تاريخ

الحضارة الإسلامية في وسط آسيا وجنوبها

الحضارة الإسلامية في وسط آسيا وجنوبها

وسط آسيا

لوسط آسيا مكانة كبيرة في التاريخ الإسلامي؛ فهي مهد علم وموطن علماء، وما زال يشهد لتلك المكانة أسماء المدن التاريخيَّة العظيمة التي غدت منارات إشعاع ثقافي في العالم أجمع، مثل: سمرقند، وبُخاری، وخوارزم، وترمد، وغيرها. وعندما فتح المسلمون تلك المناطق في القرن الأوَّل الهجري أطلقوا عليها “بلاد ما وراء النهر” أي نهر جيحون (آمو داريا حاليا). وإقليم ما وراء النهر يشمل معظم منطقة وسط آسيا (تركستان) ممتدًا من بحر آرال (خوارزم) غربًا إلى الصين شرقًا، ومن خراسان (أفغانستان حاليا) جنوبًا إلى حدود سيبيريا شمالًا. ومن الأجناس التي تسكن هذا الإقليم الجنس التركي مع خليط من العناصر
الفارسية، كما أن هذا الإقليم قبل انتشار الإسلام لم يكن موحد السلطة، بل كان مقسمًا إلى ممالك مستقلة بذاتها تسمى خانات.

١ – انتشار الإسلام في وسط آسيا:

كانت بداية انتشار الإسلام في وسط آسيا في عهد الخليفة ينه، حيث ارتبطت الفتوحات بالقائد الأحنف بن قيس التميمي، ثم القائد العُماني المهلب بن أبي صفرة الأزدي الذي تولى ولاية خراسان، أما الفتوحات الكبرى لهذا الإقليم فكانت في عهد الخليفة الأمويّ الوليد بن عبد الملك، الذي أوعز إلى والي المشرق الإسلامي الحجاج بن يوسف الثقفي بالاتجاه نحو وسط آسيا للقيام بالفتوحات فأرسل القائد قتيبة بن مسلم الباهلي لفتح ذلك الإقليم.

مراحل فتح قتيبة بن مسلم الباهلي لوسط آسيا

فتح طخارستان (٨٧ هـ)

فتح بخارى (٩٠ هـ)

فتح سمرقند وخوارزم (٩٣هـ)

فتح الشاش وفرغانة وكاشغر ثم الصلح مع الصين (٩٦ هـ)

أسباب فتح وسط آسيا:
١- إيصال دعوة الإسلام لشعوب وسط آسیا.
٢- تأمين الحدود الشرقية للدولة الإسلامية.
٣- إزاحة ما كان يعانيه شعوب وسط آسيا ونشر الاستقرار والعدالة بينهم.
وقد نجم عن هذا الفتح النتائج الآتية :
١- أصبح وسط آسيا جزءًا من الدولة الإسلامية، فقد انتشر الإسلام إلى أواسط آسيا وما بعدها.
٢- ازدهرت مدن وسط آسيا، وأصبحت بخارى، وسمرقند، وطشقند، وخوارزم، مراكزًا للثقافة الإسلامیة، وظهر فيها عدد من العلماء المسلمين من أمثال البخاري، والفارابي، والخوارزمي وغيرهم.
٣- مهَّد فتح الإقليم اتصال العالم الإسلامي بأواسط آسيا، وبالجنسين التركي والمغولي اللذين كان لهما تأثير كبير في تصريف شؤون الدولة الإسلامية فيما بعد.
٤- أتاحت فتوحات قتيبة لوسط آسيا الفرصة للاتصال بين الدولة الإسلامية والصين. وقد أخذ الاتصال بين الطرفين أشكالاً سياسية، ودينية، وثقافية، وتجارية.

