عمان

عمان في عصر النباهنة حضارة وتواصل

عمان في عصر النباهنة حضارة وتواصل

مرت عمان بفترات تاريخية مختلفة وصولا إلى عصر النباهنة، حيث عاشت أحداثا تاريخية وسياسية متباينة امتدت لفترات طويلة اتسمت بالقوة حینا وبالضعف أحیانا أخری، وشهد عصر النباهنة انقسام عُمان إلى ممالك صغيرة؛ مما أطمع
الغزاة فيها، وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت عُمان في هذا العصر عددًا من المنجزات الحضارية أكدت على استمرار العُمانيين في طريق الرُّقي والتحضُّر.

النباهنة … تاريخ عريق وممتد
امتد عصر النباهنة حوالي خمسة قرون تخلَّلته فترات حكم الأئمة، وقد قسَّم المؤرخون العصر النبهاني إلى قسمين يوضحه الشكل (١).

العصر النبهائي الأول
(٥٤٩هـ / ١١٥٤م – ٩٠٦هـ/١٥٠٠م)

من أبرز ملوكه:
سليمان بن المظفر النبهاني، وابنه سليمان

العصر النبهائي الثاني
(٩٦٤هـ / ١٥٥٦م – ١٠٣٤هـ/١٦٢٤م)

من أبرز ملوكه:
سلطان بن محسن النبهاني، وأخوه فلاح

فترة حكم النباهنة

شهدت عُمان في عصر النباهنة تجزئة واضحة غابت على إثرها الوحدة الوطنية؛ حيث استقل كل ملك أو حاكم بمملكة يحكمها بنفسه، وقامت بين هذه الممالك صراعات على السلطة، فعلى سبيل المثال وقعت معارك بين الملك سليمان بن سليمان بن مظفر وأخيه حسام انتهت بمقتل حسام وانتصار سليمان.

كما وقعت معارك بين ملوك النباهنة والمناوئين لهم في السلطة من بعض الأئمة من أمثال الإمام أبي الحسن بن خميس
ابن عامر الخروصي (٨٣٩هـ ٨٤٦هـ)، والإمام محمد بن إسماعيل الحاضري (٩٠٦هـ ٩٤٢هـ) الذي كانت إمامته إيذانًا بانتهاء العصر النبهاني الأول؛ ونتيجة لهذه الصراعات تعرَّضتْ عمان للغزو الخارجي.

قال الشاعر السّتالي مادحًا ملوك النباهنة:

حي الملوك وتيجانها وبيت المعالي وايوانها

وباس الكماة واقدامها وحلم الكفاة واحسانها

تَوارَثها الأَزدُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلى أَنْ حَوى المَجْدَ نَبْهانُها

أَميرُ العَتيكِ تَسامى بِها كُهولُ العَتيكِ وَشُبَّاتُها

ويُعدُّ ديوان الملك النبهاني سليمان بن سليمان مصدرًا من مصادر تاريخ عصر النباهنة، فقد أورد الكثير من الأحداث التي وقعت في ذلك العصر، ومنها الأبيات الآتية التي تدل على الصراع بينه وبين أخيه. اقرأها، ثم استنتج أثر الصراعات الداخلية على الفرد والمجتمع.

فَقُلْ ِحسامٍ راجِعِ السَّلْمَ تَشلَمَنْ وَدَعُ عَنْكَ تَذْكارَ الوَغى وَالطَّوائِلِ

فإِنَّ طَريقَ الحَرْبِ وَعْرّ مُضِلَّةً تَؤولُ بِباغيها إِلى غيرِ طائِلِ

فَفِي الحَرْبِ تَفريقٌ لِكُلِّ بَني أَبٍ وَحَتْفُ النُّفوسِ بِالقَنا وَالَمّنَاصِلِ

معاني الكلمات

الطوائل: العداوة / الثأر.

القنا: الرمح.

المناصل: السيوف.

أضف إلى معلوماتك

تعدَّدت مُسمّیات حگام عُمان بین سلطان وملك وإمام عبر العصور التاريخية المختلفة، وهو دليل على تنوع الأنظمة التي حكمت عُمان.

