تاريخ

اصول الحضارة الاسلامية وخصائصها

اصول الحضارة الاسلامية وخصائصها

شهد التاريخ قيام حضارات إنسانية متعددة ، سبقت الحضارة الإسلامية ، وكان لكل حضارة من هذه الحضارات أصول انبثقت منها، وخصائص تمیّزت بها. فأصول الحضارة تكشف لنا الأسس التي كونت منظومة الحضارة، وساعدتها على الانطلاق للإبداع في مجالات الحياة المختلفة ، أما الخصائص فتظهر بعد أن تتشكل الحضارة، ويكون لها نتاج حضاري واسع، وهذه الخصائص تظهر في صورة سمات حضارية تتميز بها، وتكون علامة دالة عليها.
والحضارة الإسلامية أحد تلك الحضارات الإنسانية التي أبدعت في شتى مجالات الحياة، وقد ساعدها على ذلك الإبداع أنها قامت على أصول راسخة، مكنتها من التميُّز بين الحضارات الأخرى، وهذا ما سنتناوله فيما يأتي.

أصول الحضارة الإسلامية

للحضارة الإسلامية أصول تفاعلت معها، وأثمرت بكل مظاهرها الحضارية، وبعض هذه الأصول مستمدة من البُعد الديني واللغوي لهذه الحضارة، وهما: الإسلام واللغة العربية، بينما تنبع أصول أخرى من الحضارات التي تأثر بها المسلمون في تفاعلهم معها، وتتمثل أصول الحضارة الإسلامية، فيما يأتي:

1- الاسلام:

يعدُّ الإسلام المصدر الأساسي الذي رسم نمط الحياة الجديدة للمجتمع في ظل الحضارة الإسلامية، فعلى مبادئه وأسسه قامت تلك الحضارة، وبفضله خرج المسلمون إلى أقطار العالم المعروفة آنذاك، متمسكين بتلك المبادئ والأسس ، متمثِّلين قول الله تعالى:

﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ ِبالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
(سورة آل عمران، الآية ١١٠)

ومن أبرز هذه المبادئ والأسس التي جاء بها الإسلام:
أ) اعتبار الإنسان أشرف مخلوقات الله سبحانه وتعالى بفضل ما أودعه فيه من عقل؛ فسخَّر له الكون لخدمته وتطوير حياته نحو الأفضل؛ لذلك حثه على التأمل والتفكر في خلق السماوات والأرض، وقد أدى ذلك إلى ازدهار العلوم الكونية، وانتشار المذاهب الفكرية.
ب) رفض الإسلام التعصب بمختلف أشكاله، وما ينطوي عليه من أفكار واتجاهات سلبية، وأكد الإسلام على
وحدة الأمة.
ج) الإسلام دين تسامح وعدالة ومساواة، وهذه المبادئ شجعت الشعوب على الدخول في الإسلام ، وهو ما أتاح لها الفرصة للإسهام إلى جانب العرب في بناء الحضارة الإسلامية.

2- اللغة العربية:
هي من الروابط الأساسية لأبناء الأمة، وهي لغة القرآن الكريم، ووسيلة التفاهم والاتصال الفكري، وعندما انطلق العرب المسلمون يحملون رسالة الإسلام، اتصلوا بحضارات أخرى فتطورت لغتهم الأم، بحيث استوعبت المعطيات الحضارية الجديدة ، فظهرت ألفاظ مشتقة ومكتسبة، تعكس مظاهر الحياة الجديدة.
ولقد حظيت اللغة العربية بمنزلة كبرى، فكانت سجلاً لأنساب العرب وتاريخهم، وغدا الشعر العربي ديوان أخبارهم، وسجل أحداثهم، وللعرب حظ موفور في الأمثال والحكم والأقوال المأثورة، فاعتنى العلماء والأدباء بجمعها في كتب خاصة؛ لأنها تعكس نظرة العرب إلى الحياة وتجاربهم فيها. وعندما ظهر الإسلام حفظ اللغة العربية وأضاف إليها إمكانات واسعة في التعبير والأداء، وقدرة واضحة على الاشتقاق، فأصبحت بذلك وعاء الحضارة وأداة نقلها إلى العالم الخارجي.