٢- الدويلات الإسلامية المستقلة في وسط آسيا:

السامانية القرن (٣-٤ هـ)

تنسب هذه الدولة إلى سامان الذي ينتمي إلى أسرة فارسية عریقة، وقد نال أبناء سامان حظوة كبيرة عند الخليفة المأمون،
فولاهم بلاد ما وراء النهر وقد سقطت الدولة السامانية على يد خانات تركستان بمساعدة الدولة الغزنوية في أفغانستان عام
(٣٨٩هـ).

البويهية القرن (٤-٥ هـ)

تعود أصول البويهيين إلى الفرس، سكنوا بلاد الديلم غربي بحر قزوين، وأول من برز منهم أبو شجاع بويه، وفي عام (٣٣٤ هـ)
استنجد الخليفة المستكفي بأحمد بن بويه ليتخلص من سيطرة الأتراك، فدخل بغداد، وسيطر البويهيون على الخلافة العباسية، واستمرت دولة البويهيين حتى عام (٤٤٧هـ).

السلجوقية القرن (٥-٦ هـ)

السلاجقة مجموعة من القبائل التركية، وقد أطلق على هؤلاء الأتراك اسم السلاجقة نسبة إلى زعيمهم سلجوق. وقد
اعتنق السلاجقة الإسلام، ثم عبروا خراسان واستولوا على كل الإقليم، وأعلنوا قيام دولة السلاجقة على يد طغرل بك
عام (٤٢٩ هـ)، كما امتدت دولة السلاجقة نحو بلاد فارس والعراق، واستطاع طغرل بك القضاء على نفوذ البويهيين عام (٤٤٧ هـ).

الخوارزمية القرن (٥-٧ هـ)

هي سلالة تركية حكمت أجزاء كبيرة من وسط آسيا الوسطى، وقد كانوا إقطاعيين تابعين للسلاجقة ثم استقلوا وأصبحوا
حكامًا مستقلين من القرن الخامس الهجري واستمرت دولتهم إلى بدايات القرن السابع الهجري حيث قضت عليهم جحافل المغول.

خريطة من مراحل فتح قتيبة بن مسلم الباهلي إقليم وسط آسيا

مراحل فتح قتيبة بن مسلم الباهلي
إقليم وسط آسيا

٣- نماذج من المراكز الحضارية الإسلامية في وسط آسيا:

شهد إقليم ما وراء النهر في ظل الحكم الإسلامي نهضة علمية زاهرة، بفضل تشجيع السلاطين والأمراء المستقلين ، ونتيجة الازدهار الاقتصادي، فقد قامت مراكز حضارية إسلامية في كثير من مدن إقليم ما وراء النهر، وكانت مساجدها مراکز للدراسة، وطلب العلم، کما کثرت فیها دور الكتب، وحوانيت الورَّاقين. وكان بلاط السلاطين والأمراء مقصدًا للعلماء والمفكرين والأدباء، ومن أبرز المراكز الحضارية الإسلامية في إقليم وسط آسيا:

أ- بخارى:
تقع بخارى حاليًا في جمهورية أوزبكستان وهي كلمة مغولية مشتقة من كلمة: “بخار” التي تعني العلم الكثير، وسمّيت بهذا الاسم لوجود كثير من العلماء فيها، واتسمت بأنها مركز تجاري إذ تقع على طريق الحرير، إضافة لكونها مركزًا للدراسة
والثقافة وعلوم الدين، وتوجد بها آثار إسلامية كثيرة أدرجت ضمن مواقع التراث العالمي.

ب- سمرقند:

تقع حاليًّا في جمهورية أوزبكستان، وكانت عاصمة لإقليم ما وراء النهر وقد أطلق عليها الرحالة العرب اسم (الياقوتة) لما
امتازت به من مناظر خلابة، وقد ظلت منارة العلم والثقافة طوال قرون عديدة، ووصفها ((ابن بطوطة)) قائلاً: ((إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطئ واد يعرف بوادي القصّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها).