علاقات خارجية

تنوَّعت علاقات عُمان الخارجية في العصر النبهاني (الشكل ٢)، فتوطَّدت العلاقة مع مناطق كما ساد نوع من الاضطراب مع مناطق أخرى، فقد كانت العلاقة وطيدة بين ملوك النباهنة وملوك اليمن حيث تبادل الملك النبهاني أبو المعالي كهلان بن
عمر بن نبهان الهدايا مع ملك اليمن المظفر شمس الدين أزدمر، أما العلاقة بين عمان ومملكة هرمز فقد شهدت اضطرابًا حيث غزا الْهَرامِزَةُ عمان أكثر من مرة؛ منها غزو الملك توران شاه.

القوى الاقليمية في العصر النبهاني

أما علاقة عمان بشرق إفريقيا في عصر النباهنة فقد شهدت تطورًا كبيرًا، حيث هاجر الملك النبهاني سليمان بن نبهان بن مظفر إلى جزيرة باتي (الشكل ٣)، ثم تزوج من ابنة زعيم هذه الجزيرة فأنجبت له ابنًا أسماه محمدًا بدأ به حكم النباهنة لهذه الجزيرة واستمر الحكم في أبنائه من بعده، وظلت العلاقات بين عُمان وشرقي إفريقيا قائمة حتى عصرنا الحالي، وظلت آثارهم شاهدة على ذلك (الشكل ٤).

موقع جزيرة باتي
من اثار عصر النباهنة بجزيرة باتي كينيا حاليا

ما هي مملكة هرمز:

قامت في جزيرة هُرْمُز بالقرب من الساحل الفارسي، وبلغت أوج ازدهارها في الفترة ما بين القرنين العاشر والثاني عشر
الْميلادئَّيْنِ، حيث تمكنت من بسط نفوذها السياسي على أجزاء واسعة من سواحل الخليج العربي وساحل عُمان، ويرى بعض
المؤرخين أن مؤسس هذه المملكة هو ملك عُمانيٌّ يُسمّى محمد، استقر في هرمز وضرب العملة باسمه.

شخصية تاريخية عُمانية

الملك النبهاني محمد بن أحمد النبهائي:
حاكم باتي، كان رجلاً كريمًا حَسَنَ التصرف لُقِّبَ بالعظيم، وتوسَّع في مملكته، فَضَمَّ العديد من الجزر القريبة من باتي.

مظاهر حضارية

برزت مظاهر حضارية كثيرة في العصر النبهاني شملت مجالات متعددة منها:

المجال الاجتماعي

زار ابن بطوطة عُمان في عصر النباهنة، وأشاد بالكثير من القيم والعادات الحميدة التي تميّز بها المجتمع العُماني مثل: تواضع الملك واستقباله لأفراد المجتمع دون تمييز، وكرم أهل عُمان الذين يجلبون الطعام إلى صحن المسجد فيأكل منه الجميع، وكذلك مصافحة العُمانيين بعضهم بعضًا بعد صلاتي الفجر والعصر.

وصف ابن بطوطة عند زيارته لظفار بعض العادات والقيم التي تميّز بها المجتمع العُماني، فذكر:
أنه من عاداتهم إذا وصل مركب من الهند أو غيرها، خرج أهل ظفار فاستقبلوهم وقدَّموا لهم الكسوة، ثم بعثوا لهم الضيافة لمدة ثلاثة أيام، وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان، كما وصفهم بأنهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبة للغرباء.

المجال العمراني

اتخذ ملوك النباهنة بعض المدن مراكز حَضاريَّةً لهم فاهتموا بتطويرها وعمرانها، ومن أبرزها نزوى وبُهلا في العصر النبهاني الأول ومِقِنْيَات في العصر النبهاني الثاني، كما حرص النباهنة على بناء الاستحكامات الحربية، فقد بنوا عددًا من القلاع والحصون؛ من أبرزها حصن الأَسْوَد في مِقِنْبَات (الشكل ٥).

حصن الاسود:

يقع في مِقِنْيَات بولاية عبري، ويرجع تاريخ بنائه إلى العام (٩٧٢هـ)، وهو حصن منيع مرتفع يضم أربعة أبراج.

المجال الإداري

تطور النظام الإداري في عُمان في عصر النباهنة؛ وذلك بفضل جهود الحكّام والعلماء، ومن نماذج التطور الإداري تنظيم المحكمة التي تتکوَّن من رئيس القضاة، وقاض وكاتب الحكم ووكلاء عن المُدَّعِي والمُدَعَى عليه.

