
الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية
الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية هي إحدى المؤسسات الحكومية الرائدة في مصر، وتعتبر من أقدم وأهم الهيئات التي أسسها محمد علي باشا في إطار جهود تطوير مصر خلال القرن التاسع عشر. لعبت الهيئة دورًا محوريًا في مسار النهضة الثقافية والتعليمية، حيث ساهمت في نشر المعرفة وتوفير المطبوعات التي كانت تُستخدم في التعليم والإدارة الحكومية. وعُرفت المطابع الأميرية منذ إنشائها بقدرتها على طباعة الكتب القانونية والعسكرية والدينية، مما جعلها أداة أساسية في يد الدولة لبناء نهضة تعليمية وثقافية شاملة.
تاريخ إنشاء الهيئة
تأسست الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية في عام 1820م على يد محمد علي باشا، وكان ذلك ضمن سلسلة من الإصلاحات التي سعى محمد علي باشا إلى تنفيذها من أجل تحديث مصر وتحويلها إلى دولة حديثة قادرة على التنافس مع القوى الكبرى في ذلك العصر. وقد كان من أهم الإصلاحات التي قام بها محمد علي باشا إنشاء المؤسسات التعليمية والصناعية، وكان من أبرزها مطبعة بولاق، التي تعتبر بداية تأسيس الهيئة.
في البداية، كانت تسمى المطبعة بـ”مطبعة بولاق”، وذلك نسبةً إلى منطقة بولاق في القاهرة، حيث كانت تقع المطبعة. وقد تم بناء المطبعة بهدف طباعة الكتب التي يحتاجها الجيش المصري في الحروب، بالإضافة إلى الكتب الإدارية التي كانت تدير شؤون الدولة. ورغم أن المطبعة بدأت في طباعة الكتب العسكرية بشكل رئيسي، إلا أن محمد علي باشا كان يطمح إلى تطويرها لتصبح مركزًا لإنتاج كافة أنواع الكتب الثقافية والعلمية، وهو ما تحقق في السنوات اللاحقة.
تطور المطبعة الأميرية
مرت المطبعة الأميرية بعدة مراحل من التطور، ففي عام 1821م، تم افتتاح مطبعة بولاق رسميًا في عهد محمد علي باشا. وقد كان الهدف من المطبعة هو الاستفادة من أحدث التقنيات في الطباعة التي كانت تُستخدم في أوروبا، وخاصة في إيطاليا. وعليه، قام محمد علي باشا بإرسال بعثة إلى مدينة ميلان الإيطالية لدراسة أساليب الطباعة الحديثة التي كانت تُستخدم هناك. وقد تم طباعة أول كتاب في مطبعة بولاق في عام 1822م، وهو معجم عربي-إيطالي.
ومع مرور الوقت، توسعت أنشطة المطبعة لتشمل طباعة الكتب الأدبية والعلمية، فضلاً عن الكتب المدرسية. وبذلك أصبحت المطبعة الأميرية أداة رئيسية لنشر الثقافة والمعرفة في مصر والدول العربية. لم تقتصر إسهامات المطبعة على مصر فقط، بل أصبحت مصدرًا مهمًا للطباعة في مختلف أنحاء العالم العربي. وعلى الرغم من أن المطبعة كانت في البداية تحت إشراف الدولة فقط، إلا أن عددًا من الأدباء والعلماء المصريين والعرب استفادوا منها لنشر مؤلفاتهم.
في الفترة من عام 1862م حتى عام 1880م، حدثت عدة تغيرات في ملكية المطبعة. فقد قدم محمد سعيد باشا المطبعة هدية إلى عبد الرحمن بك رشدي، ثم اشتراها الخديوي إسماعيل باشا وضمها إلى أملاك الدائرة السنية. وفي عام 1880م، عاد قصر المطبعة ملكًا للدولة في عهد الخديوي توفيق، وهو ما عزز دور الدولة في إشرافها على المطبعة ودعمها لتكون أداة من أدوات النهضة الثقافية في البلاد.
المرحلة الحديثة: تأسيس الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية
في عام 1956، وبعد ثورة يوليو 1952م وتحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر، تم إصدار قرار بقانون رقم 312 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية. وقد تم إلحاق الهيئة بوزارة الصناعة، وهي خطوة تهدف إلى تحسين وضع المطابع وتوفير الإمكانيات اللازمة لها للقيام بدورها في دعم حركة الثقافة والتربية والتعليم في مصر.
