
ذو نواس يوسف أسار يثأر الحميري
يوسف أسار يثأر الحميري (توفي 530م) هو آخر ملوك الدولة الحميرية الشرعيين، ويعد أحد الشخصيات البارزة في التاريخ اليمني القديم. وُصل إلى الحكم في سنة 522م، وهو حكم خلال فترة حرجة شهدت العديد من النزاعات والصراعات، خصوصًا مع الأحباش الذين كانوا يحتلون أجزاءً من اليمن. على الرغم من قلة المصادر الأثرية التي تدعم إنجازات الملك يوسف، إلا أن بعض النقوش التي تم العثور عليها تشير إلى الحروب التي وقعت بينه وبين الأحباش، مما يعكس الصراع الكبير الذي خاضه هذا الملك من أجل الحفاظ على استقلال اليمن.
خلفية تاريخية
الملك يوسف أسار يثأر الحميري هو أحد الشخصيات التي ارتبطت بها أحداث هامة في تاريخ اليمن في فترة ما قبل الإسلام. في العصر الذي حكم فيه يوسف، كانت اليمن تحت وطأة الغزوات والفتن الداخلية. حكم يوسف في وقت كان فيه الحبشيون قد استولوا على أجزاء من اليمن، بما في ذلك العاصمة الحميرية ظفار يريم. وقد شهدت تلك الفترة نزاعات مستمرة على السلطة بين الأقيال (الزعماء المحليين) وحكام الدولة المركزية. كما أن ضعف السلطة المركزية في تلك الفترة جعل بعض الأقيال يناهضون الملك، مما سهل للأحباش التوسع في أراضي اليمن.
بداية حكم يوسف
وصل يوسف إلى الحكم في 522م، وعُرف بمقاومته الشديدة للغزاة الأحباش الذين كانوا يحتلون العديد من المناطق اليمنية. تشير النقوش الأثرية التي تم اكتشافها في مناطق نجران إلى حروب وقعت بينه وبين القوات الحبشية، ولكن لم تُذكر تفاصيل واسعة عن إنجازاته بسبب قلة المصادر المتوفرة. اللافت في النقوش هو أنه لم يُلقب باللقب الملكي الطويل المعتاد في ذلك الوقت، مما يشير إلى أن سلطانه كان محدودًا وكان ملكه قاصرًا على مناطق معينة فقط من اليمن.
الحروب مع الأحباش
قامت قوات يوسف أسار يثأر الحميري بحملات عسكرية ضد الأحباش في عدة مناطق، بما في ذلك ظفار، المخأ، ونجران. تشير النقوش التي عُثر عليها إلى أن الملك يوسف قام بتدمير كنائس الأحباش في هذه المناطق، وكان يشير إلى تصديه الشجاع للحملة الحبشية. وبحسب النقوش، فإن يوسف أسار يثأر قتل نحو 12,000 حبشي، وأسر 11,000 آخرين، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الماشية التي غنمها. كان يقيم في “حصن المندب”، وهو موقع على البحر الأحمر بالقرب من باب المندب، مما يعكس استراتيجيته في التصدي للقوات الحبشية.
الحملة الحبشية الثانية
في عام 523م، شن الأحباش بقيادة ملكهم “النجاشي” حملة عسكرية أخرى على اليمن بهدف القضاء على مقاومة يوسف الحميري. ودارت معركة عنيفة على الساحل اليمني، حيث لجأ الملك يوسف إلى الجبال للتحصن. ومع ذلك، انهزم جيش حمير أمام القوات الحبشية، مما أدى إلى مقتل يوسف حسب بعض المصادر. في حين أن بعض الروايات تشير إلى أنه فرّ إلى البحر، حيث قفز في البحر وغرق.