المجال العلمي

اهتمَّ بعض ملوك النباهنة بالعلم والأدب (الشكل ٧)، فقربوا العلماء وأكرموا الشعراء مثل: الملك محمد بن عمر بن نبهان، كما تميز بعض ملوك النباهنة بسعة العلم مثل: نبهان بن أبي المعالي الذي كان عالمًا وأديبًا، بالإضافة إلى ذلك فقد اشتهر بعض ملوك النباهنة بمهارتهم في الشعر، مثل: الملك سلیمان بن سليمان.
وبرز في هذا العصر أيضًا البَحّار العُماني المشهور أحمد بن ماجد السعدي، الذي أطبقت شهرته العالم، وقام بتأليف العديد من المؤلفات في علم البحار من بينها: النونية الكبرى، كما ظهرت العديد من الدواوين الشعرية مثل: دیوان الکیذاوي، وقد
بقيت تلك المؤلفات سواءً المخطوط منها أو المطبوع شاهدةً على ذلك العصر.

ديوان الكيذاوي للشاعر موسى بن حسين الحسيني
النونية الكبرى من النتاج الثقافي في عصر النباهنة

المجال الاقتصادي

كانت لعُمان في عصر النباهنة علاقات تجارية مع الهند والصين، وشرق إفريقيا، فقد استورد التُّجّار العُمانيون من الهند التوابل وخشب الساج والأرز، والحرير من الصين، وجلبوا من شرق إفريقيا (الشكل٨) العاج والخشب والعنبر والجلود، وكان
رواج التجارة في موانئ الخليج العربي والموانئ العُمانية دافعًا لطمع البرتغاليين للسيطرة عليها.

جلب الملك النبهاني فلاح بن محسن ثمرة المانجو من الهند وأمر بزراعتها في مقنيات، ومنها انتشرت زراعته في
سائر نواحي عُمان.

خريطة العلاقات التجارية العمانية في عصر النباهنة

الغزو البرتغالي … احتلال ومقاومة
وصل البرتغاليون إلى جزر الحلانيات عام ١٥٠٧م، وسيطروا على العديد من مدن الساحل العُماني، وكلما
مروا على مدينة عاثوا فيها فسادًا من حرق للمنازل وقتل للمدنيين وانتهاك للمقدسات الدينية، ولكنَّ العُمانيين
لم يستكينوا لهذا الغزو الغاشم فقد قاموا بمقاومته بكل ما أوتوا من قوة إلا أنه نظرًا للانقسامات الداخلية في
عُمان وضعف العُدَّة والعتاد فقد انتصر البرتغاليون وسيطروا على بعض المدن الساحلية العُمانية. أثَّر الوجود البرتغالي على النشاط الاقتصادي في عمان، فضعفت التجارة نظرا للسيطرة البرتغالية التَّامة على الموانىء العُمانية، وتحكمهم في السلع الصادرة والواردة.

خريطة الامتداد البرتغالي في المحيط الهندي

وعلى الرغم من الضعف الذي كان يعاني منه العُمانيون إلا أنهم استمروا في الثورات ضد البرتغاليين متى ما سنحت لهم الفرصة، ومن أبرز تلك الثورات ثورة عام ١٥٢١م التي شملت أغلب المدن الساحلية العُمانية، والتي انطلقت شرارتها فجر يوم ٣٠ نوفمبر من ذلك العام حيث تمكن الثوّار من توجيه ضربة موجعة للبرتغاليين إلا أنهم لم يتمكنوا من إنهاء الوجود البرتغالي في عُمان. واستمر هذا الغزو على السواحل العُمانية حتى انتهاء عصر النباهنة وقيام دولة اليعاربة عام ١٦٢٤م.

الفونسودي البوكيرك
من أشهر قادة الحملات البرتغالية إلى المشرق، برز كمبعوث قوي في ترسيخ سلطة البرتغاليين في إفريقيا وآسيا ، ونتيجة لنجاحه في السيطرة على أجزاء كبيرة من الشرق عُيِّن نائبًا لملك البرتغال في المشرق.

مواضيع مشابهة

نسب قبيلة الجابري في سلطنة عمان

bayanelm

النظام الاساسي في المباديء الاقتصادية لسلطنة عمان

bayanelm

نسب قبيلة السليمي في سلطنة عمان

bayanelm