مظاهر تأثر الحضارات الأوروبية بالحضارة الإسلامية في مجالات المنهج العلمي والآداب والجغرافيا والفلك والرياضيات

مظاهر تأثر الحضارات الأوروبية بالحضارة الإسلامية في مجالات المنهج العلمي والآداب والجغرافيا والفلك والرياضيات

انبهر الأوروبيون بما شاهدوا في الشرق من معالم الحضارة الإسلامية، وحاولوا أن ينقلوا منها ما وسعتهم طاقتهم في العصور الوسطى، وتقترن حركة إحياء العلوم في أوروبابما نقل من حضارة العرب المسلمين من خلال اتصال الشرق بالغرب.
وسوف ندرس هنا عن أهم مظاهر تأثر الحضارة الأوروبية بالحضارة الإسلامية:

المنهج العلمي وطرق التفكير

آمن العلماء المسلمون بفكرة التخصص فقال ابن قتيبة: ((من أراد أن يكون عالما فليطلب فنًّا واحدًا)، كذلك امتدح أولئك العلماء التركيز، ونادوا بالابتعاد عن المقدمات والاستطراد، ومن ذلك ما قاله ((النديم)) صاحب كتاب الفهرست: ((النفوس تشرئب إلى النتائج دون المقدمات، وترتاح إلى الغرض المقصود، دون التطويل في العبارات … )).

واعتمد الفلاسفة المسلمون منهج الشك للوصول إلى الحقيقة، وتوصلوا إلى حقيقة مهمة، وهي أن البحث عن الحقيقة يجب أن يقوم على أساس الملاحظة والتجربة، وقال جابر بن حيان: ((إن المعرفة لا تحصل إلا بالعمل وإجراء التجارب)).

2- الآداب:

بلغ الشعر العربي درجة فائقة من السمو ودقة الأحكام، ووصل حب العرب للشعر حدًّا حتى أنهم ألفوا بعض الكتب في التوحيد والفلسفة نظمًا، وهو ما عُرف بالشعر التعليمي، وسرعان ما ظهر أثر الشعر العربي في الأشعار الأوروبية، وقال دانتي: إن الشعر الإيطالي ولد في صقلية حيث كان للعرب حضارة زاهرة.

وقد امتازت الأندلس بنوع خاص من الشعر الرقيق بدا واضحًا في صورة الموشحات والأزجال، وظهر في شمالي إسبانيا وجنوبي فرنسا لون من الشعر مشابه للشعر الأندلسي الخفيف، وقد عرف هذا النوع من الشعر بشعر التروبادور أي شعراء الغزل المتجولين الذين اتسم شعرهم بالقوة والرفعة والخيال،
وكان هذا النوع معروفًا عند العرب منذ أمد بعيد، وقد بيَّن أصوله ومميزاته ابن حزم في كتابة ((طوق الحمامة)).

وعند الموازنة بين الأزجال التي كتبها الشاعر الأندلسي ابن قزمان في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وبين أشعار التروبادور بجنوب فرنسا، نجد أن شعر التروبادور، صيغ معظمه في الأوزان ذاتها التي صيغت فيها أشعار ابن قزمان.

واهتم الأوروبيون بالمؤلفات الأدبية عند العرب، فقد ترجمت قصة (حي بن يقظان) لابن الطفيل إلى عدة لغات أجنبية، وأُعْجِبَ الأدب الأوروبي بها، فدفعه ذلك إلى كتابة روايات على غرارها، وهي قصة رمزية تدور حوادثها حول شخص نشأ وحده في جزيرة من الجزر، وتصور علاقته بالكون والدين، فاستطاع بعقله الوصول إلى حقيقة توحيد الله بالفطرة، ومن تلك القصص الأوروبية التي تأثرت بقصة (حي بن يقظان) قصة ((روبنسون کروز)) للکاتب ((دیفو)).

