النظم التربوية والاقتصادية في الحضارة الاسلامية
تعدُّ النظم التربوية من الأسس التي تقوم عليها المجتمعات المتحضرة فلا يمكن أن تقوم سواعد المجتمع
على الجهالة والانحطاط، ولا يتأتى ذلك المجد إلا بالعلم والتعلم، ونعني بالنظم التربوية كل ما أنشأه المسلمون
من مؤسسات لنشر العلم، وتعليم أفراد المجتمع العلوم التي كانت شائعة في ذلك الوقت، كما نعني كذلك
الأفكار والنظريات التربوية التي مارسها المسلمون في تربية النشء، أو عرضوها في كتبهم ومؤلفاتهم. ومن
المؤسسات التربوية: الكتاتيب، والمساجد، والمدارس، والجامعات، ودور الكتب.
وسنتناول في هذه المقالة أهم مؤسسات التربية والتعليم الإسلامية، وهي ما يأتي :
1- المساجد :
المسجد هو المؤسسة العلمية الأولى في الإسلام، وهو مركز الإشعاع الثقافي والحضاري الذي امتد لينتشر في الأقاليم التي فتحها المسلمون .
والمسجد النبوي في المدينة المنورة أول نموذج من هذه المؤسسات العلمية الذي وُضِعَتْ فيه اللبنات الأولى للتعليم؛ إذ كان طلاب العلم يتحلّقون حول علماء المدينة يتلقّون عنهم علوم الدين والفقه واللغة.
وساعد المسجد على القيام بمهمته كمعهد للتعليم والتعلم لأنه يُعَدُّ بيت الله، ولكل مسلم الحق في أن ينتفع من فضله، ولقد نهض المسجد بمهامه الكثيرة ، فقد كانت الاجتماعات السياسية تعقد فيه، وتستقبل الوفود فيه، وتحرر العقود والمواثيق والاتفاقات بين جدرانه، ومنه انطلقت الفتوحات؛ فانتشرت مؤثرات الحضارة الإسلامية إلى الآفاق.
وكثرت بعد ذلك المساجد، وأصبح من المألوف أن يقوم مسجد أو أكثر في كل مكان فتحه المسلمون، أو في كل قرية أو مدينة أسسوها، ومن المساجد التي كان لها شهرة واسعة في نشر العلم جامع المنصور في بغداد، والجامع الأموي في دمشق، وجامع الأزهر في القاهرة، وجامع القرويين بفاس، وجامع الزيتونة بتونس.
2- الكتاتيب :
يقصد ب(الكتاتيب) مدارس القرآن الكريم، وهذه المدارس كانت وما زالت في بلادنا عُمان، ولها دور بارز في تعليم القرآن الكريم، ومبادئ الكتابة.
عني الإسلام عناية واضحة بالعلم والتعليم، وشجعهما منذ بدء الرسالة. وبرزت هذه العناية في تعليم المسلمين مبادئ الدين والقراءة والكتابة في أماكن ومؤسسات معينة ومنها الكتاتيب، وقد كثر عدد الكتاتيب بعد ظهور الإسلام؛ للحاجة إليها في تعلم القرآن، وأثر ذلك في تسيير أمور الدولة الجديدة .
وقد قامت الكتاتيب بدور بارز في المدينة المنورة في تعليم الصغار فنون القراءة والكتابة ، ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب أمر باتخاذ كتاتيب في كل حي من أحياء المدينة، وذلك حين كثر عدد أطفال المسلمين، ولم يجدوا من يعلمهم .
3- المدارس:
أنشئت المدارس بعد القرن الرابع الهجري، وكانت في ذلك الوقت تتكون من أبنية مختلفة يجاور بعضها بعضاً، وكان يخصص كل بناء منها لغرض معين من تدريس أو رفاهة أو علاج، كما أقيم في فناء كل مدرسة مسجد للصلاة والوعظ، وکان لکل مدرسة مکتبة في إحدی دورها.
