
أبرهة الحبشي: الملك الذي غزا مكة
أبرهة الحبشي هو أحد أبرز الشخصيات التاريخية في جنوب الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي، والذي ترك أثراً كبيراً في التاريخ العربي والإسلامي، لا سيما بسبب محاولته المشهورة في غزو مكة المكرمة بهجومٍ عسكري مستخدمًا الفيلة، في محاولة لتهديم الكعبة. يُعتبر أبرهة من الشخصيات المثيرة للجدل، حيث كانت حكومته مزيجًا من الطموح والسلطة، لكنه في النهاية لقي حتفه في ظروف غامضة. في هذا المقال، سنتناول تاريخ أبرهة الحبشي ومسيرته في حكم اليمن وحملته العسكرية ضد مكة.
نشأة أبرهة وتولي الملك
ولد أبرهة في منطقة الحبشة (إثيوبيا حاليًا)، وكان في البداية جنديًا في الجيش الحبشي. ورغم أصوله المتواضعة، فقد استطاع الصعود إلى السلطة في اليمن بعد الانقلاب على الملك المحلي سميفع أشوع. تمكن أبرهة من اغتيال سميفع أشوع بحلول عام 535م، وهو ما مهد له الطريق لتولي حكم اليمن، حيث نصب نفسه ملكًا على المنطقة. لم يكن أبرهة من سلالة ملكية، لكنه سعى لإثبات نفسه عبر السيطرة على اليمن وإنشاء مملكة قوية.
كان يُلقب أبرهة بـ”الأشرم” بسبب إصابته في المعركة مع القائد الحبشي أرياط، مما أثر على مظهره، حيث تعرضت عينه وحاجبه لضرر شديد. ومع ذلك، فإن لقبه هذا لم يكن عائقًا في مسيرته العسكرية والسياسية. كان أبرهة يُعرَف بعزمه وقوته، وكان هدفه الأكبر هو تعزيز سيطرته على جنوب الجزيرة العربية.
حملة أبرهة على مكة
في بداية القرن السادس الميلادي، كانت مكة المكرمة تعد مركزًا تجاريًا ودينيًا هامًا في جزيرة العرب، وكانت القبائل العربية تتجمع فيها لأداء الطقوس الدينية في الكعبة. أبرهة، الذي كان قد أسس سلطته في اليمن، كان يسعى لتحويل اليمن إلى مركز ديني آخر ينافس مكة. في هذا السياق، بنى أبرهة “القليس” في صنعاء، وهي كنيسة ضخمة أراد أن تكون بديلاً للكعبة ووجهة للحج بدلاً من مكة.
لكن عندما سمع أبرهة بأن العرب لا يزالون يذهبون إلى مكة لأداء مناسك الحج، شعر بالغضب وقرر تدمير الكعبة. في عام 570م، قاد أبرهة جيشًا ضخمًا، يتضمن مجموعة من الفيلة، في حملة عسكرية لغزو مكة. كانت هذه الحملة واحدة من أبرز محاولات الغزو التي شهدتها منطقة الجزيرة العربية في تلك الحقبة.
الفيلة في جيش أبرهة
كان استخدام الفيلة في الحروب من الظواهر النادرة في ذلك الوقت، وكان أبرهة يعتمد عليها بشكل كبير في حملته ضد مكة. الفيلة كانت تعتبر من الآلات الحربية الكبيرة التي تمنح الجيش قوة مدمرة، خاصة في المعارك ضد الجيوش التي لا تحتوي على مثل هذه القوات الضخمة.
لكن في أثناء الحملة، ظهرت معجزة من السماء، حيث كانت الرياح تحمل طيورًا صغيرة أُطلق عليها “أبابيل”، وهي طيور كان يقال إنها رماها بحجارة صغيرة كانت تصيب جيش أبرهة وتهلكه. وفقًا للمصادر الإسلامية، كانت هذه الحجارة مثل الحصى تقتل الجنود وتدمر الفيلة، مما أجبر أبرهة وجيشه على العودة دون أن يحققوا هدفهم.
نهاية أبرهة
بعد فشله في غزو مكة، عاد أبرهة إلى اليمن وهو في حالة صحية سيئة، وكان يعاني من إصابات نتيجة الطاعون الذي اجتاح جيشه. وفقًا للمصادر التاريخية، مات أبرهة في صنعاء نتيجة لهذه الإصابات، ولكن بعض الروايات تذكر أن جسده تآكل تدريجيًا بسبب المرض الذي أصابه. وهكذا انتهت حياة أحد أبرز القادة العسكريين في تلك الفترة.
التراث والتأثير
كان لأبرهة تأثير عميق على تاريخ اليمن والمنطقة العربية. فقد أثبت نفسه كحاكم قوي وطموح، إلا أن محاولته الفاشلة في غزو مكة جعلته رمزًا للغرور الذي انتهى به إلى الهزيمة. معركة الفيل، كما يطلق عليها في المصادر الإسلامية، أصبحت جزءًا من التاريخ الديني في العالم الإسلامي، وتُذكر دائمًا كدليل على عناية الله بالكعبة وحمايتها من الطغاة.
في الختام، تبقى شخصية أبرهة الحبشي واحدة من الشخصيات التي أثرت في التاريخ العربي والإسلامي بشكل كبير، سواء من خلال محاولته للسيطرة على اليمن أو من خلال محاولته الفاشلة لتهديم الكعبة. ومع مرور الزمن، تحول اسمه إلى رمز للطغيان الذي قوبل بالهزيمة في مواجهة القوى الإلهية.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30567