إجناتس جولد تسيهر: رائد الدراسات الإسلامية المتأثر بيهوديته

إجناتس جولد تسيهر: رائد الدراسات الإسلامية المتأثر بيهوديته

إجناتس جولد تسيهر (بالهنغارية: Ignác Goldziher) (1266 هـ / 1850م – 1340 هـ / 1921م) هو أحد أبرز المستشرقين اليهود الذين اهتموا بالدراسات الإسلامية على نطاق واسع. وهو يُعدّ من الشخصيات التي كان لها تأثير كبير في الدراسات الأكاديمية للإسلام في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. كانت أعماله محورية في تطوير مجال الدراسات الإسلامية في أوروبا، ورغم أن جولد تسيهر كان باحثًا في مجال الأدب الشرقي والدراسات الإسلامية، فإن أعماله تأثرت بشكل كبير بيهوديته، مما جعل بعض مؤلفاته محل انتقاد من قبل البعض. كان جولد تسيهر أحد المفكرين الذين عملوا على التشكك في بعض الثوابت الإسلامية التقليدية، ولا سيما في مجال الحديث النبوي والسيرة النبوية.

نشأته وتعليمه:

وُلِد إجناتس جولد تسيهر في بودابست بالمجر في عام 1850م. درس في عدة جامعات أوروبية مرموقة، ومنها جامعة بودابست، جامعة برلين، وجامعة لايدن في هولندا. بدأ جولد تسيهر دراسته تحت رعاية ودعم حكومي في المجر، حيث كان يدعمه وزير الثقافة المجري. كانت سنوات تعليمه تشهد على التطور الكبير في مجال الدراسات الشرقية، وهو ما جعل جولد تسيهر واحدًا من أبرز مفكري زمانه.

أثناء دراسته، بدأ جولد تسيهر يتأثر بالاتجاهات الأكاديمية السائدة في أوروبا في ذلك الوقت، وكان اهتمامه الرئيس يتركز على الدين الإسلامي وتاريخه، خصوصًا في مجال الحديث النبوي والفقه الإسلامي. تلقى جولد تسيهر دعماً أكاديمياً حكوميًا لتطوير أبحاثه، حيث كانت الحكومة المجرية تدعمه في إتمام مشاريعه، مما ساعده على السعي لاستكشاف العالم الإسلامي عن كثب.

رحلاته الدراسية:

في عام 1873، بدأ جولد تسيهر رحلته إلى الشرق الأوسط، بدعم من الحكومة المجرية، التي موّلت سفره إلى سوريا وفلسطين ومصر. في هذه الرحلة، استغل جولد تسيهر فرصة وجوده في القاهرة ليحضر محاضرات مشايخ المسلمين في جامع الأزهر، الذي كان مركزًا مهمًا للتعلم الديني في العالم الإسلامي. هذه الرحلة كانت بداية علاقة جولد تسيهر العميقة مع الإسلام وعالمه الأكاديمي.

خلال هذه الرحلة، كان جولد تسيهر يسعى لجمع المعلومات عن الشريعة الإسلامية، والحديث النبوي، وكذلك فقه وأصول الدين الإسلامي، وهو ما جعل أبحاثه محورًا للدراسات الغربية حول الإسلام في تلك الفترة. وقد منحه هذا السياق الثري من المواد والبيئة الأكاديمية فرصة للاطلاع على النصوص الإسلامية وتفسيراتها المختلفة.

إسهاماته في الدراسات الإسلامية:

في عام 1894م، أصبح إجناتس جولد تسيهر أول يهودي في العالم يتولى منصب أستاذ في جامعة بودابست. كانت هذه خطوة تاريخية في حياته وحياة دراسات الإسلام في أوروبا، حيث لم يكن من المعتاد في تلك الفترة أن يتولى يهودي تدريس الدراسات الإسلامية في جامعة عريقة.

فيما يتعلق بأبحاثه، يعتبر جولد تسيهر واحدًا من أهم المفكرين الذين ركزوا على نقد الحديث النبوي الشريف، حيث أصبح يُعدّ من بين أبرز مؤسسي الدراسات النقدية للحديث في أوروبا. كتب جولد تسيهر عدة كتب وأبحاث كان لها تأثير كبير على الاستشراق الأوروبي، ومنها كتابه الشهير “العقيدة والشريعة في الإسلام”، الذي تناوله العديد من العلماء والمفكرين بعد ترجمته إلى العربية. لكن، لم تخلُ أعمال جولد تسيهر من الجدل، حيث كان يعارض العديد من المعتقدات الإسلامية التقليدية ويشكك في مصداقية بعض الأحاديث النبوية.

