تاريخ

ثورات كبرى تغير وجه العالم

ثورات كبرى تغير وجه العالم

الثورة (Revolution) هي عملية تحول في جانب من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والصناعية، وتتعدد أنواعها بحيث تعرف كل ثورة بالهدف الذي قامت من أجله فيقال ثورة زراعية وثورة صناعية وهكذا.

استفاد الإنسان من المقومات المختلفة التي سخرها الله له سواءً أفي نفسه كانت أم في البيئة المحيطة به، وبدأت حياته تنتقل من مرحلة حضارية إلى أخرى أكثر تقدمًا وتحضرًا. وخلال هذه الرحلة الطويلة عايش الإنسان محطات تحولٍ كبيرة نتجت عن اكتشافات مهمةٍ غيرت وجه الحياة، ومهدت لمراحل جديدة من الحضارة الإنسانية، ومن أبرز تلك التحولات :

١- الثورة الزراعية:
بدأ تحول الإنسان من مرحلة الصيد إلى مرحلة الزراعة قبل حوالي (١٠ آلاف عام ق.م)، حيث شهدت تلك الفترة استقرار
العديد من المجموعات القبلية والرعوية فأصبحت تمارس الزراعة القائمة على مجهود المزارع، وأصبح ذلك النشاط السائد لتحقيق الثروة على كوكب الأرض.

وتطورت هذه المرحلة من استخدام الأدوات البسيطة بواسطة الحيوان في حراثة الأرض، واتباع الأساليب التقليدية في ري المزروعات، وقلة إمكانية تسويق المنتجات الزراعية، إلى مرحلة أخرى استخدمت فيها الأدوات المتطورة، حيث دخلت الآلة
الزراعية في حراثة الأرض مستفيدة من الثورة الصناعية التي تلتها فأصبحت تعتمد على الأساليب الحديثة في عملية الري، وتوافرت لها الإمكانات الهائلة للتسويق بأسرع وقت وأقل جهد .

توضح الصور تطور الزراعة من استخدام الحيوان في حراثة الأرض إلى استخدام الآلة الزراعية.

وهكذا نلاحظ اليوم الكثير من الدعوات للتنمية المستدامة في المجال الزراعي، من خلال الاهتمام بالمزارعين، ونشر التعليم بينهم، وتوعيتهم بأهمية القطاع الزراعي، إضافة إلى تدريبهم على استعمال البذور المحسنة والأسمدة الكيماوية وغيرها من الخطوات التي ترفع من الإنتاجية في المجال الزراعي، وتزود البشر بما يحتاجونه من مواد غذائية.

وقد أسهم ظهور الثورة الصناعية في تطور الزراعة، ويظهر ذلك في العلاقة التبادلية بينهما في مجال الآلات وأساليب التصنيع والإنتاج، والتصدير والاستيراد والأيدي العاملة واستثمار رؤوس الأموال .

٢- الثورة الصناعية:
شهدت الفترة الواقعة بين عامي (١٦٤٣ و١٧٢٧م) بدايات الثورة الصناعية، وارتبطت هذه الفترة بالاختراعات الآلية حيث
أصبح استخدام الآلة ضرورة اقتصادية، وبدأت حركة الاختراعات في مجال صناعة القطن، وكان أولها المكوك الطائر (لحلج القطن) الذي اخترعه جون كاي (John Kay) في النصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي (١٧٣٣م)، وهذا أدى إلى الإسراع في عملية صناعة النسيج، ثم تطور الأمر إلى اختراع آلات أفضل وأسرع إلا أنها جميعها كانت تعمل بقوة المياه، وهذا يعني أن
ورشة الغزل لا بد أن تقع على أحد مساقط المياه ، ومشكلة المياه أنها قد تكون سريعة التيار أحيانًا وبعيدةً عن طريق المواصلات، لذلك كان لا بد من التفكير في حل هذه المشكلة، فتم اكتشاف قوة البخار عندما استطاع توماس نيوكمن
(Thomas Newcomen) اختراع آلة تعمل على البخار والتي عمل جيمس واط (James Watt) على تطويرها لتصبح أكثر فاعليةً للعمل في فروع الإنتاج، ثم توالت الاختراعات الأخرى بعدها.

المصانع الأولى التى أقيمت على ضفاف الأنهار في اوروبا
الآلة التي اخترعها توماس نیو کمن
(١٥): الآلة البخارية التي طورها جیمس واط عام ١٧٦٩م

كما اخترع دربي (Derby) طريقة لصهر الحديد بواسطة فحم الكوك بدلاً من الفحم الحجري، ثم استخدم البخار في تسيير السفن وقاطرات السكك الحديدية، واخترع مورس (Morse) آلة لإرسال البرقيات ((البرق))، واخترع ((غراهام بل)) الهاتف، وتوصل العلماء بعد ذلك إلى اختراع الآلة ذات الاحتراق الداخلي.

