الروك الصلاحي: تقسيم الأراضي في مصر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي

الروك الصلاحي: تقسيم الأراضي في مصر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي

الروك الصلاحي هو عملية مسح أراضٍ عامة نفذها الوزير القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني في بداية عصر الدولة الأيوبية، في عهد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وذلك في سنة 572هـ/1176م. هذا المسح أطلق عليه اسم “الروك الصلاحي” نسبة إلى صلاح الدين، الذي أمر بتنفيذ عملية المسح من أجل تحسين وتنظيم توزيع الأراضي الزراعية في مصر وتطوير النظام الإداري والمالي. في هذا المقال، سنتناول تفاصيل هذه العملية وأثرها على الجوانب الإدارية والمالية في الدولة الأيوبية.

الروك الصلاحي: التنظيم الإداري للأراضي

الروك الصلاحي كان له دور بارز في التنظيم الإداري للأراضي الزراعية في مصر خلال فترة الحكم الأيوبي. وقبل تنفيذ هذا المسح، كان النظام الإداري في مصر يعتمد على تقسيمات كانت تابعة للدولة الفاطمية التي كانت قد قسمت مصر إلى 23 كورة. كان هذا التقسيم يتم على أساس تقريبي، وكانت المناطق الأكثر أهمية في البلاد تشمل الوجه البحري، والشرقية، والغربية، والبحيرة، وغيرها. وقد شمل التقسيم الذي قام به الروك الصلاحي إضافة بعض التعديلات على التقسيمات السابقة.

تم إضافة بعض الكور الجديدة، مثل كورة “الدنجاوية” التي تم اقتطاعها من كورة “الغربية”، وكورة “الكفور الشاسعة” التي اقتطعت من كورة “حوف رمسيس”. بهذا التعديل، تم تعزيز التنظيم الإداري، وكان الهدف منه تحسين عملية الري وتقسيم الأراضي الزراعية وفقًا للأهمية الاقتصادية والسياسية.

الروك الصلاحي: النتائج المالية للأراضي

الجانب المالي من نتائج الروك الصلاحي كان يتمثل في تحديد الخراج الذي كان يجب دفعه على المزروعات، والذي كان يعتمد على النوعية والمقدار المنتَج من الأرض. أحد أبرز المعالم التي أُجريت في هذا المسح كانت تحديد قيمة الخراج على كل نوع من المحاصيل الزراعية في مصر. وفقًا لما ذكره أبو العباس القلقشندي في كتابه “صبح الأعشى”، فقد أشار إلى ما تقرر بشأن خراج القمح، على سبيل المثال، حيث كانت قطيعة القمح في بداية المسح تتراوح بين ثلاثة أرداب عن كل فدان، بينما في المسح الذي جرى في سنة 572هـ تم تخفيضها إلى إردب ونصف.

أما الخراج الذي تم جمعه من الأراضي الزراعية التي كانت جزءًا من هذا النظام، فقد كان له تأثير كبير على خزينة الدولة. فقد تم تخصيص جزء من الإيرادات لتغطية مصاريف الحكومة العسكرية والإدارية، فيما ذهب جزء آخر لدعم المشاريع التنموية التي كانت تهدف إلى تحسين مستوى الخدمات العامة في المناطق المختلفة من البلاد.

تفاصيل الخراج الناتج عن الروك الصلاحي

تُظهر الوثائق التي نقلها المؤرخون مثل تقي الدين المقريزي، تقديرات الخراج الناتج عن هذا المسح والذي كان يُحصل من مختلف الأراضي الزراعية في مصر. في هذا الإطار، كان يتم حساب الخراج بناءً على الأراضي المستصلحة والموارد الطبيعية المتاحة في كل منطقة. وقد نقل المقريزي تفصيلات دقيقة عن الإيرادات التي تم جمعها في مختلف مناطق الوجه البحري والوجه القبلي في مصر.

حسب تقديرات المقريزي، فإن الإتاوات المحصلة من المناطق في الوجه البحري بلغت ما يُقارب ألف مليون دينار، حيث تم توزيعها بين مختلف الدواوين الخاصة مثل “الديوان العادلي”، و”دواوين الأشراف”، بالإضافة إلى الدواوين المخصصة للأمراء والجيوش. أما في الوجه القبلي، فقد تراوحت الإيرادات ما بين مليون ونصف مليون دينار، وهو ما يعكس حجم الإيرادات المترتبة على تنفيذ الروك الصلاحي.

تفاصيل إيرادات الوجه البحري والوجه القبلي

يشمل الروك الصلاحي إيرادات من مختلف المناطق الزراعية الواقعة في الوجه البحري والوجه القبلي، حيث كان يتم توزيع الإيرادات بشكل تفصيلي بين مناطق عدة. ففي الوجه البحري، تم تحديد إيرادات متعددة من المناطق المحيطة بالإسكندرية، رشيد، البحيرة، وغيرها، حيث تراوحت إيرادات هذه المناطق ما بين مئات الآلاف من الدنانير. في الوجه القبلي، أظهرت البيانات أن الإيرادات كانت تُجمع من مناطق مثل الجيزة والأفطيحية، حيث كانت الأراضي الزراعية في هذه المناطق تُنتج محاصيل مهمة مثل القمح، الأرز، والقطن.

الآثار الاقتصادية والسياسية للروك الصلاحي

لقد كان للروك الصلاحي تأثير بالغ على الاقتصاد المصري في العصر الأيوبي، حيث ساهم في تنظيم الموارد الطبيعية بطريقة متوازنة وفعالة. من الناحية السياسية، سمح هذا التنظيم بتحقيق استقرار إداري وزيادة قدرة الدولة على جمع الخراج من الأراضي الزراعية، وبالتالي تحفيز النمو الاقتصادي في البلاد.

كما أن هذا النظام سمح للسلطة المركزية بتنظيم الإيرادات من الزراعة بشكل أفضل، مما ساعد على تمويل الحروب والمشاريع الكبرى التي كانت تشهدها الدولة الأيوبية في تلك الفترة. وكان هذا التخطيط الزراعي أحد الأسباب التي مكنت الدولة الأيوبية من الاستمرار في حكم مصر لفترة طويلة، حيث كان يتم تخصيص الإيرادات لدعم المشاريع الاقتصادية والتنموية في جميع أنحاء البلاد.

الخاتمة

الروك الصلاحي كان إحدى الخطوات الأساسية في تنظيم الأراضي الزراعية والإدارة المالية في الدولة الأيوبية، وقد أظهرت نتائجه التأثير الكبير على التنمية الاقتصادية والسياسية في مصر. من خلال التقسيم الإداري الدقيق وتحديد الخراج بشكل منهجي، تمكنت الدولة من زيادة إيراداتها وتنظيم الموارد بطريقة تخدم أهدافها الاستراتيجية. ما زالت آثار هذه العمليات تظهر في العديد من جوانب الحياة الاقتصادية والإدارية في مصر، حيث ساعدت في بناء أسس قوية للنهضة الزراعية والاقتصادية في العصور التالية.

Visited 19 times, 1 visit(s) today

الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30428

Related Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *