تاريخ

الدولةُ الفاطميةُ في مصرَ(٢٩٧ هـ/٩٠٩م – ٥٦٧ هـ / ١١٧١م)

الدولةُ الفاطميةُ في مصرَ(٢٩٧ هـ/٩٠٩م – ٥٦٧ هـ / ١١٧١م)

عندَما قامتِ الدولةُ الأمويةُ على يدِ معاويةَ ابنِ أبي سفيانَ وأصبحتِ الخلافةُ وراثيةً في أُسرةِ بني أميةَ، عارضَ فريقٌ مِنَ المسلمينَ ذلكَ، ورأوا أنَّ الخلافةَ يجبُ أن تكونَ محصورةً في علي بنِ أبي طالبِ وأوْلادِهِ مِنْ بَعْدِه.

وعرِفَ هؤلاءِ المسلمونَ باسم الشيعةِ. وتُعَدُّ فِرْقَةُ الإسماعيليةِ من بين حركاتِ الشيعةِ في عهدِ الدولةِ العباسيةِ التي قامت بدعوةٍ منظّمةٍ تدعو إلى بَيْعَةِ عُبيدِ اللهِ المهديِّ بدعوى أنهُ من نَسْلِ فاطمةِ الزهراءِ بنتِ الرّسول وََلر. وقد نجحوا في دعوتِهم، وأسَّسوا دولةً سُمِّيتْ بالدولةِ الفاطميةِ .

كانَ القائمُ بالدّعوةِ إلى بيعةِ عبيدِ اللهِ الفاطميَِّ الداعيةَ أبا عبدِ اللهِ الشيعيِّ الذي خرَجُ إلى المغربِ ، واتّصلَ برجالٍ مِنْ قبيلةِ (كتامةَ) إحدى أكبرِ قبائِلِ البربرِ في بلادِ المغربِ، وعَرضَ عليهم بيعةَ الإمامِ عبيدِ اللهِ المهديِّ الفاطميَّ فقبلوا دعوتَهُ ؛ لأنّ البربرِ كانوا ساخطينَ على الدولةِ العباسيةِ، كما كانوا يرغبون في تأسيسِ دولةٍ يكونون هُمْ أصحابُها.

تمكَّنَ أبو عبدِ اللهِ الشيعيَّ وبمساعدةٍ من قبائلِ البربرِ، من مهاجمةِ دولةِ الأغالبةِ والاستيلاءِ عليها سنة ٢٩٦هـ، ثم توجّهَ في السنةِ نفسِها إلى تاهرتَ واستولى عليها وقَضى على الدولةِ الرستميةِ. بَعَثَ أبو عبدِاللهِ الشيعيَّ بأخبارِ انتصاراتِهِ إلى عبيدِ اللهِ
المهديِّ الذي كان مُتَخفيَّا في بلادِ الشامِ، ودعاهُ إلى المجيءِ إلى بلادِ المغربِ، فرحلَ عبيدُ اللهِ المهديِّ إلى القيروانِ فبويعَ بالخلافَةِ سنةَ ٢٩٧هـ وأصبحَ يُخْطَبُ له على المنابرِ بِاسْمِ أميرِ المؤمنينَ.

عزمَ عبيدُ اللهِ المهدئُّ سنةَ ٣٠٨هـ على بناءِ عاصمةٍ جديدةٍ لَهُ ولأنصارِهٍ، فاختارَ موقعَ المهدّيةِ جنوبيٌّ القيروانِ على ساحلِ تونُسِ الشرقيِّ المطلِّ على البحرِ المتوسطِ.
وعملَ خلفاءُ الدولةِ الفاطميةِ على توسيعِ الدولةِ في بلادِ المغربِ فامتدت مِنْ طرابلس شرقا إلى المغربِ الأقصى غرباً وضمّت إليها جزرَ سردينيا وكورسيكا وصقليَّةَ ومالطةً في البحرِ المتوسطِ .
تطلَّعَ الخليفةُ الفاطميُّ المعزُّ لدينِ اللهِ (٣٤١-٣٦٥هـ) إلى الاستيلاءِ على مصرَ لأهميَّةِ موقعِها الجغرافيِّ وقربِها من بلادِ الشامِ والحجازِ وعِظَمٍ ثَرْوتِها وَوَفْرةِ تجارتِها.
وممّا شجَّعَ الفاطميينَ على غَزِّوٍ مصرَ، ضَعْفُ حكامِها الإخشيديينَ الذين كانوا يحكمونَ مصرَ ويتبعونَ الخلافةَ العباسيةَ في بغدادَ.

من هم الاخشيديون؟

الإخشيديون (٣٢٤-٣٥٨هـ) دولة حكمت مصرَ باسِم الخلافة العباسيةِ تُنْسبُ إلى محمدِ بنِ طَغْحَ
الإخشيدِ، ومِنْ حكامها كافوز الإخشيديُّ.

أرسلَ المعزُّ لدينِ اللهِ قائدَه العسكريَّ جوهرَ الصقلّي باتجاهِ مصر سنة ٣٥٨هـ فدخل الاسكندريةَ دونَ مقاومةٍ وهزمَ الأخشيديينَ في الفسطاطِ ثم قام ببناءِ عاصمةٍ للدولةِ الفاطميةِ ، وأنشأَ في وَسَطِها سنةَ ٣٥٩هـ الجامِعَ الأزهرَ ليكونَ مركزاً للدعوةِ الشيعيَّةِ. وعندما دخلَ المعزُّ لدينِ اللهِ العاصمةَ الجديدةَ سنةَ ٣٦٢هـ أطلقَ عليها اسْمَ القاهرةَ. وبعدَ الاستيلاءِ على مصرَ بسطَ الفاطميونَ نفوذَهم على الحجازِ واليمنِ وأجزاءَ من بلادِ الشامِ، وبذلكَ وصلتِ الدولةُ الفاطمية ذَروةَ اتساعِها وأصبحَتْ تفوقُ الدولةَ العباسيةَ في بغدادَ في الاتساعِ والثروةِ والقوةِ.