آلة الاحتراق الداخلى

وارتبطت الثورة الصناعية أيضًا بالاختراع المبكر لآلة الطباعة وظهور العلم الحديث وحركة التنوير والتحول إلى التمدن والتطور
الاقتصادي المبني على المصانع، وكان لذلك التغيير أثر كبير على كل نواحي الحياة، ولم يكن نظامًا اقتصاديًّا أو تقنيًّا فحسب، بل كان أسلوب حياة وأسلوب تفكير دخل العالم من خلاله إلى مرحلة متقدمة من التمدن والرقي، إلا أن الظاهرة الأبرز في التحول الصناعي تأثيره على الجانب الثقافي حيث تحولت الكثير من المجتمعات متنوعة الثقافة إلى مجتمعات صناعية متجانسة الثقافة متقاربة الأفكار.

وهكذا فقد أدت الثورة الصناعية إلى نتائج عدة، أبرزها:

زيادة الثروة والإنتاج وظهور طبقة الرأسماليين الصناعيين.

ارتفاع مستوى المعيشة وتحسن ظروف أحوال المجتمعات الصناعية.

وفرة الإنتاج وجودته وهو ما أدى إلى البحث عن الأسواق لتصریفه.

تكاثر السكان ونمو المدن وظهور مدن جديدة قائمة على أساس التصنيع.

توسيع التجارة وسهولة المواصلات وتوافر الوسائل التي تسهل الحياة البشرية كالسكك الحديدية والبواخر والخطوط البريدية
وغیرها.

ومن الجدير بالذكر أن الثورة الصناعية في بعض إنجازاتها لم تكن مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظريات والمبادئ العلمية عند انطلاقها في البداية، حيث قامت على أيدي الحرفيين والمهندسين الذين كانوا يتلقون التدريب أثناء العمل، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أن اختراع المحرك البخاري قد تم قبل قرن من اكتشاف مبادئ الديناميكية الحرارية، إلا أن منتصف القرن التاسع عشر الميلادي شهد اتصالاً وثيقًا بين العلم والتكنولوجيا، فبدأ الاتجاه نحو الاستثمار في مجال البحوث والتطوير. ويعد معمل ((منلو بارك)) (Menlo Park) للبحوث والتطوير في مجال الآلات الكهربائية الذي أنشأه أديسون عام ١٨٧٦م مثالاً على الاستثمار البحثي في مجال الاختراعات المستقبلية، وهكذا تم إدخال البحوث في مجال الصناعة واستقطاب العلماء المدربين في الجامعات ودمجهم في هذا المجال، وبذلك اتجه العالم نحو تحول آخر قائم على تكنولوجيا المعرفة عرف بمسمى ((ثورة تكنولوجيا المعرفة)).

٣- ثورة تكنولوجيا المعرفة:
شهد القرن العشرين استعمال النفط الذي أصبح المادة الأساسية للطاقة، واكتشاف الذرة التي تعد إضافةً مهمة إلى مصادر الطاقة، كما تم في هذا القرن غزو الفضاء الذي مهَّد لتطور الاتصالات اللاسلكية، وتطور وسائل المواصلات، وبهذا اتجه العالم نحو ثورة جديدة مبنية على تكنولوجيا المعرفة والمعلومات فيما عرف بعصر الاتصالات، حيث أصبح العالم قرية كونية صغيرة يسهل التواصل بين أجزائها وهو ما يعرف بالعولمة، كما عرف هذا العصر بعصر المعرفة بناءً على سهولة الحصول على المعرفة نتيجة لما أفرزته ثورة التكنولوجيا، وما نجم عن ذلك من بلورة حاجات البشر وبناء رؤيتهم المستقبلية.

مقومات ثورة تكنولوجيا المعرفة

تشمل مقومات ثورة تكنلوجيا المعرفة ارتياد الفضاء وآثاره واكتشاف الذرة واستغلال النفط في الطاقة وتطور المواصلات والاتصالات.

وأصبحت ثورة تكنولوجيا المعرفة المحرك الأول للتغيير في الألفية الثالثة معتمدة على الفكر والمعلوماتية، ومؤثرة في العديد من ميادين الثقافة والعلم والعلاقات الإنسانية، ولذلك نشهد اليوم تطورات تكنولوجية مذهلة وابتكارات متسارعة في الاتصالات المعلوماتية الإلكترونية، وبخاصة في تطور شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وسرعة انتشارها وشيوع استخدامها من قبل الجميع، الأمر الذي جعل العالم في متناول الجميع متى أرادوا، وأينما كانوا ليستثمروا الانفجار المعرفي الهائل في مختلف مجالات الحياة المعاصرة.