ومن أبرز المدارس في العصور الإسلامية المدرسة النظامية في بغداد، وهي التي بناها الوزير السلجوقي نظام الملك، وكانت بداية إنشائها عام (٤٥٧هـ)، وقد تعددت النظاميات وانتشر بناؤها فوجد في الموصل، والبصرة، وطبرستان، وهراة، وبَلخ، ومرْو، ونیسابور.
وأسس نور الدين محمود الزنكي مدرسة كذلك في بلاد الشام، وأسس الأيوبيون المدارس في مصر، منها المدرسة القمحية، والمدرسة القطبية، والمدرسة السيوفية.
وفي التاریخ العماني تُعَدُّ مدرسة (حصن جبرین) من أقدم المدارس العُمانية المنظّمة؛ إذ جعل الإمام بلعرب بن سلطان لطلبتها مدرسين من العلماء، وهيَّأ فيها مکتبة وسكنًا ومعیشة.
ومن المدارس العمانية التاريخية أيضًا في القرن (٤هـ) مدرسة العلامة أبي سعيد الكدمي في نزوى، ومدرسة العلامة ابن بركة في بهلا، وكانت تضم عددًا كبيراً من طلاب العلم العُمانيين، كما بلغ عدد طلابها من المغرب العربي في فترة من الفترات سبعين طالبًا.
شخصية عمانية:
عائشة بنت راشد الريامية
كانت عائشة بنت راشد الريامية التي عاشت في عصر اليعاربة في أواخر القرن الحادي عشر، وبداية القرن الثاني
عشر للهجرة، من أبرز العالمات العمانيات اللاتي قُمْنَ بالإفتاء وإلقاء الدروس والمشاركة في الحياة السياسية، وقد
اتصفت الشيخة الجليلة بالتقوى والورع والزهد، وحب العلم، وتلقت العلم من العلماء المعاصرين لها.
اضف الى معلوماتك:
تقع المدرسة العادلية في دمشق القديمة، بين بابي الفرج والفراديس، مقابل المكتبة الظاهرية. وتنسب للملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، والد الملوك الأيوبيين وأخ صلاح الدين، ثم أصبحت مقرًّا للمجمع العلمي العربي، وهي اليوم تابعة لمجمع اللغة العربية.
4- الجامعات :
قامت في الحضارة الإسلامية جامعات بالمعنى المعروف في ذلك العصر، فوجدت مؤسسات ثقافية كان بعضها
يجمع بين خصائص المكتبة العامة، والكلية الجامعية، مثل:
دار الحكمة في بغداد، وبعضها يجمع بين الجامع والجامعة كما هو الحال في جامع الأزهر، وجامع القرويين.
وقد انشأ هارون الرشید دار الحکمة لتکون دار کتب عامة، وعيَّن لها الموظفين، وجلب لها الكتب من أنحاء
العالم، فنمت وازدهرت ، واهتم المأمون بدار الحكمة اهتماما بالغا، فجاء بالكتب من الهند ومصر وفارس
واليونان والدولة البيزنطية، وأجزل العطاء للمترجمين والعلماء، وكان في دار الحكمة أماكن للنسخ، وأماكن
أخرى للبحث والدراسة.
لذا تُعَدُّ دار الحكمة أول مكتبة عامة ذات شأن في العالم الاسلامي، بل يمكن القول: إنها أول جمعية علمية أو جامعة إسلامية يجتمع فيها العلماء للبحث والدراسة، ويلجأ إليها الطلاب؛ فكانت بذلك مركزاً علمياً شمل العلوم المختلفة، كالطب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا وغيرها.
هل تعلم:
في عام (٣٧٨هـ/٩٨٨م) سأل الوزير يعقوب ابن كلس الخليفة الفاطمي العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي، وأمر لهم ببناء دار فبنيت بجوار جامع الأزهر، وكانوا يحضرون إليها يوم الجمعة ويتحلقون للدرس بعد الصلاة إلى
أن تقام صلاة العصر، وكان لهم صلة من مال الوزير في كل سنة، وبلغ عدد هؤلاء الرجال ٣٥ رجلا .
