تاريخ

عالم الغد امال وتحديات

عالم الغد امال وتحديات

إن استشراف المستقبل أمر بالغ الأهمية، فالحياة في تطور ستمر، وغنية بالمستجدات، ولا يمكن توقع ما سيحدث في
القريب العاجل دون إدراك ما تم التوصل إليه في الماضي، ولذا فإن عملية التعود على التعايش مع المستقبل لا بد أن تبدأ بفهم أفضل للزمن الذي نعيش فيه، ومن هنا برز ((علماء المستقبليات)) كمراقبين لأحداث عصرهم محاولين توقّع ما سيحدث في المستقبل بناء على التغيرات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، وقد شملت توقعاتهم محالات سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وطبية وغیرها.

١- التكوينات الاجتماعية والعلاقات الأسرية:
نتيجة للتغيرات العميقة والسريعة التي تشهدها بدايات الألفية الثالثة فمن المتوقع أن يصاحب التغيير النظم الاجتماعية القائمة، وأبرزها ظهور تحولات وتغيرات على بعض التكوينات الاجتماعية القائمة مثل: الأسرة والقبيلة والطبقة والفئة الاجتماعية، وما إلى ذلك لصالح صيغ وأشكال جديدة مثل منظمات المجتمع المدني، نتيجةً لتفاعل مجموعة من العوامل مثل الكثافة التكنولوجية وتباعد أماكن العمل، وتغير العلاقات والقيم من المحسوبية والعاطفية إلى العملية والعقلانية وإلانجاز الفردي.

أما على صعيد العلاقات الأسرية فقد اختلفت زوية المفكرين في ذلك، فمنهم من يتفاءل بتحسن تلك العلاقات كنتيجة لثورة الاتصالات واحلال الماكينات الآلية والمحركات المبرمجة محل البشر في تسيير الكثير من الأعمال التي ستتم ادارتها من المكاتب أو من المنازل، وسيقتصر دور البشر على إلانتاج العقلي والفني ممثلاً في الأبحاث، واعداد التصاميم ونشرات الأخبار والبرامج إلاذاعية والتلفازية، وهذا يعني وجود الوقت الكافي بين أفراد الأسرة الواحدة للتقارب والتساند والاستمتاع وبالتالي تلازم العمل مع الترفيه .

وهناك من يرى أن ثورة الاتصالات، وما صاحبها من تدفق للمعلومات، وتنمية لقيم إلانتاج والاستهلاك، وارتباط شرائح
اجتماعیة عدیدة مصالح الشر کات متعددة اجنسیات، قد ێودي کل ذلك إلى بروز نوع من المشكلات الاجتماعية وأبرزها التفكك الأسري وما يتعلق به من تبعات اجتماعية سلبية.

٢- الرابحون في مجتمع الغد:
يتميز العصر الجديد (عصر المعرفة) بمظاهر تجعله الأكثر تنوعًا والأسرع تغيرًا، ومن أبرز مظاهره ظهور نظام اقتصادي يعتمد
أساسًا على المعرفة التي تنعكس إيجابًا على العمل ورأس المال واستخدام المواد الخام، وظهور نظام اجتماعي جديد تسوده
التغيرات الاجتماعية والفوارق الطبقية بسرعة كبيرة بسبب تفاوت درجة المعرفة أساسًا وتباين نظم القيم وليس نتيجة للاستغلال أو الظلم، وبالتالي يتوقع أن ينتقل زمام الريادة المجتمعية تدريجيًّا من أيدي رجال الأعمال والثروة والنفوذ إلى المعرفيين حيث تشير حقائق العصر الذي نعيشه اليوم إلى اعتماد التقدم في الصناعة والزراعة والتجارة والمال والاتصالات وغيرها على المعرفة، وهذا هيأ أصحاب المعرفة لقيادة المجتمعات الصناعية، وجعل بإمكانهم السيطرة على العلوم النظرية والتطبيقية والاتصال الإلكتروني والبنية التحتية للنشاطات المعرفية .

وقد أعادت ثورة المعرفة تشكيل النظم الاجتماعية والتوجهات المستقبلية، حيث ستصبح المجتمعات المعرفية أكثر قدرة على التعامل مع المستقبل، وهكذا ستكون المعرفة أساسًا للتقدم والثراء نتيجة لاعتماد العملية الإنتاجية الحديثة على ما يعرف بالمنظومة القيمية في مجتمع المعرفة، والتي تضمن جودة الإنتاج وإتقانه وانتظامه.

