جغرافيا

تطور الجغرافيا والخرائط

تطور الجغرافيا والخرائط

ارتبطت الجغرافيا بالإنسان منذ وجوده على سطح الأرض واهتمامه بملاحظة وتأمل ما حوله من أشياء وظواهر في بيئته التي يعيش فيها، وساعد تنقله من مكان لآخر للبحث عن حاجاته إلى كشف كثير من المعلومات والحقائق عن عالمه. وابتكر الإنسان على مر العصور الوسائلَ والتقنيات لتدوين ملاحظاته واستنتاجاته التي تعينه على اكتشاف المزيد من الأماكن والبيئات وحل المشكلات التي تواجهه. وقد أسهمت العديد من الشعوب والحضارات في تطوير الجغرافيا حتى أصبح
علما له قواعده ووسائله الخاصة التي تميزه من غيره من العلوم.

مفهوم علمي الجغرافيا والخرائط

الجغرافيا (Geography) كلمة من أصل إغريقي تتكون من مقطعين هما (Geo) بمعنى (الأرض)، و(Graphy) بمعنى (وصف)، فالمعنى اللغوي لكلمة جغرافيا هو «عِلم وصَف الأرض»، وأول من استخدم هذا المصطلح هو العالم الإغريقي إيراتوستينس (Eratosthenes)، عام ٢٤٠ ق.م، في كتاب ألفه بعنوان «الجغرافيا»، أما الاسم العربي القديم لعلم الجغرافيا فهو «علم تقويم البلدان».

إيراتوستينس (Eratosthenes)

ويختلف الجغرافيون في تعريف الجغرافيا بسبب تعدد مجالات اهتمام هذا العلم، إضافة إلى ما شهدته المعرفة الجغرافية من تطور سريع عبر العصور، فالجغرافيا ليست مجرد معرفة أسماء الأماكن ووصف سطح الأرض، وإنما لها اهتمامات كثيرة منها:
١- دراسة التفاعل بين الإنسان والبيئة.
٢- دراسة الاختلافات المكانية على سطح الأرض.
٣- توزيع الظواهر الطبيعية والبشرية ودراسة العلاقات القائمة بينها.
٤- جمع البيانات وإنتاج الخرائط.
٥- حل المشكلات المكانية والتخطيطية.
وإجمالاً يُعَرُّف علم الجغرافيا بأنه: علم يهتم بوصف وتحليل وتفسير التوزيعات والتباينات المكانية للظواهر الطبيعية والبشرية للأرض .
وتقسم الجغرافيا إلى فرعين رئيسيين هما: الجغرافيا الطبيعية (Physical Geography) والجغرافيا البشرية (Human Geography)، ومع تطور المعرفة الإنسانية تفرع علم الجغرافيا إلى فروع متعددة يهتم كل منها بخدمة الإنسان في مشاريعه المختلفة.

ويُعَدُّ علم الخرائط (Cartography) أحد فروع الجغرافيا الذي تعود بداياته إلى فترات تاريخية قديمة، فبعض الشعوب البدائية كانوا يخطون على الرمال أو ينقشون على قطع من الجلد رسوما مبسطة توضح الطرق والاتجاهات التي كانوا يسلكونها، ويعرف علم الخرائط بأنه: علم وفن يهتم بعمليات رسم الخرائط وصناعتها.

تطور علمي الجغرافيا والخرائط
مَرَّ علم الجغرافيا بمراحل أسهمت في تشكيل فلسفته وبنيته التي ميزته من غيره من العلوم، وفيما يأتي نستعرض إسهامات بعض الشعوب والحضارات في تطور هذا العلم، مع توضيح ملامح من تطور علم الخرائط:

البابليون
أسهم البابليون في ميادين المعرفة الجغرافية، إذ تمكّنوا من تسجيل بعض الظواهر الفلكية، مثل ظاهرتي: الخسوف والكسوف، وحاولوا تفسير تعاقب الفصول، ووضعوا تقويما سنويا قمریا.
وقد صاحب هذا الاهتمامَ رَسْمُ الخرائط ، إذ يُعَدُّ البابليون من أوائل الشعوب الذين قاموا برسم خرائط تفصيلية لسهل العراق خلال الألف الرابع ق.م، واشتملت خرائطهم على مسح الأراضي بغرض تقدير الضرائب على الأراضي الزراعية بشكل دقيق، وكانوا ينقشون الخرائط على لوحات من الصلصال المحروق مستفيدين من مادة الطين المترسب على ضفاف نهري دجلة والفرات، كما في الشكل.

