تاريخ

النظم السياسية في الحضارة الاسلامية

النظم السياسية في الحضارة الاسلامية

تعدُّ النظم السياسية من أهم الأعمدة التي تقوم عليها الدول، كما يتحدد من خلالها الأسلوب الذي يسير عليه الحاكم سواء في علاقته مع رعيته أو علاقته مع بقية الدول المحيطة. ويقصد بالنظام السياسي: هيكل الحكم ومؤسساته السياسية ونوع الحكم، وعلاقة الحاكم بالمحكوم.

أولا : الخلافة:

توفي الرسول وقد ترك الأمر شورى بين المسلمين؛ ليتدبروا أمورهم ويختاروا من يخلفه في سياسة الدولة وأمور الدين، فاجتمع عدد من المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة، وشهد هذا الاجتماع تبادل الآراء في اختيار شخص الخليفة، وتمخض عنه الاتفاق على مبايعة أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين.

فلما اشتد على أبي بكر الصديق المرض خاف أن ينقسم المسلمون إن ترك أمر الخلافة ؛ لذا رأى أن يعهد بالخلافة لمن يرى فيه الكفاءة والقدرة وحسن السياسة، فوقع اختياره على عمر بن الخطاب، بعد أن استشار كبار الصحابة فيه فأثنوا عليه، ووافقوه على اختياره، وهكذا تمت الموافقة على شخص الخليفة الجدید.

وتردد عمر بن الخطاب في أن يستخلف رجلاً من بعده، وقال: توفي رسول الله ولم يستخلف، وتوفي أبو بكر واستخلف، فلما أحس عمر بن الخطاب بدنو أجله، بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي عام (٢٣هـ) بخنجر مسموم، جعل الخلافة بين ستة من الصحابة، وقال فيهم: ((لا أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض))، ثم بيِّن لهؤلاء الستة المنهجية التي ينبغي لهم السير عليها من أجل اختيار واحد منهم.

وبعد مداولات بين أولئك الستة، تم اختيار عثمان بن فان للخلافة ، وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب، وفي أواخر عهده حدث خلاف أدى إلى مقتله، فبويع علي بن أبي طالب بالخلافة، وكان ذلك عام (٣٥هجري)، واستمر في الخلافة حتى انتهاء عصر الخلفاء الراشدين بمقتله عام (٤٠هـ) حيث انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية.

ثانيًا: الوزارة :

تعدُّ الوزارة جانبًا بارزًا من جوانب المظهر السياسي في الحضارة الإسلامية، ولقد وردت كلمة وزير في القرآن الكريم في موضعين: الأول عندما خاطب موسى الحق سبحانه وتعالی قائلا: ﴿وَاجْعَل لِّىِ وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى﴾ (سورة طه، الآية ٢٩) والثاني قوله – تعالى -: ﴿وَلَقَدْ اتَيْنَا مُوسَى الْكِتَبَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرُونَ وَزِيرًا﴾ (سورة الفرقان، الآية ٣٥) فالوزارة وظيفة يشغلها نائب، أو مفوَّض يقوم بمعاونة الخليفة في الحكم، ويكون مرجعًا يرجع إليه، ویأخذ برأيه ومشورته، وهو أقرب الناس وأشدُّهم اتصالاً بالخليفة، وأعلمهم بأمور السياسة. وكان أبو سلمة الخلال أوَّل من وقع عليه اسم (الوزير) في عهد أبي العباس الملقب بالسَّفاح، وفي عهد هارون الرشيد بلغ منصب الوزير حدًا كبيرًا من القوة والنفوذ، وكان وزيره يحيى البرمكي.

سمات الخلافة الراشدة:

إن الدارس للخلافة زمن الخلفاء الراشدين يخرج بالسمات الآتية :
أ) تولَّى الخلفاء الراشدون الخلافة وفق فكرة الانتخاب، وكان في بيعتهم نوع من الشورى، وهو ما يتماشى مع روح الإسلام وتعاليمه، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (سورة الشورى، الآية ٣٨).
ب) تنوَعت طرق الشورى واختلفت بين انتخاب مباشر كما حدث يوم السقيفة في اختيار أبي بكر الصديق. وتسمية الخليفة بعد معرفة رأي أهل المشورة من الصحابة، كما حدث في اختيار عمر بن الخطاب.
وانتخاب من بين عدد من المرشحين كما حدث في اختيار عثمان بن عفان، وبيعة عامة من قبل الصحابة في المدينة المنورة، كما حدث مع علي بن أبي طالب.
ج) لم تكن مسألة توريث الحكم حاضرة في أذهان الخلفاء الراشدين مطلقا.
د) امتزجت التقاليد العربية بالروح الإسلامية في اختيار شخص الخليفة. ففكرة الانتخاب، والتجربة، وكبر السن، مأخوذة من التقاليد العربية، ولكن فكرة الشورى، واستناد الخليفة إلى موافقة الناس عليه عامة، لا إلى أسرته وقبيلته كانت فكرة إسلامية.