3- تفاعل الحضارة الإسلامية مع الحضارات الأخرى :
اتصل المسلمون بتراث الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية وبنتاج الحضارات المعاصرة لها، ومن أهم الحضارات التي تفاعلت معها الحضارة الإسلامية:

خريطة الحضارات القديمة

١- الحضارة الإغريقية:
وهي من الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية، والإغريق أمة عريقة في الفلسفة والعلوم والأدب، وقد كان اتصال العرب بالإغريق قديمًا، نتيجة موقع الجزر اليونانية على البحر المتوسط من جهة، وخضوع بلاد الشام ومصر لحكم الإنغريق أيام تُوَّاب الإسكندر المقدوني من جهة أخرى، فازدهرت الحضارة الإغريقية في تلك المناطق، وامتزجت مع الثقافات الشرقية السائدة في ذلك الوقت، ونتج عن هذا الامتزاج حضارة أطلق عليها اسم الحضارة الهيلينستية، وهي حضارة ذات أصول إغريقية وشرقية متداخلة، وقد استفاد المسلمون مما تركته هذه الحضارة من تراث حضاري، ومن مظاهر تلك الاستفادة ترجمة بعض الكتب الفلسفية والعلمية.

٢- الحضارة البيزنطية:
قبل ظهور الإسلام خضعت بلاد الشام ومصر وشمالي إفريقيا للإمبراطورية الرومانية الشرقية (الدولة البيزنطية)، وكانت تلك الدولة تدين بالنصرانية، وقد امتزجت الحضارة البيزنطية بالحضارة الإغريقية وتفاعلت معها، فاستفاد المسلمون من الحضارة البيزنطية بالتواصل معها بعد فتح الشام ومصر وشمال إفريقيا في الجوانب العسكرية كالتحصينات الدفاعية، والجوانب الإدارية كإدارة الأقاليم.

٣- الحضارة الفارسية:
كان العرب على اتصال بالحضارة الفارسية قبل ظهور الإسلام، وذلك عن طريق التجارة، والدويلات العربية التي قامت على أطراف الجزيرة العربية مثل إمارة الحيرة، والفرس أمة ذات حضارة قديمة ازدهرت زمن الدولة الساسانية، وعندما ظهر الإسلام، وفتحت البلاد التي كانت تخضع للدولة الساسانية، اعتنق الفرس الإسلام، وبدا تأثيرهم واضحًا في الحياة العامة، لا سيما في عصر الدولة العباسية؛ حيث أسهموا فى الحركة العلمية فى مختلف المجالات.

٤ – الحضارة الهندية:
اتصل المسلمون بالحضارة الهندية بصورة مباشرة عندما فتحوا أطراف إقليم السند على يد محمد بن القاسم الثقفي عام (٩٤هـ/٧١١م). والهند بلد ذو حضارة علمية ونشاط اقتصادي كبير، وقد أفاد المسلمون من منجزات هذه الحضارة وصناعاتها
ومنتجاتها كالسيوف والتوابل.

وقد تمت عملية التفاعل بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى من خلال ما يأتي:
١- دخول سكان البلاد المفتوحة في الإسلام:
وترتب على ذلك أن انتقل تراث هذه الأمم إلى الحضارة الجديدة، وساعد في عملية الانتقال والتفاعل ذلك المناخ الإيجابي المميز بالعدل والمساواة، والذي حرص المسلمون الفاتحون على توفيره في البلدان المفتوحة.

