النظم الادارية والعسكرية في الحضارة الاسلامية
نظرًا إلى تفاعل الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى ظهرت فيها نظم إدارية وعسكرية كانت دليلًا على ازدهارها فالنظم الإدارية تعدّ من الأسس التي تقوم عليها الدول عبر العصور، والتي تسهل على الحاكم تنظيم دولته وإدارتها، وتأتي النظم
العسكرية لتحمي الدولة برمتها، وتسهر على تنفيذ نظمها الإدارية.
أولا : النظم الإدارية :
تختص النظم الإدارية بتنظيم الدولة من حيث السلطة المركزية، والإدارة المحلية، وتعيين الولاة، وتنظيم مرافق الدولة، كالدواوين، والبريد، والحسبة، والقضاء، والشرطة، والنظام المالي. وسنتحدث في هذا النظام عن جوانب معينة بارزة، من أهمها:
1- الإدارة المركزية، والإدارات المحلية:
وضع الرسول نواة الإدارة المحلية في الدولة الإسلامية؛ إذ أرسل إلى القبائل والمدن التي دخلت في الإسلام معمَّالاً وولاة من قِبَله لإمامة الناس في الصلاة، وتعريفهم أصول الدين، وجمع الزكاة، وكان َالرسول يتخيَّر عمَّاله ممن اشتهروا بالصلاح والتقوى والعلم والفقه في الدين.
ورغم البساطة التي اتسمت بها الإدارة الإسلامية في عهد الرسول إلا أنها وضعت النواة الأولى للتنظيم الإداري، والذي سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده. وعندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة، أبقى عُمَّال الرسول وَّليم في شبه الجزيرة العربية في أمصارهم.
وفي عهد الفاروق شهد النظام الإداري نقلة حضارية کبری، شملت الجوانب الآتية :
وضع أسس لبيت المال
تعيين الولاة ومتابعتهم
إنشاء الدواوين
استحداث التاريخ الهجري
وقد اختار الأمويون ولاتهم من أشراف العرب، واستقر كثير من الولاة في عهدهم، وامتدت ولاية الواحد منهم إلى سنوات عدة. ولم تختلف التقسيمات الإدارية زمن العباسيين اختلافاً كبيراً عما كانت عليه زمن الأمويين إلا من حيث
تجزئة بعض الولايات الكبرى، وكان الخليفة العباسي يختار عمال الأقاليم (الولاة) بنفسه. وقد عمل الخلفاء العباسيون على تقصير مدة بقاء ولاتهم حتى ندر أن يظل الوالي في ولايته أكثر من ثلاث سنوات، ومن الطبيعي أن يترتب على كثرة تغيير الولاة فقدان الاستقرار، وكثرة الاضطرابات في الأقاليم.
2- الدواوين:
تُعدّ الدواوين من المؤسسات والأنظمة الإدارية التي تدل على انفتاح المسلمين على الحضارات الأخرى؛ نظراً لتأثرهم الكبير بشعوب البلدان المفتوحة، وهو في الوقت نفسه دليل على تشجيع الإسلام لأتباعه ومعتنقيه للاستفادة من الآخر وإن كان مخالفاً لهم في الدين، فظهرت في الحضارة الإسلامية جوانب إدارية كثيرة ومتنوعة منها الدواوين، التي تعدّ مؤسسة كبقية
المؤسسات الأخرى لحاجة المسلمين إلى التنظيم الإداري والمالي والعسکري، فبدأت بسیطة، ثم نمت وتطورت، حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة.
عصر الخلفاء الراشدين
١- ديوان الجند: تكتب فيه أسماء الجند وأنسابهم ورواتبهم.
٢- ديوان الخراج: يدوّن فيه ما يرد إلى بيت المال من أموال.
العصر الأموي
١- ديوان الرسائل: مهمته نقل رسائل الخليفة إلى الولاة ومكاتبة الدول المحيطة.
٢- ديوان النفقات: مهمته النظر في مصروفات الدولة.
العصر العباسي
١ – ديوان المشرق: يختص بإدارة شؤون المشرق.
٢- ديوان المغرب: يختص بإدارة شؤون المغرب.
ما معنى الديوان:
كلمة فارسية معرَّبة، ومعناها سِجِلٌ أو دفتر، ثم أطلقت من باب المجاز على المكان الذي تحفظ فيه السجلات الرسمية .
ما هو الخراج:
مقدار معين من المال، أو الحاصلات، يُفرض على الأراضي التي ملكها المسلمون صُلْحًا أو الأراضي التي فتحها المسلمون إذا لم تقسَّم على المحاربين.
3- الحسبة والمحتسب:
متولي الحسبة أو المحتسب: منصب في الدولة الإسلامية كان صاحبه بمنزلة مراقب التجار، وأصحاب الحرف، يمنعهم من الغش، ويراقب الجودة في المصنوعات، واستعمال المكاييل والموازيين الصحيحة، وغير ذلك.
