تاريخ

الدولة الاموية في الاندلس (138-422 هجري- 755-1030 ميلادي)

الدولة الاموية في الاندلس (138-422 هجري- 755-1030 ميلادي)

انُّسعتِ الدولةُ العربيةُ الإسلاميةُ في عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ فشملتْ شبِهِ الجزيرةِ العربيةِ والعراقَ ومصرّ وبلادَ الشامِ وبلادَ فارسَ. وازدادَ اتساعُها في العهدِ الأمويِّ فأصبحتْ تضمُّ إلى جانبِ المناطقِ السَابقةِ، شماليٌّ إفريقيا والأندلسَ وبلادَ ما وراءِ نهرِ جيحونَ.
وعندَما تولَّى العباسيون الخلافةَ سنةً ١٣٢هـ، حافظوا في أوَلِ الأمرِ على وَحدةِ الدولةِ الإسلاميةِ، ولكنَّ الدولةَ العباسيَّةَ بدأتْ تُعاني منَ الضَّعْفِ وبخاصةٍ أنها كانتْ تمتدُّ منَ حدودِ الصينِ شرقاً إلى المحيطِ الأطَلسيَّ غرباً؛ ولذلكَ فَقدْ كانَ مِنْ الصعبِ على الدولةِ العباسيَّةِ بَسْطُ سيطربِها الفعليةِ على جميعِ هذهِ البلدانِ وهو ما شجّعَ المناطقَ البعيدةَ عنِ العاصمةِ على الانفصالِ عن الدولةِ.
وفي الفترةِ التي حكمتْ خلالَها الدولةُ العباسيَّةُ (١٣٢هـ-٦٥٦هـ)، قامتْ عِدَّةُ دولٍ إسلاميةٍ مستقلةٍ في الأجزاءِ الشرقيةِ والأجزاءِ الغربيةِ من الدولةِ العباسيةِ.

عندما سَقَطَتِ الخلافةُ الأَمويةُ بدمَشْقَ سنة ١٣٢هـ، أخذَ الولاةُ العباسيونَ يتتبعونَ أفرادَ البيتِ الأَمويِّ، ويَبْطشونَ بهمّْ في كلَّ مكانٍ، لكنَّ أميراً أُمويًّا هوَ الأميرُ عبدُ الرحمنِ بْنُ معاويةَ بْنِ هشامٍ بْنِ عبدِ الملكِ بْنِ مروانَ استطاعَ الإفلاتَ مِنْ ملاحقهِ جيوشِ العباسيينَ، وتوجَّهَ إلى شماليّ إفريقيا واخْتَبأَ عندَ أخوالِهِ البربرِ في مدينةِ تاهرت التي أصبحتْ فيما بَعْدُ عاصمةً للدولةِ الرستميةِ.

اتَّجَهَ الأميُّر عبدُ الرَّحمْنِ إلى مدينةِ سَبْتَةَ في حمايةٍِ قبيلةِ ((نَفْزَةَ)) البربريةِ ومِنْ هناكَ أَخَذَ يتطلَّعُ إلى اسْتعادةِ أمجادِ الأُمويينَ، فَأَرْسَلَ أحدَ أعوانِهِ إلى الأندلسِ في رحلةِ استطلاعيةِ هدفُها الاتصالُ بأَنصارِ الأُمويينَ، وعَرْضُ رغبةَ الأميرِ عبدِ الرحمنِ في العبورِ إليهم ، وطَلَبِ مساعدتِهمْ.

وقد وَجَدَ هذا العرضُ القبولَ والترحيبَ منْ أنّْصارِ الأمويينَ، وشجّعتِ الأخبارُ الأميرَ فَعَبرَ إلى الأندلسَ، وتوافدَ إليهِ أنصارُهُ، فَزَحفَ بهمْ إلى قُرْطُبَةَ ودَخَلَها ظافِراً أواخرَ سنةِ ١٣٨هـ. وهكذا استطاعَ هذا الأميرُ أَنْ يُحْيِيَ مِنْ جديدٍ دولةَ الأُمويينَ التي انْهارتْ في المشرقِ، ولأَجُلِ ذلكَ سمِّيَ عبدُ الرحمنِ ((بالداخلِ).

أسَّسَ الأميرُ عبدُ الرحمنِ الداخلُ دَوْلَةً أمويةَ وراثيةً في الأندلسِ استمرَّتْ حوالي ثلاثةِ قرونٍ. وكانَتِ الأندلسُ أُولى البلدانِ التي أعلنتِ استقلالَها عن الدولةِ العباسيةِ. وقدّْ حاولَ أبو جعفرِ المنصورُ ثاني خلفاءِ العباسيينَ إعادةَ الأندلسِ إلى سيادةِ الدولةِ العباسيةِ، ولكنَّ الأميرَ عبدَالرحمنِ استطاعَ القضاءَ على هذهِ المحاولةِ.

ما معنى كلمة الاندلس؟

الأَنْدَلسُ، كلمةٌ اشتَقُها العربُ مِنْ وانْدَلوسيا، وهيَ قبائلُ أوروبيةٌ استقرَّتْ في إسبانيا والبُرتُغالِ وأعّْطتّْها اسّْمها. وعندما
جاءَ العربُ عزَّبوا الكَلمةَ إلى الأَنْدَلُسِ.