جنوب آسيا
تعدُّ منطقة جنوب آسيا من المناطق التي نشأت فيها العديد من الحضارات العالمية، كما كانت معبر طرق التجارة البرية والبحرية، وهذه المنطقة معروفة بثرواتها الطبيعية والثقافية، وقد انتشرت فيها ديانات مختلفة، كالهندوسية والبوذية والزرادشتية، في حين أن الإسلام والنصرانية وصلت إليها في فترات لاحقة.
وتضم منطقة جنوب آسيا عدة أقطار، ويدخل ضمن هذا المصطلح الجغرافي: شبه القارة الهندية (بنجلادیش والهند وباکستان وسیریلانکا، وبوتان، ونيبال، وجزر المالديف).

١ – انتشار الإسلام في منطقة جنوب آسيا :

انتشر الإسلام في جنوب آسیا من خلال:
أ- التجارة :
وصل الإسلام إلى الهند في القرن الهجري الأول، عن طريق التجار العُمانيين وغيرهم من العرب، فمن خلال قيم الإسلام السمحة دخلت في دين الإسلام أعداد كبيرة من سكان السواحل الهندية وانتشر الإسلام من الساحل إلى الداخل في هضبة الدكن، واستقر الكثير من التجار العُمانيين في بعض المدن الهندية فتكونت بذلك جاليات عُمانية في مناطق مختلفة من الهند، ومن أبرز تلك السلع التي كان التجار العُمانيون يتاجرون بها: التمر واللبان، ويستوردون التوابل والأحجار الكريمة وغيرها من بلاد الهند.

ب- الفتوحات:
أمّا الجهة الشمالية من منطقة جنوب آسيا فقد دخلها الإسلام عن طريق الفتح، وكانت أولى تلك الحملات بقيادة محمد بن القاسم الثقفي سنة (٩٢ هـ)، وشملت الفتوح إقليم السند والبنجاب، إذ قامت دول إسلامية في حوض السند والبلاد المفتوحة، فكان عمال تلك الدول خاضعين لسلطان الخليفة، فلما ضعفت شوكة الخلافة العباسية في عصرها الثاني، ظهرت بعض الإمارات الإسلامية كالمنصورة والملتان في إقليم السند، حتى بدأت الحملات الغَزْنَوِيَّة على الهند عام (٣٩٢هـ)؛ فتَكَوَّنت هناك عدَّة دُول إسلامية أسهمت في نشر الإسلام بتلك المناطق من جنوب آسيا.

٢- الدويلات الإسلامية المستقلة في جنوب آسيا

الغزنوية القرن (٤-٦ هـ)

أسسها ناصر الدين سبكتكين في مدينة غزنة بأفغانستان حاليا، وقد كان لهذه الدولة إنجازات عظيمة؛ فقد امتدَّت فتوحاتها إلى شبه القارة الهندية، ويعد محمود الغزنوي أعظم ملوكها إذ استطاع فتح مناطق عديدة في جنوب آسيا.

المغولية القرن (٦ -٩ هـ)

هي إمبراطورية إسلامية تعود أصول حكامها لسلالة مغولية حكمت أجزاء كبيرة من شبه القارة الهندية، وقد أسسها ظهير الدين بابر، واستمرت حوالي ٣٣٢ سنة.

٣- نماذج من الآثار الحضارية الإسلامية في جنوب آسيا (الهند نموذجا):
للحضارة الإسلامية في الهند وغيرها من مناطق جنوب آسيا آثار عمرانية عظيمة؛ ففي جنوب آسيا توجد مساجد ضخمة
تمثل أفضل ما حققته البدائع المعمارية الفنية؛ فأصبحت شاهدًا على التراث الثقافي الإسلامي فيها وجمال الفن الهندي –
الإسلامي المشترك، وقد ارتبطت الآثار الإسلامية وبخاصة في الأرجاء الشمالية والشرقية من الهند بالإمبراطورية المغولية بعد اعتناقها للإسلام. وتبقى المساجد والآثار الإسلامية في الهند شاهدًا على حضارة قديمة وعريقة أصبح معظم مبانيها إرثًا تاريخيًّا، فبقيت صامدة رغم الظروف والتقلبات الدينية التي واجهتها الهند، كما أثرت الهند الإسلامية الحضارة الإسلامية والإنسانية بمنجزات فكرية وعلمية وثقافية ولا زالت إلى اليوم تنجب العلماء.