ويُعَد عمر بن الخطاب المحتسب الأول، فقد رآه الناس يُوَجِّهُ حَمَّالاً ويقول: (حَمَّلْتَ جمَالَكَ ما لا تُطيْقُ))، وعندما تعددت مشاغله عيَّن عبدالله بن عتبة ليكون محتسباً يراقب الأسواق، كما تم تعيين نساء محتسبات مثل سمراء الأسدية، والشفاء بنت عبد الله المخزومية.
وقد تطورت هذه الوظيفة في العهدين الأموي والعباسي، وكانت أهم وظائف المحتسب ما يأتي:
اهم وظائف المحتسب:
مراقبة المهن والحرف
مراقبة الأخلاق العامة
تفتيش الخانات (الفنادق العامة)
الإشراف على نظافة الشوارع والأزقة
مراقبة الصادرات
ولقد ظهرت هذه الوظيفة في التاريخ العماني، وتم تطبيقها منذ العصور الإسلامية الأولى ، وكان المحتسب العماني يقوم بهذه الوظيفة بنفسه ابتغاء مرضاة الله، ومن أشهر المحتسبين العمانيين شبيب بن عطية الذي ظهر في القرن الثاني الهجري بعد وفاة الإمام الجلندى بن مسعود (١٣٤هـ) وقد قام بهذه المهمة خير قيام.
4- البريد:
عرف نظام البريد أيام الفرس والروم، وكان معاوية بن أبي سفيان أول من أدخله في الدولة الإسلامية وزاد الاهتمام به زمن العباسيين، حيث حوَّل عليه الخلفاء واعتمدوا عليه اعتماداً كبيراً في إدارة شؤون دولتهم واطلاعهم على أحوالها، وكانت مهمة صاحب البريد أول الأمر نقل الأخبار إلى الخليفة من عماله في الأقاليم، ثم توسع الخلفاء في ذلك، حتى جعلوا صاحبه عَيْنًا للخليفة، ينقل أوامره إلى ولاته، كما ينقل أخبار ولاته إليه، ومن هنا فإن المهمة الأساسية للبريد كانت خدمة مصالح الدولة، وليس لنقل رسائل الجمهور، كما هو الحال في الوقت الحاضر.
ثانيًا : النظم العسكرية:
نعني بالنظم العسكرية تنظيمات الجيوش الإسلامية البرية، وأنواع الأسلحة التي استخدمتها، وفنون القتال التي عرفتها، وتنظيمات القوة البحرية الإسلامية، وأنواع السفن الحربية، والفنون القتالية، وسنتناول في هذا المظهر الجوانب الآتية:
1- تطور الجيش وتنظيمه :
يعد الحفاظ على الأمن واستقرار المجتمع الإسلامي ركيزة أساسية لحمايته؛ لذا اقتضى إقامة نظم عسكرية دفاعية وهجومية للمسلمين حتى يستطيعوا الصمود أمام التحديات التي تواجههم، وقد رافق قيام الدولة ونموها تطورٌ كبيرٌ في النظم الحربية، من حيث تنظيم الجيش والأسلحة، وفنون القتال وأساليبه، وبرزت الحاجة إلى جيش كبير يسير وفق نظم وتقاليد عسكرية متقدمة.
وقد اهتم المسلمون اهتمامًا بالغًا بإمرة الجيش، وكان الرسول م ل قائد جيش المسلمين، يستشير أصحابه وينزل عند رأيهم إن كان صواباً، كما كان يعطي القيادة لشباب المسلمين تدريباً لهم على أعمال القيادة والحرب، ووضع الرسول أسس الاستطلاع للمسلمين، فقد أدركوا أهمية هذه العملية في تأمين المجاهدين قبل الدخول في حرب مع أعدائهم.
ثم تولى القيادة من بعده الخلفاء الراشدون ، ولما تعددت الجيوش المقاتلة أصبح من الصعب على الخليفة أن يقودها بنفسه، فاختار لإمرة هذه الجيوش قادة عرفوا بالشجاعة والإقدام والذكاء وحسن التدبير والإيمان والصبر.
وكانت طاعة القائد واجبة لطاعة الخليفة نفسه؛ لأنه كان ينوب عنه في إقامة الصلاة، وقد عرف التاريخ الإسلامي أسماء
قادة لامِعِيْنَ، أمثال: خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن نافع، وموسى بن نصیر،
ومحمد بن القاسم الثقفي، وغيرهم ممن اشتهروا بالشجاعة والجرأة والغيرة على الإسلام.
ولقد ظهر تنظيم الجيوش في عمان في عصور مبكرة من التاريخ الاسلامي، ففي عهد الإمام الجلندى ابن مسعود (١٣٢هـ ١٣٤ هـ) قسّم جيشه إلى كتائب تضم كل كتيبة ما بين (٢٠٠) إلى (٤٠٠) جندي وعلی كل كتيبة قائد، وقسم هذه الكتائب إلى مجموعات تضم كل مجموعة (١٠) جنود وعلى كل مجموعة قائد.