٢- اختلاط العرب المسلمین بالسكان الأصليين:
وهذا أتاح للعرب فرصة الاطلاع على منجزات الآخرين، وبالتالي الأخذ منها والتأثر بها، وكان لاستقرار العرب في المناطق المفتوحة أثره الكبير في التفاعل الحضاري بين العرب وغيرهم، ومن الأمثلة على ذلك أن الأمصار (المدن) التي أنشئت بعد الفتح للأغراض العسكرية مثل: البصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان، أصبحت مراكز ثقافية مزدهرة، واختلط بها العرب مع غيرهم من سكان البلاد الأصليين.

٣- الاستقرار بالمراكز الثقافية القديمة:
استقر العرب بالمراكز الثقافية القائمة في البلاد المفتوحة، مثل: الإسكندرية، ودمشق، وحلب، والرها، وأنطاكية، فأصبحت هذه المدن مراكز إشعاع للدين الإسلامي، ومراكز نقل للثقافات المعاصرة إلى حملة الدین الجدید.

٤- الترجمة :
ندما انتشر الإسلام، واستقرت دولته، بدأت حركة الترجمة للتراث الإنغريقي، وظهرت بوادر هذه الحركة في العصر الأموي، ولكنها بلغت أوجها في العصر العباسي؛ وذلك بفضل تشجيع الخلفاء ورعايتهم، وكثيرًا ما أوفد الخلفاء العباسيون الوفود إلى القسطنطينية – عاصمة الدولة البيزنطية – لإحضار الكتب من أجل ترجمتها إلى اللغة العربية. ومن الجدير بالذكر أن العرب لم يكتفوا بمجرد النقل أو الترجمة من اليونانية إلى العربية، بل أضافوا وحذفوا وابتكروا، وصقلوا كثيرًا من الأفكار، وصححوا كثيرًا من النظريات.

خصائص الحضارة الإسلامية
تجمعت للحضارة الإسلامية خصائص جعلتها حضارة متفردة عن غيرها من الحضارات، وأهم هذه الخصائص:

١- الحضارة الإسلامية حضارة إيمانية أخلاقية:

نظرًا إلى أن الإسلام مكوِّن أساسي للحضارة الإسلامية فإنَّه يدعو إلى الإيمان بالله، والالتزام بالأخلاق الإسلامية في جميع منطلقاتها ومظاهرها؛ لأن الإسلام لا ينظر إلى الحياة على أنها الغاية الأسمى والمثل الأعلى، وإنما على أنها مرحلة لابد من اجتيازها بمنتهى الإيجابية والاستقامة.

٢- الحضارة الإسلامية حضارة شاملة ومتوازنة:

شملت الحضارة الإسلامية جميع جوانب الحياة الروحية والماديّة، ووازنت بينها في اعتدال، فلا إفراط ولا تفريط؛ فكما أن الإسلام قد أوجب على المسلم فرائض يؤديها وحدودًا لا يتجاوزها، أتاح له كذلك الاستمتاع بالمباح من ملذات الحياة ومتعها.

٣- الحضارة الإسلامية حضارة منفتحة ومبدعة:
تعدُّ الحضارة الإسلامية من أعظم الحضارات التي عرفها العالم؛ بسبب الدور الذي أدته في تاريخ الإنسانية فقد التقت بها حضارات كثيرة متباعدة، ونجحت الحضارة الإسلامية في اختيار العناصر الصالحة من هذه الحضارات، ثم مزجت بينها، ولم تكتفِ بالنَّقل منها، بل استوعبت منجزاتها الحضارية.

٤- الحضارة الإسلامیة ذات طابع إنساني:

الإنسان محور الحضارة الإسلامية، فهو الهدف من الرخاء والإنتاج، ومن أجل راحته كان العمل والإبداع، ولقد كان الإسلام هو المحرك الأساسي في هذا التوجه الإنساني؛ فهو يشدد على أهميته ومکانته، ويحارب كل دعوة عنصرية.

مواضيع مشابهة

الملامح الحضارية للتواجد العماني في شرق افريقيا

bayanelm

صناعة السفن العمانية القديمة وانواعها

bayanelm

عالمنا نحو مستقبل مشرق للانسانية

bayanelm