ظهور الإسلام وبناء الدولة الجديدة
من منطقة الحجاز، بشبه الجزيرة العربية، وقبل أن ينتصف القرن السابع للميلاد، ظهرت دعوة الإسلام، وهي رسالة سماوية عامة للبشرية، لتكتمل بها سعادة الإنسانية على أسس أخلاقية وتبنى بها حضارة عالمية. وظهر ذلك فيما حملته تلك الدعوة من قيم ومبادئ راقية .
وعلى الرغم من عالمية الدعوة الجديدة فإنها لم تصطدم بأية حضارة أو ثقافة مغايرة ، بل وجهت أتباعها إلى التفاعل والإفادة من تجارب الأمم الأخرى، بما يتفق مع مضمونها. ودعت معتنقيها إلى الالتزام بالتسامح مع غيرهم، وأوضحت أدب الحوار مع مخالفيهم ، في ظل حرية شاملة ومساواة تامة، فسارعت الشعوب والأمم إلى اعتناق الدین الجدید .
وتأسست دولة عالمية جديدة على أسس دينية رفيعة ، ارتبطت عند الباحثين والمفكرين باسم “دولة الإسلام” بدأت من الحجاز لتشمل شبه الجزيرة العربية.
ثم اتسعت لتتهاوى أمامها إمبراطوريات العالم القديم ، المتمثلة في الفرس شرقًا، والروم في الشمال والغرب . وشملت الدولة الجديدة معظم أقاليم هاتين الإمبراطوريتين .
عصر الخلفاء الراشدين
تغيرت نظم الدولة الجديدة بصورة أساسية زمن الخلفاء الراشدين حيث تمكن كل خليفة من تحقيق منجزات مهمة تضاف إلى أعمال سلفه .
فإذا كان الخليفة أبو بكر الصديق (١١-١٣هـ) قد تمكن من التغلب على مظاهر التفكك والردة التي ظهرت في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، بعد وفاة الرسول ، وإعادة الوحدة إلى دولته ، فإنه سرعان ما بدأ يوجَّه أوامره نحو تبليغ الرسالة الجديدة إلى شعوب وحكام الفرس والروم .
إلا أن فترة حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (١٣ -٢٣هـ)، والتي لم تتعدَ عقدًا من الزمان، كانت أهم فترات الدولة الإسلامية الجديدة ، ذلك أنه تمكن من إحراز أهم الانتصارات العسكرية في تاريخ الإسلام عامة ، حينما انتصر المسلمون على الفرس في معركة القادسية، وانتصارهم في معركة اليرموك على الروم، وبعدها انتشرت الجماعات العربية في معظم أقاليم الدولتين ، وبدأت عملية التحول الكبرى لشعوب الإمبراطوريتين نحو الدين الجديد، ودولته الناشئة .
استكمل الخليفة عثمان بن عفان (٢٣ – ٣٥هـ) خطوات سلفه، فاستمرت عمليات الفتوح لتشمل بقية أقاليم فارس وأرمينيا ، كما امتدت لتشمل جنوب مصر وغربها حيث استمرت في التقدم غربًا حتى وصلت قواته إلى المغرب الأدنى، وبدأت لأول مرة عمليات بناء أسطول حربي تمكن من ضم جزر في شرق البحر المتوسط.
لكن أحداث الفتنة بدأت تعم الدولة في أواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان راُله ، وانتهت بحصار الخليفة ومقتله، واستمرت تداعياتها طيلة سنوات الخليفة علي بن أبي طالب (٣٥-٤٠ه)، وانتهت الأحداث عن تباين واضح بين رجال الدولة
وزعاماتها .
معركة صفيِّن وتباين الآراء والاتجاهات
بدأت أحداث صفيِّن منذ بداية ٣٧هـ، وذلك حينما تخلف والي الشام معاوية بن أبي سفيان عن البيعة للخليفة علي، فتحركت جيوش الخليفة علي من الكوفة نحو الشام غربًا، فالتقت بجیوش معاویة بن أبي سفیان عند صفیّن .
وكانت هذه المعركة من أصعب أحداث التاريخ الإسلامي عامة ، ذلك لأنها وقعت بين المسلمين أنفسهم، وهي أمور بعيدة عن مبادئ عقيدة الإسلام.
