حضارة اليمن القديمة
نظراً لأهميةِ موقعِ اليمنِ الجغرافيِّ وخصوبةِ تربتِها وأمطارِها الموسميةِ الصيفيةِ، أطلقَ اليونانُ على اليمنِ اسْمَ
((بلاد العرب السعيدة))، ولكثرةِ مزارعِها وأشجارها وثمارِها أطلقَ العربُ عليها اسمَ ((اليمن الخضراء)).
تَقَعُ اليمنُ في أقصی جنوبٍ غربيِّ شِبْهِ الجزيرةِ العربيةِ ، وُتطِلُّ علی مَنْفَذیْنِ بحریين مهمّينِ هما: بحرُ العربِ والبحرُ الأحمرُ
ويفصلُ بينَهما مضيقُ بابِ المندبِ .
ولقدِ استقرَّ الإنسانُ في اليمنِ منذُ القِدَمِ فأقامَ القُرى والمدنَ بسببٍ تَوقُّرِ الظروفِ الملائِمَةِ للزراعةِ والتجارةِ . وأنتجَ اليمنّيّونَ
المحاصيلَ الزراعيةَ، وتاجروا باللّبانِ والبَخورِ والعطورِ والتوابلِ، فأدّى ذلكَ إلى زيادةِ ثروتهِمْ، فبنوا السُّدودَ وخزاناتِ المياهِ وقنواتِ الري، وهوَ ما أدّى إلى ازدهارِ الزراعةِ ، وتقُدمِ البلادِ .
وقدَ قامتْ في اليمنِ فِي الفترةِ ما بينَ ١٣٠٠ ق.م – ٥٧٥م دولٌ عدةٌ منِها: معينُ وقتبانُ وسَبَأ وحمْیرُ:
أ – دولةُ مَعینَ (١٣٠٠ ق.م – ٦٥٠ق.م):
نشأتْ في وادي الجُوفِ بينَ نجرانَ وحضرموتَ في أرضٍ خِصبةٍ تسقيها مياهُ الوديانِ ، واتَّخذَ المعينّيّونَ مدينَة قَرْناو عاصمةً لُهمْ. وعمِلوا بالزراعةِ والتجارةِ ، وسيطروا على طرقِ التجارةِ الداخليةِ ، والطرقِ التي تربطُ اليمنَ ببلادِ الشامِ.
واستمرتْ مَعينُ في ازدهارِها حتَّى قامتْ إلى جوارِها دولةُ سَبأٍ التي أخذتْ تنافِسُها في تجارتِها إلى أنِ اسْتطاعتِ القضاءَ عليها، وإخضاعَها لسلطانِها .
ب – دولةٌ قُتبانَ :
وفي الفترةِ ما بينَ عامي ١٢٠٠ – ٨٠٠ ق.م، قامتْ دولةٌ قُتبانَ في وادي بيحانَ الخصيبِ، فاهتمَّ القتبانيونَ بالزراعةِ، وأقاموا مشروعاتِ الري، وشقّوا القنواتِ، وحفروا الآبارَ ، وبنوا السدودَ، واهتمّوا بالتجارةِ، فشجّعوا مرورَ طرقِ التجارةِ بدولتِهِمْ. وأصبحَ ميناءُ عَدْنٍ في عَهْدهمْ مركزاً لتجارةِ البخورِ ، وعندَما حاولَ القتبانيونَ التوسُّعَ شمالاً ، اصطدموا معَ دولةِ سبأِ التي تمكّنتْ مِنَ القضاءِ عليهمْ واحتلالٍ عاصمتِهِم تَمنَعَ.
ج – دولةُ سبأ:
قامتْ في منطقةٍ مَأْرِبَ ما بينَ عامي ٨٠٠ ق.م – ١١٥ ق.م، وتمكّنَ ملوكُها في القرنِ السابعِ قبلَ الميلادِ منْ توحيدِ معظمِ مناطقِ اليمنِ في دولةٍ واحدةٍ . كما ازدهرتِ الزراعةُ والتجارةُ في عَهْدهِمْ ، وبنوا الطرقاتِ والسدودَ ، وأشهرُ هذهِ السدودِ سدُّ مأْرِبَ الواقعَ قُربَ عاصمتهم مدینةَ مأرِبَ .