دامتِ الدولةُ الفاطميةُ بَعْدَ انتقالِها إلى مصرَ مدةَ قَرَْنينِ مِنَ الزمنِ بدأتْ قوّيةً فَقَدِ اهْتمَّ الفاطميونَ بالزراعةِ فأقاموا الجسورَ والقنواتِ ونظّموا الريّ. وكانتْ زراعةُ القمحِ الأولى في مِصْرَ، كما زُرِعَ الكتانُ وقصبُ السّكَرِ، وتقدّمتْ صناعاتٌ كثيرةٌ مِثْلُ صناعةِ النسيجِ والزجاجِ والمعادنِ والخَزَفِ، وكان في مصرَ دُورٌ لصناعةِ كِشْوَةِ الكعبةِ الشريفةِ .
وأقامَ الفاطميونَ عَلاقاتٍ تجاريةَ مَعَ الدولةِ البيزنطيةَ وجنوبيَّ أوروبا، ووصلتِ العلاقاتُ التجاريةُ للفاطميين إلى الهنّْدِ والصينِ. ووجَّهَ الفاطميونَ عنايتَهم إلى البحرِ والسيادةِ على شرقيَّ البحرِ المتوسطِ، فأنشأوا دورًا لصناعةِ السفنِ بالاسكندريةِ والمهديةِ ووهرانَ، وأقامَ الفاطميونَ قواعدَهُمْ في جُزرِ صقليةَ وسردينيا وكورسيكا .
واهتمَّ الفاطميونَ بنشرِ العلم فأنشأ الحاكمُ بأمرِ اللهِ (٣٨٦-٤١١هـ) دارَ الحكمةِ بالقاهرةِ، وسمحَ للناسِ بالتردّدِ عليها، وتحوّل الجامعُ الأزهرُ إلى جامعةٍ، يتلقَى فيها طَلَبةُ العلم مختلِفَ العلومِ، ونَبغَ في العصرِ الفاطميِّ كثيرٌ من الشُّعَراءِ والأدباءِ والفلاسفةِ والرياضيينَ والأطباءِ والمؤرخينَ . وَمِمَّنْ اشْتُهِرَ في العَصَّرِ الفاطميَِّ العالمُ الفلكيُّ والرياضيُّ الحسنُ بنُ الهيثمِ مؤلفُ
كتابِ (المناظرِ) في البصرياتِ والشاعرُ ابنُ هائي الأندلسي الذي بالغ في مدحِ الفاطميينَ.

ضَعُفَتِ الدولةُ الفاطميةُ في أواخرِ عهدِها ، ومما ساعدَ على ذلكَ تولّي خلفاءً ضعافٍ دونَ سنِ الرِّشدِ مما أدى إلى سيطرةِ الوزراءِ على شؤونِ الدولةِ، كما تَعَرَّضتْ مِصْرُ سنةَ ٤٥٤هـ إلى مجاعِةٍ وَوَباءٍ دامَ ثماني سنواتٍ حتَّى إنّهُ كان يمُوتُ في كلِّ يومٍ عشرةُ الآفِ نَفْسٍ، وعُدِمتْ الأقواتُ، وسُمِيت تلكَ الفترةُ بالشدّةِ العُظْمى.
أخذَتِ الأقاليمُ الخاضعةُ للدولةِ الفاطميةِ تُعلنُ انفصالَها عن الفاطميينِ، فاستقلَت بلادُ المغربِ العربيِّ والحجازِ واليمنِ وبلادِ الشامِ ولم يَبْقَ للفاطميينَ سوى مصرَ وفي سنةِ ٨٥٦٧ـ وصلَ صلاحُ الدينِ الأيوبيِّ إلى مصرَ قابمًا من الشامِ، وتولّى الوزارةَ، وعندما تُوفَيَ العاضِدُ آخِرُ خليفةٍ فاطميٌّ، أعلنَ صلاحُ الدينِ الأيوبيِّ قيامَ الدولةِ الأيوبيّةِ وإنهاءَ الخلافةِ الفاطميةِ وأقامَ الخطبةَ للخليفةِ العباسيِّ على مِنْبَرِ الجامعِ الأزهرِ.

من هو الحسن بن الهيثم؟

يُعَدُّ الحسنُ بنُ الهيثمِ من أعظمِ أئمةِ العِلّْمِ في تاريخ البشريةِ، فقد اتّْجهَ إلى دراسةٍ الفيزياءِ والرياضياتِ. هاجرَ من البصرةِ
إلى القاهرةِ ، وعملَ في خدمةِ الحاكم بِأمرِ اللهِ الفاطميَّ تخصّصَ الحسنُ بنُ الهيثم في البصرياتِ. واكتشفَ أنَّ العينَ ترى الأشياءَ عنْ طريقِ الأشعةِ الساقطةِ على الأشياءِ والمنعكِسةِ على العينِ في حين أنَّ اليونانَ كانوا يقولونَ إنَّ العينَّ تُرسِلُ أشعَّةً إلى الأشياءِ فتراها بها .

مواضيع مشابهة

الحوار والتواصل الحضاري الدولي

bayanelm

دور العُمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في السواحل الأسيوية

bayanelm

قيام دولة البوسعيد (١٧٤٤م)

bayanelm