ثانياً : النظم الاقتصادية :
جاء الإسلام بنظام اقتصادي معتدل منبثق من منهج الوسطية التي هي مبدأ من مبادئه؛ فهو يعطي للفرد حقوقه الفطرية والشخصية في التملك بطريقة منسجمة مع مصلحة المجتمع، ولا تُخِلُّ بالتوازن الاقتصادي، فالنظام الاقتصادي في الإسلام يُعَدُّ نظامًا ربَّانيًّا يُراعي المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية وفق قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)؛ وبذلك يتحقق الرخاء بين شرائح المجتمع على حد سواء.
نماذج من النظم الاقتصادية في الحضارة الإسلامية:
وضع الرسول نواة النظام الاقتصادي الإسلامي؛ وبذلك تقررت قواعد هذا النظام ورسمت معالمه، فقد حرَّم الإسلام التعاملات المالية المُضرَّة بالاقتصاد، كالرِّبا والاحتكار، وشجَّع على التعاملات المالية التي تنهض بالاقتصاد الإسلامي، كالمرابحة في البيع والشراء؛ لأجل ذلك أنشأ النبي للمسلمين؛ ليكون ميدان تنافس اقتصادي.
كما ارتكز النظام المالي في الحضارة الإسلامية على مصادر رئيسة، هي: الزكاة، والصدقات والغنيمة، والجزية، والفيء.
وفي عصر الخلفاء الراشدين رأى عمر بن الخطاب ضرورة ترك الأرض المفتوحة وعدم تقسيمها بين الجنود الفاتحين؛ خوفا عليهم من الاشتغال بملكية الأرض وزراعتها والاستقرار فيها عن الجندية والجهاد في سبيل الله. وسمح الخليفة عمر بن الخطاب للتجار الذين يفدون من البلدان الأخرى بدخول أرض المسلمين، ولکن مقابل أن يؤخذ منهم العشر.
واهتم الأمويون بأمر الخراج وبناء موارد الدولة الإسلامية لمواجهة الأعباء الجديدة والتطورات التي دخلت على كل نواحي الحياة . كما قاموا باستصلاح الأراضي الزراعية، وتحويل ملكيات الأراضي المفتوحة للدولة، وحرص معاوية بن أبي سفيان على زيادة النفقات بشكل غير معهود من أجل تجنيد الجنود، وتشكيل الأسطول البحري الذي اهتم به بصورة ملحوظة وأنفق عليه بسخاء.
وكانت الدولة الأموية في بداية حكمها تستخدم العملة البيزنطية أو الفارسية، وفي عام (٧٤هـ) سَكَّ عبدالملك بن مروان العملة الإسلامية بدمشق، وهذا الأمر أدى إلى إلغاء كل عملة أخرى، وأعطى للدولة استقلالها الاقتصادي.
واستمر الخراج مصدرًا أساسيًّا في اقتصاد الدولة في هذا العصر، فقد وضع الأمويون نظاما خاصا تمثل في: المحاسبة،
والمقاسمة، والالتزام .
أما (المحاسبة) فهي أن يُجْبَى الخراج وفقا لمساحة الأرض ونوع الغلة، وأما (المقاسمة): فهي أن يُخَصَّص جزء من
المحصول يقدر بالثلث أو الربع لبيت مال المسلمين، وأما (الالتزام) فهو: أن يتعهد رجل من الأثرياء خراج قرية أو
مدينة أو إقليم من الأقاليم لحول كامل، ثم يتولى هو بنفسه جمع الخراج.
واهتم الأمويون بالصناعات؛ فشجعوا صناعة النسيج وصناعة الأسلحة، وسيطروا على الطرق التجارية، وأصبحوا
هم المهيمنين على تجارة الدولة بين المشرق والمغرب ، وقد مارس التجار المسلمون التجارة مع الدولة البيزنطية؛ ولكن
هذه التجارة طالما ضعفت وتوقفت في أحيان أخرى بسبب العداوة بين الدولتين (الأموية والبيزنطية).
وقد بالغ الولاة في جباية الأموال من أهل البلدان المفتوحة؛ فأدَّى ذلك إلى تذمُّر الناس؛ مما حدا بالخليفة عمر بن عبدالعزيز أن يكتب لأحد ولاته قائلاً: ((إن الله قد بعث محمدًا هادیًا ولم يبعثه جابيًا)).
وكانت هذه الأساليب التعسفية في جمع الأموال أحد الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة الأموية، وبسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ظهر هنالك توسع في المجال الاقتصادي؛ فبعد أن سيطر العباسيون على الخلافة عملوا على توطيد أركان الدولة الإسلامية، ثم اهتموا بالحياة الاقتصادية من جميع جوانبها الزراعية والتجارية والصناعية، فعملوا على تنظيم قطاع الزراعة وتطوير نظم الري من إقامة السدود والترع وغير ذلك، وزراعة مختلف المحاصيل في الأمصار الإسلامية.
واهتموا كذلك بالصناعة، وأقاموا لها الأسواق، كما اهتموا أيضا باستخراج الثروات المعدنية. وكذلك كان للتجارة اهتمامها، إذ عملوا على التبادل التجاري بين الدولة الإسلامية وبين الدول الأخرى، وساعدت التجارة على نشر الإسلام وتبادل الأفكار والثقافات والتعرف إلى شعوب العالم المختلفة.
وأولى العباسيون اهتماما كبيرا بالتجارة فأنشأوا محطات للمياه في طريق القوافل ووضعوا أساطيل من السفن لحماية الطريق التجاري البحري .
ويُعَدُّ أبو جعفر المنصور أكثر الخلفاء العباسيين اهتماما بالجوانب الاقتصادية؛ فقد اهتمَّ بموارد الدولة وتنسيق اقتصادها؛ فأحصى ما أصاب الجند من الأموال، ومنع القادة من التلاعب فيما يستولون عليه من مغانم.
وأقطع المنصور بعض أعيان دولته قطائع من الأرض ببغداد يعمرونها ويسكنونها ويحصلون على غلتها مكافأة لهم على ما قدموه من خدمات للدولة، وسرعان ما عمرت هذه القطائع واتسع نطاقها وازدحمت بالسكان.
هل تعلم:
في عام (٣٧٨هـ/٩٨٨م) سأل الوزير يعقوب ابن كلس الخليفة الفاطمي العزيز بالله في صلة رزق جماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي، وأمر لهم ببناء دار فبنيت بجوار جامع الأزهر، وكانوا يحضرون إليها يوم الجمعة ويتحلقون للدرس بعد الصلاة إلى
أن تقام صلاة العصر، وكان لهم صلة من مال الوزير في كل سنة، وبلغ عدد هؤلاء الرجال ٣٥ رجلا .
عقد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في سنة (٦٩ هـ) صلحًا مع البيزنطيين التزم بموجبه بدفع مبالغ كبيرة من المال
إلى الإمبراطور البيزنطيّ، إذ كان عبد الملك مشغولاً بالنزاعات الداخلية للدولة، لكن عندما جاءَ وقت تأدية الأموال أرسل
عبد الملك إلى الإمبراطور جستنيان الثاني الدنانير العربية التي بدأ بضربها حديثاً في دمشق بدلاً مما اعتادته المنطقة من دنانير رومانية، فغضب جستنيان وبدأ حرباً ضد الأمويين، وقد تقلصت إثرَ هذه الحرب المبادلات التجارية كثيراً بين الدولتين.
أقدم دار إسلامية لسك النقود في شبه الجزيرة أنْشئت بعُمان، سنة ٨١ هـ في عهد عبد الملك بن مروان.
ماذا تعني الغنيمة؟
الغنيمة: هي ما يحصل عليه المنتصر في الحروب من متاع وسلاح وكراع وما إلى ذلك مما يوجد في عسكر العدو.
ماذا تعني الجزية؟
الجزية: هي ما يدفعه الذميون من مال للدولة الإسلامية عن رؤوسهم مقابل الحماية والخدمات العامة والبقاء على دينهم.
الفيء: كل مال أخذه المسلمون من المشركين بالتنازل دون قتال.