
سؤال يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، لكنه يكشف عن طبقات عميقة من التناقضات داخل إمبراطورية صاعدة كالصين.
فكيف لرئيس دولة تنافس الولايات المتحدة على زعامة العالم أن يستخدم طائرة أمريكية الصنع كوسيلة تنقّل رئاسية؟
البداية: منذ 2013
منذ توليه الرئاسة عام 2013، اعتاد الرئيس الصيني شي جين بينغ السفر في زياراته الرسمية على متن طائرة بوينغ 747-400. لكن هذه الطائرة ليست نسخة عادية، إذ تخضع قبل دخولها الخدمة لتفكيك كامل وفحوصات أمنية وتعديلات جذرية تُجريها وحدات متخصصة داخل الصين، لضمان السيطرة الكاملة على أنظمة الطائرة ومنع أي احتمال للاختراق أو التجسس.
لماذا ليست طائرة صينية؟
الإجابة تكمن في عاملين أساسيين: الأمن والاعتمادية.
- طائرة بوينغ 747 أثبتت لعقود أنها واحدة من أكثر الطائرات أمانًا واعتمادية.
- في المقابل، الطائرات الصينية مثل COMAC C919 لا تزال في بدايات اعتمادها التجاري، وتعتمد بشكل كبير على مكونات غربية:
- محركات من شركة CFM الأمريكية-الفرنسية.
- أنظمة ملاحة واتصالات أوروبية وأمريكية.
- شهادات الاعتماد الفني من هيئات غير صينية.
وبالتالي، لا يمكن للصين المخاطرة بأمن أعلى شخصية سياسية لديها باستخدام منصة لم تثبت جدارتها بعد.
التعديلات الصينية: “أمريكية من الخارج.. صينية من الداخل”
بعد شراء الطائرة، تُرسل إلى وحدات خاصة تابعة للجيش الصيني، حيث تُجرى تعديلات واسعة تشمل:
- تغيير أنظمة الاتصالات وتشفيرها بالكامل.
- تركيب أنظمة تشويش إلكتروني.
- تجهيز غرفة عمليات مغلقة.
- فصل جناح الرئيس عن أي حركة داخل الطائرة.
بل إن المخابرات الصينية تقوم بتفكيك شامل للطائرة فور استلامها، خوفًا من “بوابات خلفية رقمية”، وقد أُثيرت تقارير سابقة عن العثور على أجهزة مشبوهة بالفعل.
الهيبة السياسية والواقعية الاستراتيجية
بالنسبة للصين، المسألة لا تتعلق فقط بالتقنية، بل بالرمزية أيضًا.
- بوينغ 747 تُظهر الهيبة أمام الإعلام الدولي، وهي الطائرة نفسها التي تستخدمها الولايات المتحدة في “إير فورس وان”.
- هذا يمنح صورة ندية: زعيم الصين يصل إلى قمة دولية على متن طائرة تضاهي طائرة الرئيس الأمريكي.
الصين تدرك أن الوقت لم يحن بعد للاعتماد على طائرة محلية بالكامل، لكنها تعمل بخطة طويلة الأمد عبر مشروعات مثل CR929 المشترك مع روسيا، بهدف تطوير طائرة رئاسية محلية في المستقبل.
تناقض أم براعة استراتيجية؟
هذا التناقض يعكس صورة أوسع:
- الصين تعلن رفضها للهيمنة الغربية، لكنها ما زالت تعتمد على الغرب في القطاعات الأكثر حساسية: الطائرات، الشرائح الإلكترونية، المحركات.
- قد يراه البعض ضعفًا في خطابها، بينما يراه آخرون واقعية استراتيجية: التدرج في تقليل الاعتماد على الخارج دون التضحية بالهيبة أو الأمن.
مقارنة عالمية
- أمريكا: طائرة بوينغ معدلة خصيصًا، لا مثيل لها.
- روسيا: تعتمد على طائرات Il-96 المعدلة.
- الهند: استخدمت بوينغ معدلة لأسباب مماثلة.
- ألمانيا وفرنسا: تفضلان طائرات “إيرباص” الأوروبية المعدلة.
الخلاصة
حتى إشعار آخر، ستبقى طائرة الرئيس الصيني “أمريكية في الخارج، صينية في الداخل”.
فالهيبة الرئاسية ليست مجرد هوية الطائرة، بل منظومة متكاملة من الأمن والسياسة والرمزية الدولية.