
في السنوات الأخيرة، أصبحت فكرة إنشاء قناة في المملكة العربية السعودية، تُعرف بـ”قناة سلمان” أو “قناة السلوى”، موضوعًا مثيرًا للجدل والنقاش في الأوساط السياسية والاقتصادية والجغرافية. هذا المشروع، الذي يُتداول حوله منذ حوالي عقد من الزمن، يهدف إلى قطع المملكة من الجهة الشرقية إلى الغربية عبر قناة مائية تربط الخليج العربي بالبحر الأحمر، مما يفتح آفاقًا جديدة للتجارة والاقتصاد، ويُعتبر في الوقت نفسه تحديًا جغرافيًا وسياسيًا هائلاً. في هذا المقال، سنستعرض أبعاد هذا المشروع، مزاياه المحتملة، التحديات التي تواجهه.
فكرة المشروع وأهدافه
تتمثل فكرة قناة سلمان في حفر ممر مائي يمتد عبر الجزء الجنوبي من المملكة العربية السعودية، بالقرب من الحدود مع قطر، لتحويل هذا الجزء إلى ممر شحن استراتيجي يقلل الاعتماد على مضيق هرمز، الذي يُعد نقطة ضعف جيوسياسية بسبب سيطرة إيران عليه. يُقال إن المشروع، الذي طُرح لأول مرة حول عام 2015 بعد اتفاقية النووية مع إيران (JCPOA)، يهدف إلى تعزيز التنويع الاقتصادي للمملكة بعيدًا عن الاعتماد على النفط، من خلال إنشاء مراكز تجارية، ومناطق سياحية، وحتى مناطق للتخلص من النفاذ النووي، إلى جانب خلق فرص عمل وتطوير مدن جديدة على ضفاف القناة. تُقدر التكلفة الأولية بحوالي 2.8 مليار ريال سعودي (حوالي 747 مليون دولار أمريكي)، مع إمكانية إتمام المشروع في غضون عام واحد، وفقًا لتقارير إعلامية سعودية.
المزايا المحتملة
من الناحية الاستراتيجية، يمكن أن تُحدث قناة سلمان ثورة في حركة التجارة البحرية في المنطقة. فبإمكانها استيعاب السفن التجارية بطول يصل إلى 295 مترًا، مما يجعلها بديلاً عن مضيق هرمز، حيث يمكن لإيران أن تستخدم هذا المضيق كورقة ضغط في الأزمات الإقليمية. كما أنها ستقلل من تأثير التوترات الجيوسياسية، مثل الحوثيين في اليمن أو الأزمات مع إيران، على إمدادات النفط العالمية. على الصعيد الاقتصادي، يمكن أن تؤدي إلى تنشيط صناعات مثل التحلية، وإنشاء مناطق حرة، وتطوير السياحة، مما يدعم رؤية المملكة 2030 للتنويع الاقتصادي.
التحديات والانتقادات
ومع ذلك، يواجه المشروع تحديات كبيرة تجعله، في نظر البعض، مجرد “خيال محض”. أولاً، الطبيعة الجغرافية للمنطقة تعقد عملية الحفر، حيث تتجاوز ارتفاعات اليابسة في بعض المناطق ألف متر تحت سطح الأرض، مما يتطلب تكنولوجيا متطورة وتكاليف باهظة قد تفوق التقديرات الأولية. ثانيًا، هناك شكوك حول جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية، خاصة مع وجود بدائل مثل الأنابيب والقطارات التي يمكن أن تنقل البضائع بكفاءة أكبر. ثالثًا، أثيرت مخاوف بيئية وسياسية، بما في ذلك التأثير على التوازنات الإقليمية، خاصة مع دول مثل قطر التي قد تتحول إلى جزيرة بفعل القناة، مما قد يفاقم التوترات الدبلوماسية.
البديل: ميناء الدقم كمنفذ استراتيجي
بدلاً من التركيز على قنوات مائية مكلفة، اقترح الدكتور العريمي ربط المملكة بميناء الدقم العُماني، الذي يُعتبر بوابة استراتيجية نحو المحيط الهندي. شُيد هذا الميناء برؤية عُمانية طويلة المدى تحت قيادة السلطان قابوس (رحمه الله)، بهدف جعله مركزًا لوجستيًا عالميًا ونافذة للتكامل الإقليمي. يرى العريمي أن ربط الدقم بالمناطق الشرقية في السعودية عبر شبكة سكك حديدية يمكن أن يُحول إلى “مشروع القرن”، يعزز الشراكة بين البلدين في مجالات الاقتصاد، الطاقة، النقل، والأمن الغذائي. هذا الاقتراح يتماشى مع التعاون المتزايد بين السعودية وعُمان، مثل افتتاح الطريق السريع البالغ طوله 450 ميلاً في ديسمبر 2021، وتوقيع مذكرات تفاهم لتطوير المناطق الاقتصادية المشتركة.
الخاتمة: بين الطموح والواقعية
قناة سلمان تمثل رؤية طموحة لإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية والجغرافية للمنطقة، لكنها تواجه عقبات عملية وبيئية وسياسية تجعلها، حتى الآن، مجرد فكرة تحتاج إلى دراسة معمقة. في المقابل، فإن تعزيز التعاون مع عُمان عبر مشاريع مثل الدقم يبدو خيارًا أكثر واقعية واستدامة، يعكس رؤية استراتيجية تربط بين الجغرافيا والإرادة السياسية. في عالم يتغير بسرعة، قد تكون القنوات البشرية والاقتصادية بين الدول الشقيقة هي السبيل الأمثل لضمان الاستقرار والازدهار في الخليج.