٣-الجغرافيا والرحلات

لم يتعرف الأوروبيون على معلومات اليونان الجغرافية إلا من خلال الكتب العربية التي تُرجم معظمها إلى اللغة اللاتينية، ولم يقتصر دور الجغرافيين المسلمين على نقل المعلومات وترجمتها عن اليونانية، بل أضافوا إليها من تجاربهم وصححوا أخطاء اليونانيين. ومن أشهر الكتب التي اعتمد عليها الأوروبيون، كتاب الشريف الإدريسي المسمى ((نزهة المشتاق في اختراق
الآفاق))، وإلى الإدريسي نفسه يرجع الفضل في توضيح حقيقة منابع النيل بعد أن تضاربت الأقوال في ذلك.
ومن المعروف أن الجغرافيين المسلمين تمسكوا بفكرة كروية الأرض، وتشير كثير من الدراسات أيضًا أن المسلمين هم أوائل من اكتشفوا أمريكا، فقد أثبتت الأبحاث أن هناك نباتات انتقلت إلى العالم الجديد، ولم تکن معروفة فیه من قبل، وذلك قبل عصر کریستوفر کولمیس بأمد بعید.

٤ -الفلك:

عندما أفاقت أوروبا في أواخر العصور الوسطى، كانت كتابات اليونانيين والهنود والفرس في علم الفلك قد اندثرت، ولم يبق منها غير ترجماتها العربية، وما استحدثه المسلمون من أبحاث في هذا العلم، وهكذا أقبل الأوروبيون يستقون أصول علم الفلك من المراجع العربية، وهو ما جعل بعضهم يعترف صراحة بأن الأوروبيين تلاميذ المسلمين في علم الفلك، وقد نبغ من علماء الفلك المسلمين أبو عبدالله محمد البتّاني (٨٥٨ -٩٢٩ م) الذي صحح بعض الأخطاء التي وقع فيها بطليموس السكندري، وألّف کتاب (الزیج الصابئي) الذي کان له أثر کبیر في علم الفلك لا في الشرق الإسلامي فحسب، بل
أيضًا في غربي أوروبا في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.

أما نصير الدين الطوسي (١٢٠١-١٢٧٤م) فكان من الفلكيين الكبار الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية، فقد استطاع إنجاز تقاويم فلكية جديدة، تعرف بالزيج الإيلخاني نسبة إلى اخان هولا کو، وانتشرت هذه التقاويم في بلدان كثيرة، وبخاصة في أواسط آسيا والصين.

بعض الكلمات الإنجليزية التي لها أصول عربية في مجال الفلك:

الأصل العربي الكلمات الإنجليزية

Akrab العقرب

Arneb الأرنب

Zaurek الزورق

أدخلت الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامي عن طريق ترجمة الكتب الهندية، ثم ظهرت تقاويم الخوارزمي، فذاعت هذه الأرقام بواسطتها في أرجاء العالم الإسلامي، وعن العرب نقلها الغرب الأوروبي الذي كان ما زال يستعمل نظام الأعداد الروماني المعقد. إن فضل العرب في هذه الناحية لا يقف عند حد تنقيح الأرقام الهندية وتعليمها للأوروبيين، بل تعداه إلى تعلمهم
رمزًا حسابيًّا، هو الصفر، الذي يعد من أهم المبادئ التي اهتدى إليها العقل البشري في الرياضيات، وقسَّموا الأعداد إلى زوجية وفردية، كما ذكروا أن الواحد يعد أصل هذه الأعداد جميعًا فردية أو زوجیة.

ولم يقتصر فضل الثقافة الإسلامية في ميدان الرياضيات على علم الحساب فحسب، وإنما امتد إلى بقية العلوم الرياضية، وعلى رأسها علم الجبر الذي لا يزال محتفظًا باسمه العربي في اللغات الأوروبية (Algebra) بعد أن أخذه الأوروبيون عن العرب. أما في الهندسة وعلم المثلثات، فإن المسلمين لم يقتصروا على معلومات اليونانيين، وإنما جددوا وأضافوا إضافات لم تعرف من قبلهم، ويكفي أنهم جمعوا بين الهندسة والجبر، واستخدموا الجبر في حل بعض المسائل الهندسية والعكس، وعلماء المسلمين هم أصحاب الفضل في وضع أسس الهندسة التحليلية، وفي التمهيد لنشأة علم التفاضل والتكامل.
ومن أبرز العلماء المسلمين الذين كتبوا في الهندسة وحساب المثلثات: الخوارزمي، وابن الهيثم، والبيروني، وقد قام الأوروبيون بترجمة مؤلفات هؤلاء العلماء إلى اللاتينية منذ القرن الثاني عشر الميلادي.

Visited 89 times, 1 visit(s) today

الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=2917

Related Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *