
قصر غمدان
يُعتبر قصر غمدان من أبرز المعالم المعمارية في اليمن، وهو قصر وقلعة تاريخية تقع في الجهة الشرقية من صنعاء. يُعد هذا القصر من أقدم وأشهر القلاع في الجزيرة العربية، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي تقريبًا. وفقًا للأخباريين، ينسب بناء القصر إلى الملك الشرح يحضب الأول، الذي حكم في الفترة بين (120م – 130م)، واستمر القصر قائمًا حتى فترة حكم الخليفة عثمان بن عفان في القرن الأول للهجرة، مما يعني أن القصر ظل قائمًا لمدة تصل إلى حوالي 520 عامًا.
أهمية قصر غمدان:
قصر غمدان يُعد واحدًا من أهم الإنجازات الحضارية لدولة سبأ في القرن الثاني الميلادي. وكان القصر جزءًا من معالم اليمن الحضارية ويمثل نقطة بارزة في التاريخ العمراني لهذه المنطقة. من بين أهم الآثار المرتبطة بالقصر هو “الجامع الكبير”، وهو أقدم مسجد في اليمن، الذي أسسه الصحابي وبر بن يحنس الخزاعي سنة 6 هـ – 627م في موقع بستان باذان. وقد تم توسيع هذا الجامع عبر عدة قرون حتى أصبح شكله الحالي، ويتميز بوجود 12 بابًا تحيط بفناءه الأوسط 183 عمودًا. يحتوي المسجد أيضًا على مكتبتين ضمتا العديد من المخطوطات النفيسة.
كان قصر غمدان يحمل رمزية كبيرة في التاريخ العربي، فقد كان موضعًا للإعجاب في الأدب العربي وقد ورد ذكره في العديد من القصائد الشعرية التي أشادت بجماله وروعته.
النقوش الأثرية والإشارات التاريخية:
تؤكد الآثار المكتشفة أن أول ذكر لقصر غمدان كان في عهد الملك الشرح يحضب الأول، الذي حكم بين (120م – 130م). وقد ورد ذكر القصر في نقوش متعددة في القرن الثالث الميلادي، مثل نقش (Ir 11) الذي كان يحتوي على إشارة إلى لقب “شعرم أوتر ملك سبأ وقصر سلحين وغمدان”، حيث كانت قصر سلحين يمثل مقر الملوك في مأرب. مع مرور الوقت، بدأ قصر غمدان في التنافس مع قصر سلحين، وتمكنت صنعاء في نهاية المطاف من أن تحل محل مأرب كمركز حيوي في اليمن.
البناء والتصميم:
لا توجد دلائل أثرية واضحة على شكل البناء النهائي لقصر غمدان، ولكن وفقًا للروايات التاريخية، فقد كان القصر يتمتع ببناء مهيب. كان قصر غمدان يتكون من عدة أسطح مغطاة، وتصف بعض المصادر أن هناك سبعة سقوف بين كل سقفين ارتفاع يبلغ أربعين ذراعًا، مما يعكس الارتفاع الكبير للبناء. على الرغم من الروايات التي تشير إلى أن القصر كان يحتوي على أربعة أوجه مميزة من الألوان المختلفة (أبيض، أحمر، أصفر، وأخضر)، فإن الوصف الذي قدمه المؤرخون مثل ابن الكلبي وأبو محمد الهمداني يختلف بعض الشيء في التفاصيل حول ارتفاع السقوف وعددها.
الخراب والدمار:
مر قصر غمدان بعدد من المراحل من الدمار والخراب. في روايات متعددة، يُنسب تخريب القصر إلى الأحباش في سياق الحرب الحميرية – الحبشية التي وقعت بين عامي 523م و530م. بعد ذلك، ذكر الجاحظ والمسعودي أن قصر غمدان هدم على يد الخليفة عثمان بن عفان في العهد الإسلامي، حين طلبت بعض المصادر من الخليفة أن يهدمه بعد أن انتشرت الأساطير حوله. يقول الجاحظ: “هدم عثمان صومعة غمدان”، بينما أضافت روايات أخرى أن الخراب جاء نتيجة لظروف مختلفة، مثل تحريض قبيلة مراد بقيادة فروة بن مسيك في أيام الخليفة عمر بن الخطاب.
وبغض النظر عن الروايات المختلفة التي تدور حول الخراب النهائي لقصر غمدان، فإن الواقع التاريخي يظهر أن القصر قد تحطم بشكل نهائي، ولم يتبقَ منه سوى بقايا، إلى أن استُخدم بعض من حجارته في بناء قصبة صنعاء، كما ورد في بعض المصادر.
الخاتمة:
قصر غمدان يبقى واحدًا من أهم المعالم التاريخية التي تُمثل فترة ازدهار مملكة سبأ في اليمن. ورغم اختفاء العديد من معالمه بسبب التدمير والحروب، إلا أن تأثيره على الثقافة العربية والتاريخ اليمني لا يزال حاضرًا من خلال القصائد الشعبية والنقوش التاريخية التي أشادت به.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30487