدخل المحدود والفقراء الذين يعتمدون على مصادر الطعام رخيصة الأسعار، الأمر الذي سيؤدي إلى نشوء فروق اقتصادية واضحة بين الطرفين.

تأثر دورة حياة المدن:
كان من نتائج عصر النفط ظهور المدن المليونية، والمدن الضخمة فهناك في العالم اليوم ما يزيد على (٤٠٠ مدينة) يزيد سكانها على المليون، (٢٠ مدينة) منها يزيد سكانها عن (١٠ ملايين نسمة).

إن دورة حياة هذه المدن تعتمد على استيراد أو إنتاج كمية ضخمة من الطعام، وهو ما يؤدي إلى الكثير من الفضلات والنفايات التي يتم التخلص منها بعيدًا عن المدن. فلنا الآن أن نتصور إذا انخفض إنتاج النفط وارتفعت أسعاره، فكيف سيتم التخلص من النفايات بهذا الحجم الكبير مع شح وسائل النقل، واختفاء الكثير من المواد التي تستعمل للقضاء على النفايات، أو لتنقية مياه الصرف الصحي؟

كما يتوقع أن تكون هناك مشكلة أخرى وهي مشكلة الضواحي والأرياف، والتنقل بينها وبين المدينة للعمل أو التسوق،
فهناك حركة يومية وأخرى أسبوعية من المدن وبين الضواحي والأرياف المجاورة والبعيدة أيضا. حيث يتحرك السكان صباحا من أماكن سكنهم في ضواحي المدينة إلى مراكز عملهم داخل المدينة.
وقد تكون الحركة بين بداية الأسبوع ونهايته. ولكي تتضح الصورة أكثر حول مشكلة انخفاض إنتاج النفط وارتفاع أسعاره،

ما هو المخزون الاستراتيجي :
مصطلح يطلق على البضائع والسلع والمواد المختلفة كالأرز والقمح والنفط والغاز والتي تشكل أهمية بالغة للدولة،
حيث تقوم بتخزينها في مخازن مجهزة. ويتم استخدام هذا المخزون في حالات الطوارئ التي قد تتعرض لها الدولة.

ما هي اللدائن الصناعية؟

يطلق مصطلح اللدائن الصناعية على المنتجات المرنة والقابلة للتشكيل والتي تنتج من مشتقات النفط. ومن أمثلة هذه
اللدائن الأدوات المنزلية، ومنسوجات النايلون وغيرها.

هل تعلم:

تصنف خامات النفط إما طبقا لمكان المنشأ (مثل نفط غرب تكساس في أميركا أو برنت في أوروبا) أو عن طريق وزنه
النوعي أو كثافته (خفيف، متوسط، ثقيل) مثل نفط عمان (متوسط) ، النفط العربي الخفيف (السعودية). ويعد النفط
الخفيف أكثر قيمة.

بدأت سلطنة عمان استخدام تقنية الاستخلاص المعزز للنفط (enhance seal oil recovery) وذلك للحصول على أقصى إنتاج من بئر النفط ، وتعتمد الطريقة على تسخين المكمن بالبخار لتخفيف لزوجة النفط أو حقنهبمواد كيميائية في المكمن لتغيير خصائص تدفق النفط، أو حقن الغاز في المكمن لتسهيل تدفق النفط.

تعد المدن أو مراكز الولايات في سلطنة عمان، مراكز جذب للكثير من المواطنين، للعمل أو التسوق، ولذلك
نشهد حركة يومية بين محافظة مسقط وبين ولايتها المختلفة أو الولايات المجاورة، وكذلك هناك حركة أسبوعية بينها وبين الولايات البعيدة عنها. وتظهر الحركة اليومية كذلك بين مراكز المحافظات والولايات والقرى المجاورة. وبالطبع
يستخدم المواطنين في كل تنقلاتهم المركبات المعتمدة كليًا على أحد مشتقات النفط .

على الرغم من أن سلطنة عمان تسهم بنسبة (٠,٨٪) فقط من إجمالي إنتاج النفط في الشرق الأوسط، إلا أن السلطنة
تشكل أهمية عالمية لأنها تتفوق في احتياطها المؤكد من النفط على دول مثل بريطانيا وأستراليا وماليزيا وتلي الهند بفارق
نسبة قلیلة جدًا.

مواضيع مشابهة

عُمان تكشف عن مسودة السياسة الوطنية للذكاء الاصطناعي

bayanelm

شركة أوسارا المدعومة من السلطنة توقع اتفاقية مع مدن السعودية

bayanelm

وزارة الصناعة والتجارة تبدأ تقييم مصانع الإنتاج الذكية

bayanelm