وأثناء مجريات الحرب بين الطرفين رفعت قوات معاوية المصاحف على أسنة الرماح ، تطالب بتحكيم كتاب الله. وكانت خدعة أودت بإمكانيات الخليفة علي ال وفرّقت صفوف جيشه، بين مؤيد لوقف الحرب والتحكيم وبين معارض، وأصبح قبول الخليفة لرأي فريق يعني خسارة الفريق الآخر. وانتهى الأمر بقبول الخليفة علي لي للتحكيم حقنا لدماء المسلمين. وكانت خطواته أن يرشّح كل طرف من يمثله للتفاوض، ويلتزم كلا الطرفين بما ينتهي إليه الحكمان من قرارات، فمثَّل أبو موسى الأشعري الخليفة علي، بينما كان عمرو بن العاص المفاوض عن معاوية.
واستمرت المفاوضات عدة أشهر، لتنتهي بتداعيات خطيرة، فقد اتفق الحكمان على خلع كل منهما صاحبه وترك الأمر شورى بين الأمة ، لكن عمرو بن العاص ثبَّت صاحبه معاوية. وأدرك الخليفة عليي خطورة الأمر، فسارع إلى جمع صفوفه من جديد، وبدأت الأمور تسير في اتجاه آخر، وأصبحت الدولة تتنازعها ثلاث زعامات هي :
أولاً : زعامة الكوفة (العراق)
وهي زعامة الخليفة علي، الذي يعتبر خليفة الأمة، وقد خسر قسمًا من جيشه.
ثانيًّا: زعامة النهروان (المحكمة)
وهي زعامة عبدالله بن وهب الراسبي، الذي بايعته جماعة المحكمة الذين رفعوا “لا حكم إلا لله” ورفضوا تحكيم الرجال في حكم سبق فيه حكم الله. وكانوا من رجال الخليفة علي يي بالأمس، لكن خرجوا من جيشه حينما قبل التحكيم وبعث بممثله أبي موسى الأشعري .
ثالثًا : زعامة دمشق والشام
وتتمثل في زعامة معاوية ، والي الشام ، التي تدعمت بعد قرار التحكيم .
شهدت الفترة التي أعقبت التحكيم تحولاً في مسار الأحداث لصالح زعامة الشام ، فقد وقع صدام بين الخليفة علي لي ورفاقه بالأمس من المحكمة عند النهروان، بعد رفضهم الانضمام إليه، ومبايعتهم إمامًا عليهم هو عبدالله بن وهب. وخسر كلا الطرفين جانبًا من قُوَّته، بينما أخذ معاوية يترقب الأحداث.
في عام ٤٠هـ قُتِلَ الخليفة علي ، وبايع أتباعه ابنه الحسن خليفة من بعده، لكن الأخير اتجه إلى التفاوض مع معاوية لحقن الدماء ، وانتهى الأمر بتنازله عن الخلافة، وأصبح معاوية بذلك خليفة الأمة الأوحد، وبدأ يوجه طاقات الجيوش
والقبائل نحو الفتوحات من جديد. وسمَّى العام بعام الجماعة.
اتسعت رقعة الدولة الجديدة فشملت أقاليم جغرافية متنوعة ، وحضارات وثقافات متباينة من فرس وروم وغيرهم، وأخذت بوادر التطور تغمر المجتمع الجديد، فظهرت تباينات واتجاهات مختلفة تجاه الموقف من الأنماط الحياتية الجديدة للمجتمع، الأمر الذي أدى إلى تنوع الثقافات وتعددها داخل الدولة ، فبدأت المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية تتباين آراؤها ، على الرغم من ارتباطها جميعًا بمصادر مشتركة .
معلومات هامة متعلقة بالدرس:
بلاد المغرب : مصطلح سياسي أطلق على البلاد التي تقع في الغرب من مركز الخلافة ، وذلك في العصر الإسلامي (الوسيط). وانقسمت بلاد المغرب إلى ثلاثة : المغرب الأدنى (تونس) ، المغرب الأوسط (الجزائر)، المغرب الأقصى (مراكش).
الفتنة: هي الظروف الصعبة التي تعرضت لها الدولة في نهاية خلافة عثمان بن عفان للاختلاف حول سياسته، واستمرت في
خلافة علي بن أبي طالب.
طرفا حرب صفيّن :
١- علي بن أبي طالب: خليفة الأمة المبايع بالخلافة عام ٣٥هـ نقل عاصمته للكوفة .
٢- معاوية بن أبي سفيان: والي الشام الذي تخلف عن البيعة للإمام علي، فاتجه إليه وتقابلا في صفين .