سمات الخلافة الأموية:
قامت الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان (٤١هـ / ٦٦١م)، واتسمت بسمات تختلف عن العصر الذي سبقها، ومن أبرز هذه السمات:
أ- أصبحت الخلافة وراثية، فقد أخذ معاوية البيعة من بعده لابنه يزيد، واستقر مبدأ الوراثة في عهد الأمويين حتى أصبح الخليفة الأموي يعيِّن ولي عهده، ويأخذ البيعة من أهالي الأمصار بحضور الوالي نيابة عن الخليفة، ويعدُّ ذلك تحولًا في نظام الحكم الذي قامت عليه مؤسسة الخلافة.
ب- أخذ الخلفاء الأمويون ببعض مظاهر الحضارات الأخرى في الحكم؛ فقد اتخذ معاوية سريرًا للملك، وأقام الشرطة لحراسته، كذلك اتخذ المقصورة في المسجد خوفاً على نفسه، وظهرت أبهة الملك واضحة زمن الخليفة عبدالملك ابن مروان، فكان يجلس على كرسي الخلافة، وعن يمينه الأمراء، وعن يساره كبار رجال الدولة، ويقف أمامه من يرید المثول بین یدیه.

سمات الخلافة العباسية:
تمكن العباسيون من إسقاط الدولة الأموية، وأسسوا على أثرها دولتهم (١٣٢-٦٥٦هـ / ٧٥٠-١٢٥٨م)، وتشابهت سمات الخلافة بينهما في أكثر الجوانب، إلا أنهما اختلفتا في جوانب أخرى. ومن أبرز سمات الخلافة العباسية ما يأتي:
أ) أكّد العباسيون نظام الوراثة، وبنوا حقهم في الخلافة على أن وراثتهم للرسول وَيه في الحكم إنما تنبع من جدهم العباس عم الرسول الكريم، ووصفوا عهد الأمويين بالظلم والاغتصاب، وأن عهدهم استمرار لمبادئ الخلفاء الراشدين في العدل والمساواة.
ب) أحاط الخلفاء العباسيون أنفسهم بالفقهاء، وقرَّبوهم ليظهروا تمسكهم بالدين، وأصبحت بردة الرسول محمد رية الشارة الأولى للخلافة، يرتديها الخليفة في المناسبات العامة كصلاة العيدين والجمعة، وحين یعلن الجهاد.
ج) نتيجة لازدياد العناصر غير العربية، أصبح نظام الحكم في الدولة العباسية يشبه النظام الفارسي أيام الساسانيين
إلى حد كبير، فاحتجب الخليفة عن الناس، واتخذ وزيرًا يعينهُ على إدارة نظام الحكم.
د) أوصى بعض الخلفاء العباسيين بولاية العهد لأكثر من واحد؛ مما أدى إلى نشوب النزاعات والخلاف بين ولاة العهد بعد موت الخليفة؛ مما أضعف الدولة وأنهك قواها، وجعلها عرضة لبعض الثورات الداخلية والغزوات الخارجية.
هـ) ضعف نفوذ الخلفاء العباسيين: وهذه السمة مقتصرة على العصر العباسي الثاني؛ إذ تسلط على الخلفاء عدد من
القادة العرب والأتراك والفرس، وليس أدل على مظاهر ضعف نفوذ الخلافة من تعدد الخلفاء في العهود العباسية
المتأخرة، فكان هناك خليفة عباسي في بغداد، وخليفة فاطمي في القاهرة، وخليفة أموي في قرطبة بالأندلس.

مواضيع مشابهة

حضارة دلمون في البحرين

bayanelm

التراث العالمي المفهوم والاهمية

bayanelm

النظم الادارية والعسكرية في الحضارة الاسلامية

bayanelm