محمد محمود الزبيري (1910م – 1965م)

محمد محمود الزبيري (1910م – 1965م)

محمد محمود الزبيري (1910م – 1965م) كان شاعرًا وثائرًا وسياسيًا يمنيًا، وُلد في حي “بستان السلطان” بصنعاء، أحد الأحياء التاريخية في صنعاء القديمة، في عام 1910م. ينحدر الزبيري من أسرة متوسطة الحال، حيث كان بعض أفرادها يعملون في القضاء وآخرون في التجارة. ورغم توجه أسرته نحو هذه المجالات، إلا أن موهبته الشعرية قادته بعيدًا عن تلك الاهتمامات التقليدية، مما جعله يتبنى منذ طفولته نشأة روحية متمردة، بعيدًا عن القضاء أو التجارة.

سافر الزبيري إلى مصر لإكمال دراسته، فالتحق بدار العلوم، ثم عاد إلى اليمن عام 1941م. وفي نفس العام، ألقى خطبة في صنعاء فتم سجنه، ولكنه خرج من السجن عام 1942م، ثم انتقل إلى تعز وبعدها إلى عدن. في عدن، أسس “حزب الأحرار” عام 1944م، الذي غير اسمه بعد عامين إلى “الجمعية اليمنية الكبرى” (1944م – 1948م)، وكان رئيسًا لتنظيم الاتحاد اليمني في الفترة من 1953م إلى 1962م.

حياة الزبيري السياسية والفكرية

نشأ الزبيري في صنعاء، حيث تلقى تعليمه المبكر وتأثر بتعاليم الصوفية، ومال إلى الأدب والشعر منذ سن مبكرة. وفي عام 1939م، انتقل إلى القاهرة لمواصلة دراسته، حيث التحق بدار العلوم، وهناك تأثر بالأجواء السياسية في مصر. كما تعرف على العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة مثل الإمام حسن البنا، وتفاعل مع حركة الإخوان المسلمين، رغم أنه كان من المذهب الزيدي.

بداية النضال السياسي

في عام 1940م، أسس الزبيري مع مجموعة من رفاقه في القاهرة أول حركة معارضة لحكم الأئمة في اليمن تحت اسم “كتيبة الشباب اليمني”. وعاد الزبيري إلى اليمن عام 1942م ليكمل نضاله ضد حكم الإمام يحيى حميد الدين، فقدم له مذكرة مطالب إصلاحية وألقى خطبة في الجامع الكبير بصنعاء، مما أغضب الإمام وأدى إلى سجنه.

الانتقال إلى عدن والنضال المستمر

بعد خروجه من السجن في عام 1943م، انتقل الزبيري إلى عدن، حيث بدأ مرحلة جديدة في نضاله الوطني. أسس مع رفيقه أحمد محمد نعمان “حزب الأحرار” في عام 1944م، الذي تحول فيما بعد إلى “الجمعية اليمنية الكبرى” عام 1946م، وكان يهدف إلى نشر الوعي الوطني والثقافي في اليمن. وفي عام 1948م، قامت ثورة الدستور التي حاول الزبيري الانضمام إليها، ولكن الثورة فشلت مما دفعه للجوء إلى باكستان.

العودة إلى اليمن والمشاركة في ثورة 26 سبتمبر

عاد الزبيري إلى اليمن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م التي أطاحت بالحكم الإمامي، ليصبح وزيرًا للتربية والتعليم. لكنه استقال في عام 1964م بسبب التدخلات الخارجية التي أدخلت البلاد في حرب أهلية. وفي هذه الفترة، بدأ الزبيري في العمل على تعزيز الوحدة الوطنية بين اليمنيين.

اغتياله

في 31 مارس 1965م، بينما كان الزبيري يلقي خطابًا في صنعاء، تعرض لهجوم مسلح أسفر عن اغتياله. لكن إرثه وأشعاره الوطنية ظلت حية في ذاكرة اليمنيين، وخصصت الحكومة اليمنية شارعًا في صنعاء باسمه تكريمًا له.

دوره في الحركة السياسية

أسس الزبيري في بداية مسيرته السياسية “حزب الأحرار” في عام 1944م، ثم أسس “الجمعية اليمنية الكبرى” التي نمت بشكل كبير خلال فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين. وبعد ثورة 26 سبتمبر، انضم إلى الحكومة الجديدة وأصبح جزءًا من مجلس الثورة، لكنه استقال بسبب التدخلات الأجنبية في الشأن اليمني.

أدبه ومؤلفاته

كان الزبيري شاعرًا ذا طابع خاص، حيث اهتم بالقضايا العربية والإسلامية في شعره. له العديد من القصائد الشهيرة مثل “عالم الإسلام” و”في سبيل فلسطين”، بالإضافة إلى قصيدته الشهيرة “ثورة” التي أصبحت رمزًا للثوار في اليمن. ترك الزبيري العديد من المؤلفات الشعرية والسياسية التي تتعلق بالوضع اليمني والقضايا العربية، ومن بين مؤلفاته: “صلاة في الجحيم” و”ثورة الشعر” و”مأساة واق الواق”.