يُعَدُّ عَصْرُ الدولةِ الأمويةِ أزَّهى عصورِ الأندلسِ، فقدْ تمكّنَ الأميرُ عبدُالرحمنِ الداخلُ (١٣٨-١٧٢هـ) منْ توطيدِ الأمنِ بالأندلسِ، وإفشالِ محاولةِ (شارلِمانَ) مَلِكِ الفِرَنْجةِ في فَرنسا غزوَ الأندلسِ. وكانَ شارلمانُ يَطمعُ في طردِ المسلمينَ مِنها وَضمَّها إلى دولتِهِ. وقد اعْتَنى الأميرُ عبدُ الرحمن بالعاصمةِ قُرْطُبَةَ وزيَّنها بالمنشآتِ الفَخمةِ والحدائقِ الغنّاءِ ، وبنى جامعَ قُرْطُبَةَ وزَيَّنهُ بالنقوشِ والرُّخامِ حتى أصبحَ أعظمَ مساجدِ المسلمينَ بالأندلسِ.
واهْتمَّ الأميرُ عبدُالرحمنِ الثالثُ (٣٠٠-٣٥٠هـ) بتقوِيّةِ الأسطولِ لحمايَةِ الموائئِ الأندلسيَّةِ. وفي سَنَةِ ٣١٦هـ أعلنَ الأميرُ عبدُ الرحمنِ الثالثِ نفسَهُ خليفةً وتَلقَبَ بأميرِ المؤمنينَ الناصرِ لدينِ اللهِ، وبنى مدينةَ الزهراءِ غربيَّ قرطبةَ، وارتفعتْ في عهدِه مكانةَ الأندلسِ في الخارجِ ، وأخذتِ السفاراتُ والوفودُ تَفِدُ من أوروبا إلى قرطبةَ تخطُبُ ودَّ الخليفةِ وتوثَقُ صلاتها وعلاقاتِها بهِ.
ازدهرتِ الزراعةُ والصناعةُ والتجارةُ في الأندلسِ، وتسابقَ أهلُّها على العمرانِ وبناءِ القصورِ. وازدهرتِ الحركةُ العلميةُ، فكثرتْ دورُ العلمِ والمكتباتُ وانتشرتِ المدارسُ، وتردّدَ الأوروبيونَ على حلقاتِ العلمِ بالأندلسِ. ويُذْكرُ أنَّهُ كانتْ في الأندلسِ أُولى محاولةٍ للطيرانِ في التاريخِ من قِبلِ عباسِ بنِ فرناسَ. ونبغَ فيها كبارُ العلماءِ منْ أمثالِ الفَيْلَسوفِ ابْنِ رُشدٍ مؤلَّفٍ كتابٍ ((تهافت التهافت))، والطبيبِ الجراحِ أبي القاسمِ الزهراويِّ، والمؤرّخِ والفقيهِ ابْنِ حَزِّمٍ، والأديبِ ابْنِ عبدِ ربَّه والمُفسّرِ والتربويِّ ابْنِ عبدِ البَرِّ القُرطُبيَّ.

أدَّتْ وفاةُ هشامِ الثالثِ آخرِ الخلفاءِ الأمويينَ سنة ٤٢٢هـ، إلىَ انقسامِ الأندلسِ إلى مجموعةٍ منَ الإماراتِ والدويلاتِ حيَثُ استقلَّ كلُّ أميرٍ بولايتِهِ، وأعلنَ نفسَهُ ملكاً أَوْ أميراً عَليْها، وعُرِفَتْ هذهِ الدولِ باسم دولِ الطوائِفِ.
وانْشغلتِ دولُ الطوائِفِ بالحروبِ فيما بينَها وطلبتِ العونَ مِنَ الأسبانِ ضدَّ بعضِها. وفي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأندلسُ تُعاني الانقسامَ ، كانتِ الممالكُ الإسبانيةُ في الشَّمالِ تعملُ على توحيدِ قواها وتَتَّوسَّعُ تدريجياً على حسابِ المسلمينَ.
واستمرَّ وجودُ دولِ الطوائفِ في الأندلسِ مدةً طويلَةً منَ الزَّمن بِفَضَّلِ المساعدةِ التي قدَّمها المرابطونَ ثمَّ الموحَّدون الذين قدموا من المغربِ ودَخلوا الأندلسَ، وأنزلوا بالأسبان هزائِمَ متعدّدةً .

واسْتطاعَ بنو الأحمرِ (من ملوكِ دولِ الطوائفِ) إقامةَ دولةٍ لهمَّ في غِرْناطَةَ استمرَتْ قرابةَ قرنينِ ونصِفِ القرنِ إلى أنْ تمكَّنَ الأسبانُ وبمساعدِةٍ مِنْ فرنسا، دخولَ غِرْناطةَ وإنهاءَ الحُكْمِ العربيّ الإسلاميّ فى الأندلس سنة ٨٩٧هـ.

ما الفرق بين المرابطون والموحدون؟

المرابطون: دولةٌ بسطتْ سُلطانَها على المغربِ، وفي سَنةِ ٤٧٩هـ دخَلَ زعيمُ المرابطينِ يوسفُ بنُ تاشفينَ إلى الأندلسِ، وانتصرَ على الأسبانِ في مَوْقعةِ الزِّلاقةِ.
المُوحَّدون : دولةٌ ورثتْ أملاكَ المرابطينَ في المغربِ، وفي سنةِ ٥٩١هـ دخلَ زعيمُ المُوحدينَ أبو يوسفَ يعقوبُ بنُ عبدِ المؤمنِ إلى الأندلسِ وانتصرّ على الأسبانِ في موقعةِ الأركِ، وأدّى ذلكَ إلى الحفاظِ على الوجودِ العربيَّ الإسلاميِّ بالأندلسِ ثلاثمائِةِ سَنَةٍ أخرى.

مواضيع مشابهة

عالمنا نحو مستقبل مشرق للانسانية

bayanelm

شخصيات عمانية في عهد الرسول محمد

bayanelm

التراث العالمي وثقافة السلام

bayanelm