نشأة المذهب الاباضي وتطوره
بعد مقتل الإمام عبدالله بن وهب الراسبي في معركة النهروان تولى الإمام أبو بلال مرداس بن حدير التميمي قيادة المحكّمة ، ولم يكن مرتاحاً لما حدث بين المسلمين من خلاف وفتنة ، فكان يرى أن القتال بين أتباع العقيدة الإسلامية السمحة أمر غير مقبول ، لذلك آثر الانسحاب مع جماعته إلى مدينة البصرة ، حيث أقام هناك مع أبناء عمومته من قبيلة تميم .
وفي مدينة البصرة قام أبو بلال بنشر آرائه ومبادئه التي تدعو إلى التسامح وحقن الدماء ودرء الفتن ، فأنكر قتل المخالفين ، ودعا أتباعه أن لا يقاتلوا أحدا ، فانضم إليه عدد کبير منهم ، حتى أصبح لجماعة المحگمة شأن كبیر في البصرة، ولكن عبيد الله بن زياد، والي العراق ، تمكن من ملاحقة أبي بلال وقتله بالأهواز عام (٦١هـ).
وفي عام (٦٤هـ ) حدث انقسام نهائي في صفوف المحكمة ، فقد مال فريق منهم إلى التطرف، ومال الفريق الآخر إلى الاعتدال، وهم من أطلق عليهم جماعة القَعَدة ، الذين آثروا القعود وعدم إشهار السلاح إلا في وجه المعتدين، مع عدم تخليهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن جماعة القَعدة ظهرت الأباضية التي أصبح لها شأن كبير في التاريخ الإسلامي.
يعدّ الإمام جابر بن زيد المؤسس الحقيقي للمذهب الأباضي وإليه يرجع الفضل في نشأته وتكوينه. إلا أنه نسب إلى عبدالله بن أباض التميمي ، الذي كان الناطق العلني للمذهب ، وقد كانت له العديد من المراسلات مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حول المذهب الأباضي ومبادئه وآرائه ومعتقداته .
الامام جابر بن زيد
الإمام جابر بن زيد هو أبو الشعثاء الجوفي البصري ، من قبيلة اليحمد الأزدية في عمان ، ولد في فَزق إحدى قرى ولاية نزوى بعمان ، وقد تعددت الروايات في تحديد سنة ولادته ، لكن جميعها محصور بين عامي (١٨هـ) و(٢٢هـ).
تلقى علومه في البصرة على يد الكثير من الصحابة والتابعين لاسيما عائشة أم المؤمنين. وكانت وفاته ام (٩٣هـ).
تطور المذهب الأباضي
بعد وفاة الإمام أبي بلال اتفق الأباضية على أن يتولى الإمام جابر بن زيد رئاسة دعوتهم في المراحل الأولى لتطور المذهب في البصرة . وقد قام الإمام جابر بدور كبير في إثراء المذهب ، وذلك من خلال حث اتباعه على المشاركة في الحياة الاجتماعية والنهي عن قتال الناس. كما عمل على نشر المذهب في أمصار عدة حيث لم يقتصر على البصرة بل انتشر في كلِّ من عمان
وحضرموت والیمن.
وبعد وفاة الإمام جابر تولى الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة مسؤولية المذهب الأباضي، وعاش المذهب الأباضي في
عهده فترة من العلاقات السلمية تطورت دينيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، فعمل على إلقاء الدروس الدينية لتوعية الناس بأمور مذهبهم ، وكون مدرسة علمية شكل تلاميذها نواة المذهب في الأمصار التي قدموا منها، وقد عرف هؤلاء التلاميذ بِحَمَلَةِ العلم .
وفي مطلع القرن الثاني الهجري عمل الإمام أبو عبيدة على تقوية المذهب وتوسيع انتشاره ، وقد ارتكزت أعماله على الآتي :
١- استغلال مواسم الحج وسيلة لنشر مبادئ المذهب.
٢- الإفادة من التجار في نشر المذهب في مناطق متعددة من الأمصار الإسلامية .
٣- الحث على المودة والإخاء بين اتباع المذهب، والطلب من الأغنياء مساعدة الفقراء .
٤- التواصل مع أتباع المذهب في الأمصار الأخرى .
٥- أنشأ بيت مال خاصٍّ بأتباع المذهب في البصرة .
الامام ابو عبيدة:
الإمام أبو عبيدة : هو الإمام مسلم بن أبي كريمة التميمي ، ولد عام ٤٥هـ، وأخذ العلم عن شيوخ عدة منهم جابر بن زيد،
وصحار بن العباس العبدي، وجعفر بن السماك، أصبح مرجع المذهب الأباضي بعد موت الإمام جابر، عاش فقيرًا
وعمل بصناعة القفاف، وَعُمِّرَ طويلاً، وتوفي عام ١٤٥هـ.