أقدم خريطة للأرض كما تصورها البابليون منقوشة على الطين

المصريون القدماء

أسهم المصريون القدماء في كثير من نواحي المعرفة، ولا سيما ما يتصل بالجغرافيا والخرائط، وتتمثل مجالات
المعرفة الجغرافية عندهم في ملاحظة الظواهر الفلكية ومحاولة تفسيرها واستخدامها في التقويم لمتابعة مواسم
فيضان نهر النيل، وأسهمت رحلاتهم الداخلية والخارجية في تطوير معرفتهم بالمناطق والأقاليم المجاورة.
ورسم المصريون القدماء خرائط للأراضي الزراعية مُوَضَّحين عليها المساحة التفصيلية بغرض تقدير الضرائب، معتمدين على إتقانهم للعلوم الرياضية والمساحية، وكانوا يرسمون الخرائط على ورق البردي ، وقد وجدت خرائط مصرية قديمة ترجع إلى عهد رمسيس الثاني (١٣٠٠ ق.م)، تبين مواقع الأعمدة التي تحدد مساحة الأحواض الزراعية، وأخرى سجلوا عليها معاركهم، وبينوا عليها أسماء البلدان التي زاروها.

خريطة رسمت على ورق البردي زمن الفراعنة

الإغريق

نال الإغريق شهرة كبيرة بسبب مكانتهم العلمية ومنزلتهم الحضارية، وقد ساعدهم في ذلك مجموعة من الظروف الجغرافية الطبيعية التي كانت تحيط ببلادهم، ويُعَدُّ الإغريق أول من وضع الأسس والقواعد العلمية للجغرافيا؛ إذ اشتهر مفكروهم وفلاسفتهم بصياغة النظريات والقوانين والقواعد العلمية لتفسير الظواهر المختلفة، مثل: التوزيع العام للمناطق المناخية، وعلاقة المناخ بتوزيع الغطاء النباتي، كما اشتهروا بالدراسات الإقليمية (Regional Studies) للمناطق، من خلال وَصْف ما فيها من ظواهر طبيعية وبشرية، ودراستها دراسة شاملة.

وتمثل الخرائط الإغريقية نقطة البداية الحقيقية في تاريخ علم الخرائط؛ بفضل معرفتهم الفلكية والرياضية، وترجمتها إلى وسائل علمية؛ لتثبيت المواقع الأرضية على الخرائط، من خلال استخدام خطوط الطول ودوائر العرض ومقياس الرسم.
وتميزت خرائطهم بالدقة واشتملت على قارات العالم وأقطاره المعروفة آنذاك، بالإضافة إلى كثير من الظواهر الطبيعية، كالبحار والأنهار والخلجان، والظواهر البشرية كالمدن والقرى، ويوضح الشكل خريطة للعالم رسمها إيراتوستينس.

خريطة للعالم رسمها الاغريقي إيراتوستينس

الرومان

اهتم الرومان بعلم الجغرافيا بسبب التوسع الكبير لحضارتهم برًا وبحرًا، وما تبع ذلك من علاقات تجارية وإرسال الحملات العسكرية، وقاموا بتوظيف خبراتهم ومهاراتهم الفنية في رسم الخرائط، ومن أهم المصادر في دراسة الخرائط الرومانية تلك التي تنسب إلى بطليموس (Ptolemaeus) في كتابه (المرشد إلى الجغرافيا) إذ تناول قواعد رسم الخريطة، ونظام المساقط، كما ىسم خريطة للعالم، وضع فيها شبكة من خطوط الطول ودوائر العرض، ويوضح الشكل خريطة العالم لبطليموس (مُعَرَّبة).

خريطة العالم لبطليموس (مُعَرَّبة)

المسلمون

ساعد ظهور الإسلام على ازدهار سائر أنواع المعرفة ومن بينها الجغرافيا، حيث كانت الجغرافيا في العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى علمًا مزدهرًا مثل العلوم الأخرى. وقد ساهم عدد من العوامل في تطوى الجغرافيا والخرائط عند المسلمين أهمها:
١- ارتباط كثير من العبادات في الإسلام بتحديد الوقت والاتجاهات، مثل: الصلاة والصوم والحج؛ مما دفع المسلمين إلى ابتكار وتحسين الوسائل والأجهزة المتنوعة اللازمة لذلك.
٢- حركة الفتوح الإسلامية، وما لَزِمَها من إنشاء جهاز للبريد، ومَدَّ شبكة الطرق والمواصلات، وظهرت العديد من الكتب التي تناولت مواضيع المسالك والممالك، مثل: كتب ابن خرداذبة والإصطخري وابن حوقل وغيرهم.
٣- اتساع مساحة الدولة الإسلامية، مما استدعى وجود علم يساعد على جَمْع البيانات عن البلدان الجديدة من أجل إدارتها وحکمها.
٤- ازدهار النشاط التجاري، إذ ساعد على إثراء المعرفة الجغرافية من خلال جمع معلومات عن الطرق، والمدن التجارية الرئيسية، والأنشطة البشرية والاقتصادية للبلدان المختلفة.
٥- تعريب العلوم نتيجة اتصال المسلمين بالفكر الإغريقي والهندي والفارسي، ودراستهم لهذا الفکر.

