العلاقات الدولية لعمان في عصر دولة البوسعيد
اهتم حكام دولة البوسعيد اهتماماً خاصا بإقامة العلاقات الدولية مع دول العالم المختلفة، وذلك حرصاً منهم على تقوية الروابط وتبادل المصالح المشتركة، ومن أبرز هذه العلاقات:
أولاً : علاقات عمان بالدولتين الفارسية والعثمانية :
اتسمت العلاقات العمانية الفارسية بالتنافس من أجل الحصول على السيادة البحرية، وقد كان التنافس التجاري واضحاً بين الموانئ العمانية والفارسية على التجارة القادمة من الهند وشرقيّ أفريقيا، إلا أن ذلك لم يؤثر على التواصل الحضاري والعلاقات الثنائية بين الطرفين، فقد استأجرت حكومة السيد سعيد بن سلطان الموانئ الفارسية مثل (بندر عباس) مقابل مبلغ سنوي، وهذا يؤكد أن هناك علاقات سلمية وتجارية بینهما.
كما ارتبطت عمان بعلاقات حسنة مع الدولة العثمانية، فعندما نجح الأسطول العماني في تحرير البصرة التي كانت خاضعة للدولة العثمانية ، قررَ السلطان العثماني مصطفى الثالث صرف مكافأة سنوية للإمام أحمد تدفع له من خزينة الدولة ، فتوثقت العلاقة بين عمان والدولة العثمانية .
ثانياً: علاقة عمان بالهند :
تمّيز العمانيون بخبرتهم البحرية وأسطولهم التجاري الكبير، الذي مكَّنهم من تنشيط الحركة التجارية مع دول المحيط الهندي ، فقد نشطت العلاقات التجارية بين عمان والهند، عندما عمل الإمام أحمد بن سعيد على تأمين الطريق التجاري البحري المؤدي إلى الهند، بإرساله حملة تأديبية للقضاء على القراصنة الذين كانوا يعترضون السفن التجارية القادمة إلى عمان من منطقة بنجلور بالهند ، وقد أسعد ذلك حاكم بنجلور «سيبوا صاحب» الذي أرسل بدوره هدية ثمينة إلى الإمام أحمد بن سعيد تقديراً لجهوده في تأمين الطرق التجارية البحرية بين عمان والهند ، وترسخت العلاقات السياسية والاقتصادية بين عمان والهند فيما بعد ولاسيما في عهد السيد سعيد بن سلطان، فكانت السفن العمانية تحمل إلى الهند البضائع التجارية مثل اللؤلؤ والبخور واللبان والفواكه المجففة والأعشاب الطبية ، وفي عودتها إلى مسقط كانت تجلب الأرز والأنسجة القطنية والصوف ، وخشب الصندل والمسك والكافور.
ثالثاً: علاقات عمان بفرنسا وبريطانيا:
حرصت عمان في عصر دولة البوسعيد -خاصة في عهد السيد سلطان بن أحمد والسيد سعيد بن سلطان- على إقامة علاقات سياسية واقتصادية متوازنة مع كل من فرنسا وبريطانيا، فتوسعت دائرة العلاقات الودية الخارجية لعمان نظرا لرغبة هذه الدول في الاتفاق مع عمان لحماية سفنها واتخاذ مسقط مركزا للحفاظ على مصالحهما التجارية. وقد تمثلت هذه العلاقات في الآتي:
١- توقيع شركة الهند الشرقية الإنجليزية مع السيد سلطان بن أحمد، معاهدة تجارية عام ١٧٩٨م تسمح بإنشاء وكالة تجارية لها في بندر عباس، وبعد عامين أصبح للشركة المذكورة ممثلا في مدينة مسقط.
٢- إنشاء قنصلية فرنسية في مسقط.
٣- أُبرمت في عهد السيد سعيد بن سلطان الكثير من الاتفاقيات الدولية، فعقد اتفاقا مع بريطانيا عام ١٨٣٩م وفرنسا عام ١٨٤٤م. وتكمن أهمية هذه الاتفاقيات في التركيز على تنظيم التبادل التجاري، وتعزيز العلاقات الودية بين عمان وبريطانيا وفرنسا.