بعد وفاة يوسف
بعد وفاة يوسف، أصبح حكام الحبشة يشيرون إلى سيطرتهم على اليمن عبر النصوص التي تناولت الفتوحات الحبشية. ووفقًا للمصادر التاريخية، عُين “سميفع أشوع” من حمير ملكًا جديدًا على اليمن من قبل الحبشة. وبذلك، بدأ العصر الذي استمرت فيه السيطرة الحبشية على أجزاء من اليمن حتى تدخل أبرهة الحبشي، الذي قاد حملات واسعة ضد سكان اليمن.
الفتح الحبشي وصراع الأقيال
أبرهة الحبشي كان أحد القادة البارزين الذين خدموا في اليمن تحت حكم الحبشة، وقد أعلن نفسه ملكًا على اليمن. بعد وفاة يوسف، شهدت المنطقة صراعًا بين قوات أبرهة، التي تدعمه قبائل مختلفة مثل الأقيال من حضرموت وكندة، وبين القوى المقاومة التي ظلت تعمل من الجبال. لقد تمسكت العديد من القبائل في اليمن بما كانت عليه من استقلالية، لكن مع تقدم الحملة الحبشية، بدأ الوضع يتدهور.
قصة نجران
أحد أبرز الأحداث التي ارتبطت باسم يوسف أسار يثأر هي حادثة الأخدود الشهيرة التي حدثت في نجران. بحسب المصادر العربية والمسيحية، قام الملك يوسف بحفر أخاديد كبيرة وألقى فيها النصارى الذين رفضوا العودة إلى اليهودية، وكان هذا الفعل جزءًا من حملاته لتوسيع سلطته الدينية والسياسية. كان يُعرض على النصارى في نجران بين القتل أو التحول إلى اليهودية، وأدى ذلك إلى مذبحة كبيرة راح ضحيتها العديد من المؤمنين. تختلف الروايات حول عدد الضحايا، حيث قدرت بعضها العدد بعشرات الآلاف.
تدخل الإمبراطورية الحبشية
في 525م، أرسل الإمبراطور الحبشي “النجاشي” جيشًا ضخمًا بقيادة “أبرهة” لدعم المسيحيين في اليمن، وإيقاف الاضطهاد الذي كان يمارسه يوسف ضد النصارى. ومع تدخل الجيش الحبشي، تمت الإطاحة بالملك يوسف الحميري بعد هزيمته في معركة ساحلية، وفقًا لبعض المصادر التاريخية. بعد هذه الهزيمة، قامت الحبشة بتعيين أحد القادة المحليين، “أبرهة”، ليكون الحاكم الجديد لليمن.
التحولات الدينية والزعامة
بمقتضى هذه التحولات، تم تأسيس حكم الحبشة في اليمن، وكانت الدولة الحميرية قد فقدت استقلالها بشكل كامل. وارتبطت هذه الأحداث بانتشار المسيحية في المنطقة، حيث أصبح أبرهة هو الملك المسيحي الذي حكم اليمن. وكان له دور في بناء كنيسة “القليس” في صنعاء، التي كانت بمثابة مكان للعبادة للمسيحيين في اليمن. وقد اشتهر أبرهة بمحاولاته لتدمير الكعبة في مكة في عام 570م، وهي الحملة التي انتهت بالفشل.
المصادر التاريخية
تعد الروايات الإسلامية والمسيحية والسريانية المصدر الرئيسي الذي يعتمد عليه المؤرخون لفهم فترة حكم يوسف أسار يثأر الحميري والأحداث التي شهدها اليمن في تلك الحقبة. بعض المؤرخين اليونانيين والسريان، مثل بروكوبيوس القيسراني، رووا تفاصيل حملات الحبشة ضد يوسف الحميري، وتحدثوا عن آثار هذه الفتوحات على المنطقة.
الخاتمة
يُعتبر يوسف أسار يثأر الحميري ملكًا مثيرًا للجدل، حيث ترك إرثًا من المعارك الدموية ضد الأحباش والنصارى. ورغم قلة المصادر الأثرية التي تدعم قصته، إلا أن الحروب التي خاضها، والفتن التي اجتاحت اليمن في عهده، جعلت من قصته جزءًا مهمًا من التاريخ العربي القديم.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30502