٣- التحول المرتقب … ومعالم المجتمع القادم:
إن التحولات التي مرت بها الإنسانية من الثورة الزراعية مرورًا بالثورة الصناعية ووصولاً إلى ثقافة عصر المعلومة والمعرفة لن
تتوقف عند هذا الحد، ولذا يتوقع بعض مستشرفي المستقبل أن يتحول المجتمع المعلوماتي أو المعرفي إلى مجتمع حالم، وصِفَ بالمجتمع الحلم، حيث لا تشكل المعلومات – في حد ذاتها – أساسًا أو هدفًا، وإنما سيكون الخيال والابتكار والإبداع الدعائم الأساسية للمجتمع القادم، وبالتالي ستنتقل الإنسانية من عصر المعلوماتية إلى عصر التخيلیة.

وهكذا فلن يكون لحيازة المعلومة أهمية ما لم يتم إبراز قيمتها والعمل على مواءمتها لاحتياجات العصر القادم، فمثلاً على قدر ما تفي المعلومة أو المنتج أو الخدمة باحتياجات المستهلكين على قدر ما يكون قبول المجتمع لأي منها ورضاء المستهلكين عنها.

ويتوقع أن يشهد المجتمع القادم اتساعًا في قنوات الاتصال بين الأفراد والتواصل بين الجماعات والشعوب، كما سيتبنى هذا
المجتمع التنوع الثقافي ويسانده على النحو الذي يحرص فيه عالم اليوم على المحافظة على التنوع البيولوجي للطبيعة، ونتيجة لذلك سيشهد المجتمع اختفاء التفاضل بين الشعوب حيث يعم الفهم ويسود الاحترام للتباين القائم بين الثقافات مع الحرص على الشراكة في مسؤولية الحفاظ على المجتمع.

ومن بين التغيرات التي سوف تحدث مستقبلاً ما يتصل بالعمل وشغل أوقات الفراغ بحيث يجد الأفراد في العمل متعة ورفاهية، وبالتالي لن يكون العمل شاقًّا كما هو في الوقت الحالي أو مرهقًا كما كان في العصور السابقة .

٤- الألفية الجديدة وتقنيات المستقبل :
لقد شهد العالم نموًا وتسارعًا وتطورًا مذهلاً في مجال التقنية منذ عصر الصناعة حتى الوقت الحالي الذي تميّز بتطور تقنية المعلومات بشكل كبير جعل الكثيرين من مستشرفي المستقبل يتوقعون تطورًا جديدًا في تقنيات المستقبل، فعلى سبيل المثال يعتبر بعضهم أن الأجهزة التي بين أيدينا الآن بدائية مقارنةً بما سيكون لدينا في عالم الغد، حيث سيكون لدينا سعة تخزين تصل إلى ١٠٠ ضعف أي جهاز موجود حاليًّا كأجهزة الحاسوب المحمولة (Laptop)، أو الأجهزة المساعدة الشخصية المحمولة باليد (Palm Pilot).

كما يتوقع علماء المستقبل أن تشهد الألفية الجديدة الكثير من الاختراعات والاكتشافات العلمية، ومنها على سبيل المثال:

اكتشاف المزيد من أسرار الفضاء من خلال صناعة أقمار صناعية مجهزة ذاتيًا ((أوتوماتيكيًّا)) لتصوير ما يحدث في الفضاء من أحداث كونية قد تحدث مستقبلاً، وبالتالي نستطيع معرفة وضعنا وسط الوجود الكوني المزدحم الذي يحيط بنا، ومن هنا
جاء التساؤل: هل ستكشف تقنيات الاستكشاف الفضائي الحديثة عجائب ما يحيط بنا من أجواء فضائية ؟ وهل سنحصل
على إجابات قطعية عن وجود كائنات حية من عدمه في الفضاء؟ وهل تتوقف الاكتشافات عند حدٍّ معين ؟

تطورت وسائل التصوير بصورة سريعة في القرن العشرين حتى تمكن العلماء من استخدام أشعة الليزر في تصوير حركة
الجزيئات في ١٠ (أس ١٥٠) من الثانية (أي ١٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠) من الثانية وهو ما يسمى (الفمتو ثانية) فبدأ علماء المستقبل يتساءلون إلى أين ستصل تقنيات التصوير في المستقبل ؟