٤- زارت السفينة العمانية كارولين ميناء مرسيليا الفرنسي عام ١٨٤٩م حاملة الكثير من بضائع الشرق.
رابعاً: علاقة عمان بشرقيّ أفريقيا في عصر الدولة البوسعيدية:
ارتبطت عمان وشرقي أفريقيا منذ أقدم العصور بصلات سياسية واقتصادية وثقافية، وازدهرت هذه العلاقات في عصر الدولة البوسعيدية لا سيما في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي مدَّ النفوذ العماني على طول الساحل الشرقيّ لأفريقيا (من رأس غردافي شمالاً إلى موزمبيق جنوباً) ثم إلى أواسط القارة الأفريقية. وفي عام ١٨٣٢م اتخذ من زنجبار عاصمة ثانية لدولته وهو ما جعلها مركز إشعاع حضاري للقارة الأفريقية. ويعد الوجود العماني في شرقيّ أفريقيا في عصر الدولة البوسعيدية وجوداً حضارياً من حيث :
١- القيم الحضارية والإنسانية العالية التي اتصف بها العمانيون كالصدق والأمانة والتسامح وهو ما أكسبهم ودّ الأهالي، وساعدهم ذلك على الاندماج مع السكان وتشكيل مجتمع جديد، وبناء حضارة متقدمة .
٢- عمق التأثيرات الحضارية التي خلَّفها العمانيون التي لا تزال قائمة حتى اليوم ، في منطقة شرقيّ أفريقيا ، ومن أبرزها :
أ – انتشار الاسلام في المنطقة.
ب – تأثر اللغة السواحلية بالكثير من المفردات العربية، وهي نتاج تفاعل اللغة العربية مع اللغات المحلية .
ج – انتشار بعض العادات والتقاليد الاجتماعية العمانية في مجال الزي (الدشداشة مثلاً) ووجود المجالس (السبلة).
٣- تطور الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لشرقيٍّ أفريقيا في عهد البوسعيديين حيث انتقلت زنجبار من جزيرة متواضعة لتصبح مركزاً سياسياً واقتصادياً.
خريطة مناطق الامتداد الحضاري العماني في الساحل الشرقي لأفريقيا
خامساً : علاقة عمان بالولايات المتحدة الأمريكية:
لقد قامت العلاقات بين عمان والولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الثلاثينات من القرن التاسع
عشر الميلادي، لأهمية موقعها، وشهرة صادراتها من السلع الأفريقية، التي عدت عامل جذب لكثير من الدول. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة هذه الدول حيث تطلعت إلى فتح أسواق لها في زنجبار .
ففي سبتمبر ١٨٣٣م أبرمت أول اتفاقية بين السيد سعيد بن سلطان والولايات المتحدة الأمريكية وبموجب هذه الاتفاقية :
١- نظمت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين.
٢- تمتع الأمريكيون بامتيازات اقتصادية، فقد أصبح التجار الأمريكيون يتاجرون داخل أراضى
الإمبراطورية مقابل ٥٪ فقط كرسوم على البضاعة التي يصدِّرونها.
وتعزيزاً للعلاقات السياسية والتجارية بين الإمبراطورية العمانية والولايات المتحدة الأمريكية،
بعث السيد سعيد بن سلطان سفينته المسماة (سلطانة) في رحلة إلى نيويورك عام ١٨٤٠م، حيث اختار لهذه المهمة أحمد بن النعمان الكعبي ليكون مبعوثاً شخصياً له في الولايات المتحدة ، ولقد حمل مبعوثه هدايا للرئيس الأمريكي تتمثل في جوادين عربيين، وبعض الجواهر، وسيف مطعم بالذهب . كما أهدى الرئيس الأمريكي للسيد سعيد باخرة كبيرة
وكمية من الأسلحة الخفيفة .