شنَّ السبئيّونَ الحروبَ على المناطقِ المجاورَةِ واحتلوا المناطقَ التابعةَ لدولتيْ مَعينَ وقُتبانَ فاتَّسعَ نفوذُ دولةِ سَبأ اتساعاً كبيراً .
وقد أَلحقتْ هذهِ الحروبُ أضراراً كبيرةً في سکانِ هذهِ المناطقِ واقتصادِها، بسببِ تدميرها وقَتْلِ أهلِها. وقد تمَّ هذا في الوقتِ الذي تحولتْ فيه التجارةُ من الطرقِ البريّةِ المارّةِ بأراضي سبأ إلى الطرقِ البحريةِ عبرَ بحرِ العربِ والبحرِ الأحمرِ، فأدّى ذلكَ إلى ضَعْفِ الدولةِ.
د – دولةُ حمْيَرَ :
ترافقَ ضَعفُ دولةِ سبأ معَ قيامِ دولةِ حِمْيَرَ (١١٥ق.م – ٥٢٥م)، وعندَما حاولَ الحِمْيَريونَ السيطرةَ على المناطقِ السبئيةِ، شهدتِ اليمنُ فترةً مِنَ الحروبِ بينَ الدولتينِ، انتهتْ بسيطرةِ حِمْيَرَ على المناطقِ التابعةِ لسبأ جميعِها.
غزُوُ اليمنِ :
بَعْدَ نجاحِ الرّومانِ في السيطرةِ على منطقةِ البحرِ المتوسطِ ، تطلّعوا للسيطرةِ على اليمنِ ، فأرسلوا في عام ٢٥ ق.م حملةً بريةً، إلا أن الحملةَ فشلتْ لصعوبةِ الظروفِ المناخيةِ والطبيعيةِ، وقلةِ الماءِ في الطريقِ البريِّ المؤدّي منْ بلادِ الشّامِ إليها .
كما أن اليمَن تعرضتْ لهجومِ الأحباشِ فبسطوا نفوذَهم عليها، ثم حاولوا السيطرةَ على مكةَ ، فشنوا حملةً عُرِفتْ بحملةِ أصحابِ الفيلِ، إلا أنَّهُمْ فشلوا في ذلكَ، وعادوا إلی الیمنِ .
رفضَ اليمنيونَ حكمَ الأحباشِ ، فثاروا عليهمْ بمساعَدةِ الفرسِ ، الذينَ أَمدُّوهُمْ بجيشٍ استطاعوا بهِ هزيمةَ الأحباشِ وإخراجَهُمْ منَ اليمنِ. ولكنَّ الفرسَ فَرَضوا سيطرتَهُمْ على اليمنِ،
وبينَما كانَ اليمنيونَ يحاولونَ التخلُّصَ من السيطرةِ الفارسيةِ، ظهرتِ الدولةُ الإسلاميةُ، فدخلتْ اليمنُ في الإسلامِ، وأصبحتْ جُزءاً منْها.
سدُّ مَأرِبَ :
كانت مملكةُ سبأ أشهرَ ممالكِ اليمنِ وأعظمَها ، وقد وردَ في القرآنِ الكريمِ ذكرُ ما كانتْ عليهِ مِنَ الرَّخاءِ والعمرانِ، وقدْ أقامَ السبئيّونَ مشاريعَ الري وبنوا السدودَ التي كانَ أهمُّها سدَّ مأَرِبَ ، ولكنَّ إهمالَ هذا السدِّ فيما بَعْدُ مِنْ قِبَلِ الدولةِ الحِمْيَرِيَّةِ أدّى إلى تصدعهِ وانهيارِهِ، وترتَّبَ على تدميرهِ أنْ خُرِّبتِ الأراضي الزراعيةُ ، وهوَ ما دفعَ بعضَ القبائلِ اليمنيةِ إلى الهجرةِ نِحوَ أطرافِ شبهِ الجزيرةِ العربيةِ .