بعد الثورة الهائلة التي أحدثها الكمبيوتر في محالات عدة يطمح العلماء الآن إلى تصميم أجهزة كمبيوتر تعمل من خلال دوائر
ليزر وليس من خلال دوائر إلكترونية فيما يسمى بالحاسوب الليزري، فإلى أي مدى سيتحقق ذلك في المستقبل ؟

يستفيد العلماء من الخيال العلمي في إمكانية إيجاد عالم جديد يعيش فيه الإنسان بحيث يمكنه إعمار بيئة الماء وإقامة مساكنه عليها، وبالتالي يستخدم سيارات برمائية (تسير فوق الأرض وفوق الماء) … فهل سيتحقق ذلك ؟

وعلى الرغم من التسارع التقني إلا أن موضوع البيئة بقي همًّا يشغل بال الكثير من المفكرين وعلماء المستقبليات حيث أخذوا يطرحون الكثير من التساؤلات والفرضيات أثناء استشرافهم لما سيكون عليه المستقبل، ومن أبرز المواضيع التي تشغلهم تلك المتعلقة بهندسة الجينات (الهندسة الوراثية)، وأضرار ثورة الاتصالات، وموضوع التلوث. وهكذا يتسارع العالم نحو المزيد من الإنجازات الحضارية المستقبلية إلا أنها مصحوبة بتساؤلات عديدة حتى لا نفقد التوازن البيئي في عالمنا المستقبلي، ومن بين تلك الإنجازات المستقبلية والتساؤلات المطروحة ما يأتي:

يتجه العلماء نحو هندسة نبات القمح وراثيًّا بهدف زيادة الكمية المنتجة من حبوب القمح لسد العجز في الإنتاج العالمي له من خلال زيادة عدد السنابل الحاملة لحبوب القمح، وزيادة طول السنبلة، وزيادة عدد الصفوف في السنبلة الواحدة، وزيادة
حجم حبة القمح، وتبقى التساؤلات المطروحة: إلى أي مدى سينجح العلماء في ذلك؟

وهل ستمثل حبة القمح القادمة مجمعًا للكربوهيدرات والبروتينات والفيتامينات؟ وما احتمالية حملها لجينات مرضية
مدمرة ؟

يسعى العلماء الآن إلى رسم خرائط جينية لجينات العديد من الأصول الوراثية لنباتات مهمة بحيث تتميز هذه النباتات
بتحمل ظروف بيئية قاسية جدًّا وبعضها يفرز مواد دوائية مهمة، وبعضها يفرز إنزيمات ضرورية تستخدم في عمليات
التصنيع، فهل ستكلل تجاربهم بالنجاح؟

بعد وصول الإنسان إلى ثورة الاتصالات، في عصر السماء المفتوحة المملوءة بالموجات والمحالات الكهرومغناطيسية،
اكتشف أن أضرارًا بالغة سوف تصيبه نتيجة للانتشار الواسع للمجالات الكهرومغناطيسية، والسؤال المطروح: كيف سيتلافى الإنسان تلك الأضرار في المستقبل ؟

يأمل العلماء في هندسة بعض البكتيريا لتحليل الغازات الناتجة عن المصانع، ولتحليل النفط (البترول) الطافي فوق سطح البحر، وهو ما سيؤدي لخفض معدل التلوث، وبالتالي فهم يعملون على تطوير الكثير من الأبحاث في هذا المجال، فهل سينجحون في ذلك ؟

نظرًا لأهمية الدم باعتباره السائل الناقل للغذاء والأكسجين إلى كل الخلايا، والحامل لفضلاتها إلى أعضاء الإخراج، فإن الإنسان
يحتاج إليه باستمرار فأحيانًا لا يجده، وأحيانًا يجده ملوثًا بميكروبات، لذا يتطلع العلماء في الألفية الجديدة إلى إنتاج دم
صناعي بواسطة الهندسة الوراثية، فهل سيتم الحصول على الدم الصناعي من بنك الدم حسب الطلب بدلاً من الاعتماد على الدم البشري ؟!

مواضيع مشابهة

مجالات البناء الحضاري للمجتمع الاسلامي

bayanelm

معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى أوروبا (المعبر الإسلامي)

bayanelm

دور العُمانيين في نشر الحضارة الإسلامية في السواحل الأسيوية

bayanelm