وفي هد الإمام المهنا بن جيفر (٢٢٦هـ – ٢٣٧هـ) اجتمعت لعمان القوتان البحرية والبرية، وقد وصف الإمام السالمي هذه القوة في كتاب (تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان) بقوله: ((واجتمعت له من القوة البرية والبحرية ماشاء الله، قيل إنه اجتمع له في البحر ثلاثمائة مركب مهيأة لحرب العدو، وكان عنده بنزوى سبعمائة ناقة، وستمائة فرس، تركب عند أول صارخ، فما ظنك بباقي الخيل والركاب في سائر ممالكه)).
2- الأسلحة:
عنيت الدولة الإسلامية عناية فائقة بسلاح المقاتل، فأمدته بما يحتاجه من أسلحة، وطورت ما كان مستخدما
منها، وأدخلت أسلحة جديدة. واستخدم الجند المسلمون السيوف والرماح والدروع والحراب والأقواس والسهام،
ثم أدخل المسلمون آلات لرمي السهام.
واستخدم المسلمون كذلك رمي الحجارة بالمنجنيقات لهدم الأسوار، واستخدموا – أيضًا- الدبابات: وهي آلة من الخشب المغلّف بالجلود لدفع النار، وتركّب على عجلات ليصعد الجند إلى أعلاها للنزول فوق الأسوار.
واستعمل المسلمون الخوذة لوقاية الرأس، والترس لصد الحراب والسهام والرماح والسيوف. كما عرفوا البارود فيما بعد، حيث ترتب على اختراعه ظهور البندقية والمدفع، واهتموا في الوقت نفسه بإنشاء دور لصناعة الأسلحة لتزويد جنودهم بما يلزمهم من أدوات.
إذا كان الصينيون هم من اكتشفوا البارود واستخدموه في إشعال النيران، فإن العرب هم أول من نقّى البارود باستخدام نترات البوتاسيوم ليكون صالحًا للاستعمال الحربي، مما أصاب الصليبيين بالرعب، في القرن الخامس عشر عندما اصطدموا
بالجيوش العربية الإسلامية.
3- فنون القتال :
بدأ المسلمون يقاتلون في صفوف متراصّة كأنهم في الصلاة، ثم يسيرون لملاقاة العدو وهم جبهة واحدة، لا يتقدم أحد منهم أو يتأخر عن الصف.
وعمل المسلمون فيما بعد على تقسيم الجيش إلى خمس فرق؛ لذلك سمي الجيش خميساً، وتكون إحدى هذه الفرق في الوسط تحت إمرة القائد العام، وتسمى قلب الجيش، وتوضع واحدة منها إلى يمينها وتسمى الميمنة، وأخرى على يسارها وتسمى الميسرة، ثم تكون أمامها كتيبة من الفرسان تسمى المقدمة، وخلفها كتيبة تسمى ساقة الجيش، وكل فريق من هذه الفرق مقسم إلى كراديس؛ وهي كلمة يونانية الأصل، وتعني الوحدات العسكرية، أو المجموعات المقاتلة.
4- نشأة الأسطول وتطوره ونشاطه:
استلزم امتداد الدولة الإسلامية على شواطئ البحرين المتوسط والأحمر، والمحيطين الهندي والأطلسي إنشاء أسطول قوي، فلقد أدرك المسلمون عند فتحهم للشام ومصر أهمية وجود قوة بحرية تدفع خطر العدو، وتسهم في عملية الفتح التي يقومون بها.
ومن أوائل انتصارات الأسطول الإسلامي في معركة ذات الصَّواري عام ٣٥ هـ، وهي أول معركة بحريّة في التاريخ الإسلامي ضد الأسطول البيزنطي.
ومن مظاهر اهتمام المسلمين بالأسطول بناء دور الصناعة، وهي معامل تقام على شاطئ بحر أو نهر لبناء السفن، وكانت أهم دور الصناعة في بلاد الشام: كا، وصور، وطرابلس، وبيروت، وحيفا، وفي مصر: القاهرة، والإسكندرية، وفي عمان مدینة صور.
ومن الجدير بالذكر أن المسلمين تركوا تراثا غنيا في أصول الملاحة، وعلى الرغم من أنهم اعتمدوا على البيزنطيين في فنون الملاحة، وصناعة السفن إلا أنهم أضافوا، أو ابتكروا في ذلك الميدان.
هل تعلم:
كان الوالي على عُمان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عثمان ابن أبي العاص الثقفي، وعندما رأى مهارة العمانيين في ركوب البحر طلب منهم محاربة الفرس الذين حاولوا عبور البحر إلى الشاطئ الغربي من الخليج، فلبى العُمانيون دعوة الجهاد، واجتمع من الجند العُمانيين نحو ثلاثة آلاف مقاتل، وعبر بهم عثمان من جلفار إلى جزيرة ابن كاوان؛ حيث أجبر قائد حاميتها الفارسي على الاستسلام، ولما علم كسرى الفرس بهذا الانتصار استشاط غضبا وأرسل إلى واليه في كرمان يأمره بالسير لمقاتلة العُمانيين وطردهم من الجزيرة، ولكنه مُنِيَ بهزيمة على أيدي العُمانيين وقتل قائد الحملة الفارسي.