الإرث السياسي والثقافي

كان الزبيري شخصية محورية في تاريخ اليمن الحديث، حيث أصبح رمزًا للثوار والمثقفين الذين ناضلوا ضد الاستبداد والطغيان. لم تقتصر تأثيراته على الأدب والشعر فقط، بل امتدّت لتشمل السياسة والحركة الوطنية التي ساهم فيها بشكل كبير.

إليك القصيدة التي كتبها الشاعر محمد محمود الزبيري في الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في موسم الحج بمكة المكرمة عام 1358هـ/1940م، والتي أثنى فيها عليه:

قصيدة في الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود

قلب الجزيرة في يمينك يخفقُ
وهوى العروبة في جبينك يشرقُ

ولعمر مجد المسلمين لأنت في
أنظارهم أمل منير شيقُ

وهبوك أفئدة الولا ووهبتهم
مجداً تقدسه القلوب وتعشقُ

إن الجزيرة شرقها ودبورها
وشمالها حرم بوجهك مونقُ

وحدتها ونفخت في أرجائها
روحا تُحب بها البلاد وتعتقُ

ويكاد منها الصخر يمشى حاسراً
لك عن معاينه التي لا ترمقُ

قل لي بربك أي كف عبدت
لك منهجاً ما كان قبلك يطرقُ

وبأي عزم قمت وحدك ناهضاً
والنوم في جفن العروبة مطبقُ

جردت للطاغين سيفاً صارماً
فتمزقت آثارهم وتمزقوا

وقمعت عفريت الغلا فهديته
والسيف أهدى للجهول واصدقُ

وبذاك أمنت الحجيج وأُفهموا
أن الفريضة قربة لا مأزقُ

وهدمت كل عقيدة ممقوتة
كانت تضل بها العقول وترهقُ

ورفعت رأسك في الممالك عالياً
والملك حر والنظام موفقُ

حتى إذا شب النزاع وحاولوا
أن تستميل وبصبصوا وتملقوا

خيبتهم وهمست في آذانهم
أن الجزيرة غابة لا تطرقُ

وبنيت حول البيت أو حول الهدى
حصناً بأسباب النجوم يعلقُ

ماذا دهى الإنسان في أطواره
حتى نراه في الردى يتعشقُ

يسعى ليلقي النار في أحشائه
ويخال أن سواه منها يحرقُ

إنا لنأسف للحضارة أن ترى
منهارة لكننا لا نفْرَقُ

فلنا بنهضتنا وسالف مجدنا
شرف نفوز به إذا ما أخفقوا

سلهم عن النور الذي جئنا به
فاستصبحوا بضيائه واستشرقوا

سدنا البلاد فما استقر قرارنا
حتى تلألأ غربها والمشرقُ

سعد الضعيف برفقنا حتى إذا
ملكوا الضعيف بحكمهم لم يرفقوا

إنا لأعرق في المعالي منهم
وأحق منهم بالنهوض وأخلقُ

إن تسحق الدنيا معاول غيهم
فلنا بلاد حرة لا تسحقُ

ولسوف نشرق بالعلا إن غربوا
والشرق أحفل بالضياء وأليقُ

والعيش لولا الطامعون ميسر
والمجد لولا الحاسدون محققُ

ونفوسنا اللاتي سمت بجدودنا
هي لم تزل، لا بل أشد وأحنقُ

فلقد تجرعنا كؤوساً مرة
لم يشربوا منها ولم يتذوقوا

واليوم حان بنا التفرق وأنجلى
لشعوبنا أن التفرق موبقُ

وتقشع الحلم الأنيق خداعه
فإذا الحقيقة مرة لا تونقُ

وإذا الحقوق سليبة مهضومة
وإذا الوعود خديعة لا تصدُقُ

وإذا البلاد تمخضت عن منقذ
أدرى بإنقاذ الشعوب وأحذقُ

وهبت له العليا معارج أفقها
فعلا بهمته التي لا تُسبَقُ

وسما إلى عرش يلوذ بركنه
من أيدوا الدين الحنيف وصدقوا

علموا بأن الله حارس بيته
يختار فيه من يشاء ويخلقُ

ولرب يوم تزدهي أمم الهدى
بتراثها العالي الذي لا يخلِقُ

في ظل بيت الله تحت لوائه
فسموا بشرعته التي لا تمحقُ

ونسير صفاً واحدا لا ينثني
بعواصف الدنيا ولا يتمزقُ

فتول يا عبدالعزيز عزائماً
من أمة تهوى السمو وتعشقُ

ولتحي في عرش القلوب مؤيدا
وليحيا شعب حول عرشك يُغدقُ

وإليك يا أسد الجزيرة خفقة
من قلب صب لم يزل بك يخفقُ

ناءت بمحملها حنايا لوعتي
وهفت إليك بها القوافي السُبّقُ

يمنيةً مكيةً نجديةً
قل ما تشاء فإنها لا تفرقُ


هذه القصيدة تمثل تأثّر الزبيري الكبير بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ودعمه لمواقفه في توحيد المملكة العربية السعودية وتوحيد الأمة العربية بشكل عام.

Visited 8 times, 1 visit(s) today

الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30490

Related Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *