
السلطان قابوس بن سعيد مؤسس الدولة العصرية
ارتبطت النهضة العُمانية الحديثة ارتباطًا وثيقًا بشخصیة السلطان قابوس بن سعید۔ طیب الله ثراه۔، ورؤيته الحكيمة المنبثقة من اطلاعه الواسع على الثقافة العالمية والتاريخ العُماني وأمجاده، وإدراكه لاحتياجات الشعب وتطلعاته المستقبلية، وإيمانه العميق بإمكانيات المواطن ومقدرات الأرض العُمانية، الأمر الذي جعل منها رؤية محددة الأهداف والغايات لتأسيس دولة عصرية.
السلطان قابوس بن سعيد … الميلاد والنشأة
شهدت مدينة صلالة مولد السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه-، في يوم ١٨ نوفمبر ١٩٤٠م (الشكل١)، ويعد الحاكم الرابع عشير في الأسرة البوسعيدية التي أسسها الإمام أحمد بن سعيد عام ١٧٤٤م.
تعلّم السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – علوم اللغة العربية والمبادئ الدينية في مرحلة مبكرة من عمره في عُمان، ثم أرسله والده السلطان سعيد إلى بريطانيا عام ١٩٥٨م، حيث التحق بمدرسة خاصة تدعى ((سافوك))، لمدة عامين، ثم التحق بالأكاديمية العسكرية الملكية في ((ساند هيرست)) كضابط مرشح في عام ١٩٦٠م، واستغرقت دراسته فيها مدة عامين درس خلالهما العلوم العسكرية، وبعد تخرجه انضم إلى إحدى الكتائب البريطانية، وأمضى ستة أشهر متدربًا في فن القيادة
العسكرية بألمانيا الغربية.
ودرس السلطان بعد عودته إلى بريطانيا نظم الحكم المحلي لمدة عام، كما التحق بدورات تخصصية في شؤون الإدارة، ثم قام بجولة في عدد من دول العالم استغرقت ثلاثة أشهر اطلع خلالها على أحدث ما وصلت إليه تلك الدول من تقدم وازدهار في مختلف المجالات.
وفي عام ١٩٦٤ م عاد السلطان قابوس بن سعيد إلى عُمان، وکان مهتمًّا بزيادة معارفه حول علوم الشريعة الإسلامية وحضارة بلاده و تاريخها.
للسلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – هوايات واهتمامات عديدة من أبرزها: الرماية والاهتمام بعلم الفلك، فكان يراقب الكواكب بواسطة مرصد صغير يمتلكه، كما يهوى الفروسية من صغره ، حيث امتطى الخيل وهو في الرابعة من عمره، واهتم السلطان بالتصوير الضوئي، ومن الرياضات المحببة لدى السلطان: رياضة المشي والتنس.
السلطان قابوس بن سعيد … وانطلاقة النهضة العمانية
أشرق فجر النهضة العُمانية الحديثة بتولي السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – زمام الحكم في ٢٣ يوليو عام ١٩٧٠م،
ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة النهضة العُمانية معلنة التطور السريع في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والصحية، ووضعت الأسس والقواعد والقوانين المنظمة للواجبات والحقوق في مختلف هذه المجالات
(الشكل ٤)، وانطلقت السواعد العُمانية الفتية والعقول الراجحة تتسابق لبناء عُمان الحديثة.
فأصبحت سلطنة عُمان بفضل السياسة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- دولة ذات سيادة
لها مكانتها الإقليمية والعالمية، وتحظى باحترام المجتمع الدولي وتقديره.
الاسس والقواعد التي قامت عليها النهضة الوطنية

الوحدة الوطنية
الإنسان العماني هدف التنمية وأداتها
المبادئ والقيم الإسلامية
شمولية التنمية
مسايرة الحداثة والتطور والاحتفاظ بالموروث الحضاري
لقد واجه السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – في ذلك الوقت للقيام بما قطعه من وعد في عملية تطوير البلاد الكثير من التحديات، فبذل قصارى جهده لتصبح عُمان دولة عصرية قوية، وقام بعدة أعمال تعد خطوات أساسية في بناء النهضة.