ومن مظاهر التحول المعرفي الذي يشهده العالم في مجال الاتصالات أيضًا ظهور ما يعرف بالاقتصاد المعرفي والتجارة
الإلكترونية، حيث ازدهرت تجارة الحواسيب والمعدات والبرمجيات والمواصلات الإلكترونية، فعلى سبيل المثال: نجد أن عدد العمال الذين يعملون في هذا المجال يفوق عدد العمال الذين يعملون في مجال صناعة السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نتيجة لكثرة الإقبال على استخدام الحواسيب، حيث يقدر عدد الحواسيب الشخصية في العالم بما يزيد عن ٣٠٠ مليون حاسوب ويتوقع أن يستمر هذا العدد بالارتفاع، كما يوجد حوالي ٥٠٠ قمر صناعي يدور حول الأرض. وهناك ما بين (١٥٠٠-١٨٠٠) قمر صناعي تحت التصميم يخصص ثلاثة أرباعها للاستخدام التجاري لتعمل على تشغيل الهواتف المتحركة ولبث المزيد من القنوات التلفزيونية والربط بين أجهزة النداء الآلي والحواسيب الشخصية والاستخدامات الأخری.

كما شكلت ثورة تكنولوجيا المعرفة قفزة نوعية في مجال التعليم فظهرت مصطلحات عدة مرادفة لمصطلح ((التعلم عن بعد)) كالصف الذكي والجامعات الافتراضية والجامعات الإلكترونية، وأصبح بمقدور الطالب أن يلتحق ببرامج أكاديمية تدريبية في مؤسسات تبعد عنه آلاف الأميال، وذلك من خلال انتشار الإنترنت وسرعتها والوسائط المتعددة وما أحدثته من تحول نوعي في ظروف التدريس والوسائل التعليمية، وكل ذلك أدى إلى جعل التعليم أكثر جاذبية وديناميكية .

وكذلك بدأت الحكومات تتجه إلى استخدام تكنولوجيا المعرفة في تسيير شؤونها، تقليلاً للجهد واختصارًا للوقت ومواكبةً لروح العصر، فظهر ما يعرف بالحكومة الإلكترونية، ويقصد بها البيئة التيتتحقق فيها خدمات المواطنين واستعلاماتهم، وتتحقق فيها الأنشطة الحكومية باستخدام شبكة المعلومات والاتصالات عن بعد، بمعنى أن المواطن يمكن أن يحصل على الخدمة وجميع المعلومات عنها من خلال شبكة الإنترنت.

ومن نتائج ثورة تكنولوجيا المعلومات أيضًا ظهور آلية جديدة للعمل يطلق عليها ((العمل فى أي وقت وأي مكان)) كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمكن الكثيرون من إنجاز أعمالهم أثناء وجودهم في الفنادق أو أثناء سفرهم بالطائرات، وفي كل مكان وفي مختلف الأوقات دون الالتزام بوقت ومكان محددين.

وساعدت تكنولوجيا المعلومات على خفض تكلفة الإنتاج، وسهلت عملية تصنيع المنتج للمستهلك وفقًا لطلبه، وأصبحت
الشركة لا تحتاج إلى تخزين أجهزة في معارضها وإنما تصنع الجهاز وفقًا للمواصفات التي يريدها المستهلك، وبذلك فهي توفر مبالغ ضخمة من المال. كما لا يوجد لديها وسطاء لأن المستهلك يتعامل مباشرة مع الشركة، وهذا النظام اتبعته شركة ديل (Dell) لتصنيع الحواسيب، وتبعتها على النظام نفسه شركة كومباك (Compag).

وهكذا أصبحت المعرفة العنصر الأساسي في الإنتاج، حيث دخلت البشرية مرحلة جديدة تحولت فيها المعلومة إلى سلعة، بل أصبحت أهم سلعة على الإطلاق، وهو ما يتطلب زيادة التعاون التقني والمعلوماتي داخل المنظومة البشرية لأنها الضمان الوحيد للارتقاء بشروط الحياة وتحسينها، وإضفاء الصبغة الإنسانية على العلم ومنجزاته وتسخيره لخدمة الإنسان وصحته وبيئته، وبخاصة فيما يتعلق بتحسين إنتاج الغذاء ورفع مستوى كفاءة الحياة، وحتى تحافظ الدول على هذه الإنجازات العلمية فقد عملت على تشجيع الاتصال والإفادة المتبادلة فيما بينها.

مواضيع مشابهة

الاقاليم الثقافية والهوية الوطنية

bayanelm

الدولة الاموية في الاندلس (138-422 هجري- 755-1030 ميلادي)

bayanelm

اصول الحضارة الاسلامية وخصائصها

bayanelm