بالإضافة إلى ذلك، كان جولد تسيهر عضواً في العديد من الجمعيات العلمية الأوروبية، وكان يشارك بانتظام في المؤتمرات الدولية الخاصة بالمستشرقين. في عام 1889م، حصل جولد تسيهر على وسام الذهبية الكبيرة في مؤتمر المستشرقين في ستوكهولم، وهو ما يعكس مكانته البارزة في الأوساط الأكاديمية الدولية. ومن خلال ذلك، أصبح جولد تسيهر شخصية مؤثرة في الدراسات الاستشراقية الأوروبية.

نقده للحديث النبوي والسيرة النبوية:

أحد أبرز جوانب أعمال إجناتس جولد تسيهر هو محاولته “نسف” السيرة النبوية عبر نقده الشديد للحديث النبوي. اعتبر جولد تسيهر أن الحديث النبوي يفتقر إلى الدقة التاريخية وكان غالبًا مشوبًا بالتحريف والتلاعب، ما دفعه للشكك في صحة العديد من الأحاديث التي تعتبرها المصادر الإسلامية الأساسية.

كما كان جولد تسيهر من أول المستشرقين الذين حاولوا التشكيك في صحة الحديث النبوي بشكل أكاديمي، وعمد إلى تقديم العديد من المؤلفات التي شككت في قيمة الأحاديث التي وردت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كتب جولد تسيهر عددًا من الدراسات التي استعرض فيها تطور الحديث النبوي والاختلافات بين المدارس الفقهية الإسلامية المختلفة، وأشار إلى الصعوبات التي يواجهها الباحثون في تحديد مدى صحة الأحاديث النبوية.

كتبه وأثرها:

من بين أبرز أعمال إجناتس جولد تسيهر:

  1. “العقيدة والشريعة في الإسلام”: وهو كتاب تناول فيه أصول العقيدة الإسلامية، وناقش فيه العديد من المسائل الفقهية، لكن نقده للأسس الدينية في الإسلام أثار الكثير من الجدل بين المفكرين المسلمين.
  2. “الحديث في الإسلام” (1909م): كتاب مكرس لتحليل الحديث النبوي من منظور نقدي أكاديمي، حيث حاول جولد تسيهر دراسة مصادر الحديث وأصله والتطورات التي طرأت عليه بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
  3. “مذاهب التفسير الإسلامي” (1910م): حيث عرض فيه للنظريات الفقهية والتفسيرية التي قام بها علماء الإسلام في مختلف العصور.
  4. “المعتزلة والمترادفات العربية” (1918م): أبحاث عن المذاهب الفكرية الإسلامية وتطورها عبر العصور.

على الرغم من غزارة إنتاج جولد تسيهر العلمي، فإن العديد من مفاهيمه واجهت انتقادات لاذعة من قبل العلماء المسلمين الذين اعتبروا أن بعض أفكار جولد تسيهر تحمل أبعادًا تحريفية، وتستهدف إضعاف الثقة في السنة النبوية.

تأثيره على الاستشراق:

لقد ترك إجناتس جولد تسيهر بصمات عميقة في مجال الاستشراق، وخصوصًا في دراسات الحديث النبوي. كان له تأثير كبير على مجموعة من المستشرقين الذين تابعوا منهجه في دراسة الإسلام. على الرغم من أن بعض فئات المستشرقين قد ابتعدوا عن بعض آراء جولد تسيهر المتطرفة، إلا أن أسلوبه النقدي كان له تأثير طويل المدى على أبحاثهم. في الوقت نفسه، فإن فئة قليلة من العلماء المسلمين انتقدت بشدة عمله، معتبرة أن محاولاته كانت غير علمية، وأهدافها أكثر سياسية ودينية منها أكاديمية بحتة.

استنتاج:

إجناتس جولد تسيهر هو واحد من أكبر المفكرين في مجال الاستشراق، وقد قدّم العديد من المساهمات الأكاديمية المهمة في فهم الإسلام والحديث النبوي. لكن، على الرغم من أهميته العلمية، فإن أعماله تواجه العديد من الانتقادات من مختلف الأطراف، سواء من المسلمين الذين يرون فيها هجومًا على التراث الديني الإسلامي، أو من المفكرين الذين يعتقدون أن جولد تسيهر قد استغل خلفيته اليهودية للتأثير على تفسيره للإسلام. وعلى الرغم من ذلك، تظل إسهاماته محورية في تاريخ الدراسات الإسلامية، وله تأثير لا يزال قائماً في مجال الاستشراق المعاصر.

Visited 12 times, 1 visit(s) today

الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30539

Related Post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *