
خلفية تاريخية عن الدولة الفاطمية:
في القرن الثاني الهجري، بدأ المذهب الإسماعيلي في الانتشار في شمال أفريقيا بعد أن واجه الشيعة العلويون معاناة شديدة من الملاحقات والاضطهاد في المشرق، خاصةً من قبل العباسيين. وقد كان شمال أفريقيا بمثابة الأرض المثالية لتوطين المذهب الإسماعيلي، وذلك بسبب ضعف السلطة العباسية هناك وابتعاد المنطقة عن مركز الحكم في بغداد. كما كان البربر في شمال أفريقيا، الذين لعبوا دورًا مشابهًا للموالي في المشرق، يتبنون أفكارًا شيعية ويشيدون بمزايا آل بيت الرسول محمد، ما ساعد على انتشار الدعوة الشيعية بينهم.
بداية الدعوة الإسماعيلية في شمال أفريقيا:
انتشر المذهب الإسماعيلي في شمال أفريقيا بعد أن قامت الحركة الدعوية بتنظيم نشاطاتها في سرية تامة، وتمركزت في المناطق التي كانت تقطنها قبيلة كتامة البربرية. وكانت البداية العملية لدخول المذهب الإسماعيلي إلى هذه المناطق في منتصف القرن الثاني الهجري (القرن الثامن الميلادي). في تلك الفترة، قام أبو سفيان الحسن بن القاسم وعبد الله بن علي الحلواني بإرسال بعثة دعوية إلى شمال أفريقيا في عام 145 هـ (762م) وفقًا لتوجيهات القيادة في المشرق.
استقر أبو سفيان في “تالة”، وهي منطقة تجارية هامة في شمال تونس المعاصرة، وأقام فيها مسجدًا ودعا إلى مذهب الإسماعيلية، مستقطبًا العديد من سكان المنطقة. وبتأثيره، تحولّت “تالة” إلى مركز ديني شيعي، ما أسهم في نشر التشيع في أنحاء المنطقة المجاورة.
أما الحلواني، فقد توجه إلى بلاد البربر على مشارف أرض قبيلة كتامة، حيث لقي نجاحًا كبيرًا في استقطاب عدد من أفراد القبيلة إلى المذهب الإسماعيلي. دعا هؤلاء السكان إلى التشيع وعبّر عن دعمهم لأئمة آل بيت الرسول محمد. ولعب الحلواني دورًا رئيسيًا في انتشار الدعوة في المناطق الشمالية من إفريقيا، ومنها مدينة “نفطة” التي أصبحت تعرف بـ “الكوفة الصغرى”.
دور أبي عبد الله في تعزيز الدعوة:
تعد مرحلة الداعي أبي عبد الله من أبرز الفترات في تاريخ الدعوة الإسماعيلية. في بداية عام 279 هـ (893م)، تم إرسال أبي عبد الله من القيادة الإسماعيلية في سلميّة (المركز الديني والسياسي للإسماعيلية في المشرق) إلى المغرب، حيث تم استقباله من قبل حجاج كتامة في مكة المكرمة. وبتنظيم هذه اللقاءات، بدأ أبو عبد الله في نشر الدعوة بين قبائل كتامة التي اعتنقت المذهب الإسماعيلي بمساعدة الحلواني وأتباعه.
بعد عودته إلى شمال أفريقيا، بدأ أبو عبد الله في العمل على توسيع نطاق الدعوة الإسماعيلية، حيث أسس قاعدة قوية في قلعة إيكجان قرب قسنطينة. عمل على نشر الأفكار والوعود الدينية الخاصة بالمهدي المنتظر بين البربر، وبهذا تزايدت أعداد المتابعين له.
التحديات السياسية والتوسع:
بينما كانت الدعوة الإسماعيلية تكتسب شعبية بين البربر، بدأ بعض القادة المحليين في شمال أفريقيا في مقاومة انتشار المذهب الإسماعيلي خوفًا من تزايد النفوذ الشيعي الذي قد يؤثر على سلطتهم السياسية. وبالرغم من هذه المعارضة، فإن أبو عبد الله تمكن من إحداث تغييرات هامة في البنية السياسية للمنطقة، ما أسهم في بناء الأسس التي أدت إلى تأسيس الدولة الفاطمية لاحقًا.
كان أبو عبد الله يدرك أن دعوته لا تقتصر على الأبعاد الدينية فقط، بل تطورت لتصبح حركة سياسية تسعى للإطاحة بالحكام السائدين في المنطقة وإقامة دولة ذات طابع شيعي إسماعيلي. وكان تأثيره الديني والسياسي قد بدأ يتجاوز الحدود الدينية الضيقة ليشمل مجالات الحكم والسياسة.
الخلاصة:
تمثل هذه الحقبة من تاريخ المذهب الإسماعيلي في شمال أفريقيا نقطة تحول أساسية في نشر التشيع وتحقيق أهداف الحركة الفاطمية. بتوجهات دينية وسياسية مبتكرة، استطاع الفاطميون أن يؤسسوا إمبراطوريتهم التي امتدت من شمال أفريقيا إلى مصر، لتشكل واحدة من أكبر الإمبراطوريات الإسلامية في التاريخ.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30437