وبموجب هذا القانون، تم بناء مقر جديد للهيئة في منطقة إمبابة على مساحة قدرها 35,000 متر مربع تقريبًا، وذلك لتوفير مساحة كافية لاستيعاب التطورات التي شهدتها عملية الطباعة. كما تم تزويد الهيئة بأحدث المعدات والآلات من أجل تحسين إنتاج المطبوعات وتحقيق أعلى جودة ممكنة. وقد بدأت الهيئة في العمل على نشر الكتب والمجلات الحكومية، فضلاً عن إصدار الصحف الحكومية التي كانت تُعتبر المصدر الرئيسي للمعلومات في تلك الفترة.
في عام 1973، افتتحت الهيئة مقرها الجديد في عهد الرئيس أنور السادات. وكان الافتتاح يشير إلى أهمية المطابع الأميرية في دعم خطط التنمية الثقافية والتعليمية في مصر. وفي هذا العام، كان المقر الجديد للمطبعة يحتوي على أحدث الآلات وأكثرها تطورًا، مما ساعد الهيئة على تلبية احتياجات الدولة في مجال الطباعة والإنتاج الثقافي.
المطبوعات والإصدارات
تعد الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية مسؤولة عن العديد من المطبوعات المهمة التي تعتبر جزءًا أساسيًا من تاريخ مصر الحديث. من أبرز المطبوعات التي تصدرها الهيئة:
- الجريدة الرسمية: تعتبر الجريدة الرسمية للدولة المصرية، حيث تُنشر فيها القوانين والقرارات الرسمية والبلاغات الحكومية. وتصدر الجريدة الرسمية كل يوم خميس.
- الوقائع المصرية: هي أقدم صحيفة مصرية، وتصدر يوميًا كملحق للجريدة الرسمية، باستثناء أيام الجمع والعطلات.
- المطبوعات الحكومية: تشمل هذه الفئة الكتب القانونية، التقاويم، والمصحف الشريف. وتعمل الهيئة على طباعة الكتب الرسمية التي تحتاجها الحكومة لإدارة شؤون البلاد.
دور الهيئة في التطور الثقافي
كان لدور الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية أهمية كبيرة في تعزيز الثقافة والتعليم في مصر. فقد كانت الهيئة تساهم في نشر الوعي الثقافي بين المواطنين من خلال المطبوعات المختلفة التي كانت تُوزع في المدارس والمكتبات العامة. كما كانت الهيئة تدعم عملية نشر الأدب العربي والعالمي، إذ طُبعت العديد من الكتب والمجلات الثقافية التي ساهمت في نشر الفكر العربي الحديث.
علاوة على ذلك، كانت الهيئة تصدر العديد من الإصدارات التي تختص بالثقافة المصرية، مثل كتب التاريخ والفنون والموسوعات العلمية. وقد كانت هذه الإصدارات تمثل مرجعًا مهمًا للباحثين والطلاب في مصر والعالم العربي.
التحديات التي واجهتها الهيئة
على الرغم من أن الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية كانت من أهم المؤسسات الثقافية في مصر، إلا أنها لم تخلو من التحديات. فقد تعرضت الهيئة لعدة أزمات اقتصادية على مر السنين، حيث كانت تواجه مشاكل في توفير الأموال اللازمة لتطوير معداتها والقيام بمشاريع جديدة. كما كانت تتعرض لضغوط سياسية، حيث كان لها دور في نشر الفكر الحكومي والنظام السياسي الحاكم، مما جعلها عرضة للتأثيرات السياسية من الحكومة.
ومع ذلك، كانت الهيئة قادرة على تجاوز هذه التحديات بفضل الدعم الحكومي المستمر، الذي ساعد في تحسين وضعها المالي ورفع كفاءتها التشغيلية. وقد ساهمت الهيئة في تعزيز الهوية الثقافية المصرية ونشر الأدب العربي المعاصر، مما جعلها أحد ركائز الثقافة في مصر.
أهمية الهيئة في المستقبل
من المتوقع أن تستمر الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية في لعب دور محوري في قطاع الطباعة والنشر في مصر. ومع التقدم التكنولوجي السريع، أصبح من الضروري أن تواكب الهيئة هذه التطورات من خلال استخدام التقنيات الحديثة في الطباعة والنشر. وستظل الهيئة واحدة من المؤسسات الثقافية الرائدة في العالم العربي، حيث تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التراث الثقافي ونشر المعرفة.
تعد الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية من أبرز المؤسسات الثقافية في مصر التي ساهمت في نشر الفكر العربي الحديث وتعزيز الثقافة والتعليم في البلاد. ورغم التحديات التي واجهتها، إلا أن الهيئة استطاعت أن تحافظ على مكانتها كأداة رئيسية في نشر المعرفة وتطوير الثقافة في مصر والعالم العربي.
الرابط المختصر للمقال: https://bayanelm.com/?p=30496