وقد ساهم الجغرافيون المسلمون، أمثال: الإدريسي والمسعودي وابن حوقل مساهمة فعالة في تطوير علم الخرائط، وذلك باستخدام الدراسة الميدانية والاهتمام بالدراسة الإقليمية وتطوير علم القياس اللازم لإنتاج الخرائط، واستطاعوا بذلك تصحيح المعلومات التي كانت واردة في الخرائط الإغريقية والرومانية، وتعتبر الخرائط الإسلامية آنذاك من أدق الخرائط التي ظهرت لتحديد العالم المعروف في ذلك الوقت، كما تميزت بعض الخرائط الإسلامية باستخدام الألوان، واعتمدت بعضها على استخدام الخطوط والأشكال الهندسية، ويوضح الشكل إحدى الخرائط التي رسمها الجغرافيون المسلمون.

خريطة العالم التي رسمها الادريسي

الأوروبيون

استفاد الأوروبيون من الفكر الإسلامي مما ساعد على تغيّر الأفكار السائدة عن بعض مناطق العالم، وبدأت أوروبا في تطوير فكرها الجغرافي بالاعتماد على علماء الجغرافيا والملاحين المعروفين، مثل:
ماجلان وكرستوفر كولمبس، الذين أسهموا في تقدم الفكر الجغرافي بعد القرن الخامس عشر الميلادي.
وأصبحت أوروبا بعد ذلك رائدة في علم الجغرافيا وعلم الخرائط، وتُعَدُّ الكشوف الجغرافية (Geographical Explorations) مرحلة جديدة في تاريخ علم الخرائط حيث أسهمت في رسم خرائط عديدة توضح الأماكن والقارات التي تم اكتشافها، ونظرًا لحاجة الملاحين إلى خرائط دقيقة لتحديد الاتجاهات الصحيحة أثناء الإبحاس برزت الحاجة إلى ابتكار مسقط الخريطة؛ لتحويل السطح المنحني للأرض إلى لوحة مستوية، ويُعَدّ مركيتوى (Mercator) أول من أنتج خريطة ملاحية وفق مسقط يحقق الاتجاه الصحيح سنة ١٥٦٩م .

خريطة مركيتور ١٥٦٩م

الثورة الكمية في الجغرافيا

ظهرت الثورة الكمية في الجغرافيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مع استخدام الأساليب الإحصائية الكمية في الدراسات الجغرافية، وتزامن ذلك مع تطور أجهزة الحاسب الآلي والبرمجيات المتخصصة.

وتطور علم الخرائط تطورا كبيرًا في القرن العشرين، مع قيام الدول بإجراء عمليات حسابية منتظمة لقياس معالم سطح الأرض، وظهور تقنيات التصوير الجوي الذي وَفَّر كَمّاً هائلا من البيانات المكانية في وقت سريع وبتكلفة مناسبة، ومن أهم التقنيات الحديثة التي أسهمت في تطور علم الجغرافيا بشكل عام والخرائط بشكل خاص ما يأتي :

نظام تحديد المواقع العالمي Global Positioning System) GPS):

نظام متكامل يربط بين الأقمار الصناعية وأجهزة الاستقبال الأرضية، ويستخدم لتحديد إحداثيات المواقع على سطح الأرض.

نظم المعلومات الجغرافية Geographical Information Systems) GIS):

أنظمة حاسوبية لجمع البيانات الجغرافية وتخزينها وتحليلها ومعالجتها واسترجاعها وعرضها ، وتتسم بالدقة والسرعة في معالجة البيانات الجغرافية.

الاستشعار عن بعد Remote Sensing) RS):

نظام يساعد على الحصول على بيانات عن الظواهر الجغرافية المختلفة، دون الاتصال المباشر بها.

مواضيع مشابهة

تطبيقات الاستشعار عن بعد

bayanelm

الاستيطان الريفي والحضري

bayanelm

المسح الجوي التصويري

bayanelm