ومن أبرز تلك الآثار:

(جامع مسجد) في العاصمة نيودلهي، شيده الإمبراطور المغولي شاه جيهان، ويعدُّ أحد أكبر المساجد في الهند، وقد استغرق بناؤه ستة أعوام، وانتهى في عام (١٦٤٤ م).

مسجد (تومب): الذي شيد في القرن السادس عشر أثناء حكم الامبراطورية المغولية.

منارة (قطب منار): تعود إلى عصر الإمبراطورية المغولية.

مسجد (تشار منار): يوجد بمدينة حيدر آباد، وهو من الرموز المهمة للحضارة الإسلامية بالهند، وكلمة (تشار) تعني الرقم أربعة باللغة الأوردية، وأعطيت هذه التسمية لأن للمسجد أربع منارات.

تاج محل: أحد روائع فن العمارة الإسلامية في الهند، ويقع في مدينة أجرا، شيده الملك شاه جيهان الامبراطور المغولي (١٦٣٠ – ١٦٤٨م).

هل تعلم

تركستان: تنقسم إلى قسمين:

تركستان الغربية: (إقليم ما وراء النهر)، وتشمل اليوم بعضًا من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة كأوزبكستان
وتركمانستان وكازاخستان وقيرقيزستان وطاجكستان.

تركستان الشرقية: تقع حاليا في الصين.

شخصيّة تاريخية:

المهلب بن أبي صفرة الأزدي

المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني (٨٢ هـ – ٧٠٢م): قائد وسياسي ووالٍ، كان فارساً شجاعا، برز في مجال الحرب
والقتال، واشتهر بالحنكة والسياسة، شارك في فتح بلاد ما وراء النهر، وتحرير البصرة منِ الأزارقة الخوارج حتى سُمِّيت
ببصرة المهلب.

محمد بن إسماعيل البخاري

محمد بن إسماعيل البخاري: ولد سنة (١٩٤هـ) ببخارى، وتوفي فيها سنة (٢٥٦هـ). توجه إلى طلب العلم منذ نعومة أظفاره، وبدت عليه علامات الذكاء والبراعة منذ حداثته؛ فقد حفظ القرآن وهو صبي، ورحل في طلب الحديث إلى الأمصار المختلفة، ومن أشهر كتبه صحيح البخاري.

أبو الحسن الندوي

أبو الحسن الندوي مفكر وداعية إسلامي (١٣٣٣ – ١٤٢٠ هـ / ١٩١٤-١٩٩٩م)، من أشهر العلماء المسلمين في الهند، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات ولأبي الحسن الندوي مؤلفات كثيرة، ترجم عدد منها إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها؛ فقد كان كاتبًا غزير الإنتاج، صاحب منهج متميّز بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيَّة والأرديَّة والإنجليزيَّة والفارسيَّة، وسعة اطّلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميَّة،
ومن أشهر مؤلفاته كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين».

ما هي حوانيت الوراقين:

حَوَانيت الوَرَّاقين: هي دكاكين بيع الكتب، وقد فتحت هذه الدكاكين في الأصل لأغراض تجارية، ثم غدت مسرحًا للثقافة والحوار العلمي، وظهرت هذه الدكاكين منذ مطلع الدولة العباسية.

ما هي اللغة الاردية؟

اللغة الأَرْدِيَّة: هي مزيج بين اللغات العربية والفارسية واللهجات الهندية.

مواضيع مشابهة

ماليزيا والعلاقات العمانية

bayanelm

شخصيات عمانية في عهد الرسول محمد

bayanelm

انجازات الاوائل طريق المستقبل

bayanelm