تاريخ

الحوار والتواصل الحضاري الدولي

الحوار والتواصل الحضاري الدولي

يتوقف التفاعل الحضاري على مدى مساحة الحوار الداخلي بين الأفراد، وعلى حجم تأثيره في تعميق ثقافة الحوار والوعي الحواري في المجتمع المحلي، وهي الخطوة الأولى نحو التواصل والحوار مع العالم من حولنا، ومد جسور التعاون الإيجابي معه، وإقامة العلاقات الحوارية، من منطلق المشاركة الحضارية المشتركة والواعية.

التواصل الحضاري في الحضارة الإسلامية :
لقد قامت الحضارة الإسلامية على أساس التواصل الحضاري، فأخذت عن الحضارات السابقة، واقتبست من ثقافات الأمم
والشعوب التي احتكت بها، وصهرت حصيلة هذا كله في بوتقة التفاعل الحضاري، فكانت حضارة الإسلام، ولا تزال مثالاً نادرًا
على التواصل بين الحضارات. ولقد كان لحيوية الحضارة الإسلامية وقوتها الذاتية، الأثر القوي في نقل روح المدنية إلى أوروبا، وهو الأمر الذي یعترف به ویشهد له معظم الكتاب والمؤرخين والمفكرين الأوروبيين، وكتبوا بإنصاف عن خاصية التفاعل الحضاري في الحضارة الإسلامية، ((ويذهب (كرستوفر دوسن) في كتابه ((تكوين أوروبا)) إلى أن الحضارة الإسلامية احتفظت بمركز الصدارة منذ أوائل العصور الوسطى فصاعدا، لا في الشرق فحسب، بل كذلك في غربي أوروبا، إذ نمت الحضارة الغربية في ظلال الحضارة الإسلامية التي هي أكثر منها رقيا وقتذاك، وكانت الحضارة الإسلامية العربية هي التي ساعدت الأوروبيين في العصور الوسطى على استرداد جزء مهم من التراث اليوناني العلمي والفلسفي.

ومن المعلوم أن الإسلام دين يدعو إلى التفاعل والتواصل الحضاري دعوة صريحة قوية، وأن الحوار الذي نادى به الإسلام
هو في طبيعته وجوهره ورسالته تفاعل حضاري، فمبادئ التسامح الديني التي يقوم عليها الإسلام، فتحت أمام الأمة الإسلامية السبيل إلى الاحتكاك الواسع بالأمم والشعوب، والتفاعل بإيجابية مع الثقافات والحضارات جميعا.

إذًا فالتفاعل الحضاري في المنظور الإسلامي هو عملية تفاعل لا تنازع، وتحاور لا تناحر.

التفاعل الحضارى في عالم متغير:
يقوم الحوار والتفاعل بين الثقافات والحضارات على قواعد اجتمع البشر على صحتها وسلامتها، وانعقد إجماع الإنسانية
عليها، باعتبارها القانون الذي يحكم المجتمع الدولي، مستندين في ذلك إلى الشرعية الدولية، وإلى قواعد القانون الدولي كقواسم مشتركة بين جميع الشعوب والحكومات في عالمنا المعاصر، وهى المرجعية المتفق عليها.

وينبغي أن يكون الحوار والتفاعل بين الثقافات والحضارات حوارا هادفا مؤثرا، وتفاعلاً بنّاءً ، مبنيًا على قاعدة الاحترام المتبادل بالمعنى الأخلاقي الرفيع، وبالمدلول الحضارى السامي. وهكذا يصبح الحوار المفضي إلى التفاعل الحضاري فعلا إنسانيا مؤثرا في حركة التاريخ، وعنصرا مساعدا على استتباب الأمن والسلام على الأرض، وقوة دفع لاستقرار الحياة الإنسانية، وازدهارها ورقیها.

المنظمات الدولية والإقليمية .. منتدى للحوار والتفاهم :
تشتد الحاجة في العالم اليوم إلى حوار الثقافات خصوصا في العقود الأخيرة، وبإمكان الأمم المتحدة أن تكون الموطن الحقيقي للحوار بين الحضارات والجسر الرئيس للتعاون الدولي؛ لأنها المنتدى الذي يمكن أن يزدهر فيه هذا الحوار ويؤتي ثماره في كل ميدان من ميادين الحياة.

وقد استجابت الأمم المتحدة لنداءات الدول والمجتمعات، وأعلنت عام ٢٠٠١م عام حوار الثقافات، وبدأت المنظمات الدولية
والإقليمية في عقد ندواتها ومؤتمراتها المتعلقة بحوار الثقافات والحضارات.