الخطوات الاساسية في بناء عمان العصرية
إقامة علاقات دبلوماسية، والانضمام إلى المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية
اختيار علم يمثل الدولة الحديثة
تشكيل أول حكومة عمانية
إنشاء المؤسسات التشريعية والقضائية وأجهزة الشرطة والجيش
تغيير اسم غمان إلى ((سلطنة غمان)) بعد أن كانت (سلطنة مسقط وغمان))
إنشاء مؤسسات المجتمع المدني
ترسيم حدود سلطنة غمان
توحيد عملة البلاد، فأصبحت (الريال العماني)
السلطان قابوس بن سعيد … رجل التسامح والسلام
اتخذ السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه – منهج التسامح والسلام ركيزة أساسية في السياسة العُمانية على المستويين المحلي والعالمي، إيمانًا منه بأهمية السلام والأمن والاستقرار في تحقيق التقدم والازدهار.
فعلى المستوى المحلي حرص السلطان على تكريس كل الجهود من أجل بناء حياة أفضل للمواطن العُماني من خلال نشر أجواء الطمأنينة والتسامح والأمن والسلام بين أبناء شعبه؛ انطلاقًا من حقيقة أن عمليات البناء والتنمية وتشييد الدولة العصرية لا تتأتّى إلا بتوفر المناخ الآمن المستقر؛ لذلك نادى السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – في شعبه منذ بداية حكمه بمقولته الشهيرة: “عَفا الله عمَّا سَلَفَ”، وتحت هذا الشعار أطلق السلطان عفوه السامي لكل من كان يحمل آراء وأفكارًا ومعتقدات تعارض نظام الحكم في تلك الفترة، ولقد أرسى السلطان قابوس بن سعيد مبادئ العدل والمساواة والحرية بين أبناء بلده؛ مما أكسبه محبة شعبه وولائهم.
أما على المستوى العالمي فقد فتح السلطان قابوس بن سعید- طیب الله ثراه – آفاقًا رحبة من التسامح ونشر السلام والتبادل الثقافي، حيث حدد معالم سياسته الخارجية في خطابه السامي عام ١٩٧٢م بقوله: ((إنَّ سياستنا الخارجية تقوم على الخطوط العريضة الآتية: انتهاج سياسة حسن الجوار مع جيراننا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة؛ تدعيم علاقتنا
مع الدول العربية وإقامة علاقات ودية مع دول العالم والوقوف بجانب القضايا العربية في المجالات الدولية)).
وعلى امتداد عمر النهضة المباركة حدد السلطان قابوس بن سعيد مواقف السلطنة تجاه مختلف القضايا والتطورات الدولية وفق أسس ومبادئ ثابتة في إطار الإيمان العميق بالسلام والعمل على تحقيقه من خلال إيجاد الحلول لمختلف القضايا والنزاعات بالحوار والطرق السلمية.
ولقد بذل السلطان جهودًا حثيثة لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ونشر السلام العالمي، فأصبحت عُمان في عهده مرفأ للسلام، ومحط أمان للأطراف المتنازعة على المستوى الإقليمي والعالمي.
وتقديرًا من المجتمع الدولي لجهود السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – في عملية إرساء السلام والتعاون العالمي فقد مُنح العديد من جوائز السلام العالمية (الجدول ١).

من جوائز السلام العالمية التي حصل عليها السلطان قابوس بن سعيد
جائزة السلام الدولية عام 1998 بإجماع ٣٣ جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية (الولايات المتحدة الأمريكية)
جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي عام 2007 من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية (جمهورية الهند)
جائزة السلام عام 2007 من الجمعية الدولية الروسية (جمهورية روسيا الإتحادية)
كذلك مَنح (المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدّولي)، جائزة الإنسان العربي الدوليّة لعام ٢٠١٦م للسلطان
قابوس بن سعيد، تقديرًا لجهوده العظيمة، وإسهاماته النبيلة في مجال حماية ودعم وتعزيز حقوق الإنسان محليًا وعربيًّا ودوليًّا.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=2205