فقد نظمت هيئة اليونسكو في عام ٢٠٠١م مؤتمرا دوليًا عن حوار الحضارات عقد في ليتوانيا، وكان حوارا فعالاً بين المجتمعات
والشعوب بغير تمهيد مسبق، ليعلن ذلك بداية تحول حوار الثقافات من مجرد الفهم المتبادل إلى التعاطف الإنساني الشامل، يأخذ في الاعتبار الحفاظ على كرامة الإنسان وتحقيق أمنه.

كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإليسكو) بتنظيم مجموعة من الندوات والمؤتمرات والملتقيات تناولت مجالات الحوار المختلفة بين الثقافة العربية وبين الثقافات الأخرى: الأفريقية والأوروبية والآسيوية والأمريكية، وقد كان لهذه المناسبات العلمية الدور الكبير في التعريف بأصول الثقافة العربية وتوجهاتها واختياراتها الأساسية ومدى تفاعلها وتداخلها مع أبرز الثقافات العالمية الأخرى.

وفيما يلي أمثلة على بعض هذه المؤتمرات الدولية :

مؤتمر الحضارة العربية والإسلامية والغرب (من الاختلاف إلى الاتفاق):
عقد هذا المؤتمر في مدينة قرطبة بإسبانيا خلال الفترة من ٥-٦ أكتوبر ٢٠٠٤م، بهدف السعي لإيجاد التعاون بين الشعوب
والثقافات الغربية والشرقية، وتقديم الصورة الحقيقية لكلا الطرفين. ولا شك أن حضور علماء من الغرب والعالم الإسلامي في بلد غربي ، لمناقشة أهم الأمور المتعلقة بالعالم الإنساني، خير دليل على هذه الأهداف الخيرة.

وأهم المحاور التي طرحت في هذا المؤتمر هي:
١- تقديم صورة أخرى عن الإسلام والغرب.
٢- الأديان السماوية الثلاثة.

٣- العلاقات الاقتصادية.
٤- الثقافة والتطرف.
٥- الثقافة والعولمة.
٦- الهوية واختلاط الأقليات.

الندوة الدولية للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ((الإيسيسكو))، تحت عنوان («الحضارات والثقافات الإنسانية … من الحوار إلى التحالف)).
استضافتها تونس خلال الفترة من ٣٠ يناير إلى الثاني من فبراير ٢٠٠٦م، وعالجت الندوة خمسة محاور رئيسة، هي:
١- الحوار بين الحضارات .. النتائج والتحديات.
٢- الحوار بين الحضارات .. من أجل بناء مجتمع إنساني متفاعل.
٣- الثقافة الإسلامية والقيم الإنسانية .. عالمية الثقافة الإسلامية.
٤- ثقافة الحوار في التراث الإسلامي … الإسلام والتعايش السلمي مع الآخر.
٥- التحالف بين الحضارات .. الأسس والآليات ودور المنظمات الدولية والإقليمية والأهلية في تعزيز التحالف بين الحضارات

الندوة الدولية حول الحوار بين الحضارات والثقافات في سلطنة عمان :
استضافتها السلطنة خلال الفترة (١٢-١٤ أغسطس ٢٠٠٦م)، بالتعاون بين وزارة التراث والثقافة والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وبالتنسيق مع اللجنة الوطنية العمانية للتربية والعلم والثقافة ، وبمشاركة من المنظمات الدولية، ونخبة من العلماء والمفكرين، وذلك انطلاقا من أهمية الحوار بين الحضارات وفتح المجال لمزيد من التفاهم والتقارب الإنساني.
وناقشت الندوة مجموعة من أوراق العمل المتعلقة بالحوار بين الحضارات والثقافات، ومنها :
١- التنوع الثقافي وحوار الثقافات والحضارات.
٢- التنوع الثقافي والتنافس بين الحضارات.
٣- حوار الحضارات – الثقافة الاجتماعية.
٤- التنوع الثقافي ومسألة قبول الآخر والاعتراف به.
٥- دور هيئات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار.
٦- المنظور الإسلامي وتطبيقاته في حوار الحضارات والثقافات.
٧- أصول ثقافة الحوار وضوابطه في الفكر العربي.

مواضيع مشابهة

عالم الغد امال وتحديات

bayanelm

الحضارة الإسلامية في وسط آسيا وجنوبها

bayanelm

التراث العالمي بين الهوية الوطنية والمسؤولية العالمية

bayanelm