
كيف ننقذ البيروقراطية من نفسها
أصبح من الشائع في الآونة الأخيرة أن نسمع موظفين في الحكومة، من كبار موظفي الخدمة المدنية إلى المعيّنين السياسيين، يقولون إن “البيروقراطية معطّلة” أو “مكسورة”. لا يقصدون بذلك أن كل شيء في الحكومة معطّل، بل يشيرون إلى أن المشكلة عميقة الجذور، وأنها تتعلق بأسلوب عمل البيروقراطية نفسها، وليس فقط بطريقة إدارتها أو جودة تنفيذها.
إذا كان الأمر كذلك، فماذا يمكننا أن نفعل؟ إحدى المبادئ المفيدة في هذا السياق مأخوذة من نظرية الأنظمة، وتقول إنه عندما يفشل النظام، علينا أن نعمل على مستوى المشكلة نفسها، لا مجرد إصلاح مظاهرها.
في كثير من الأحيان، نبذل جهدًا كبيرًا لتحسين تشغيل النظام، أو لإجراء “إصلاحات” شكلية، كتغيير في الهيكل أو الإجراءات، دون الاقتراب من الديناميكيات الأعمق، أو العقليات، أو الحوافز التي تحكم طريقة عمل البيروقراطية فعليًا.
يشبه الأمر قيادة سيارة بطيئة؛ إن كانت المشكلة في المحرك، فليس من المجدي الضغط على دواسة الوقود. وإن كانت السيارة تطفو على مياه غامرة، نحتاج إلى إعادة تصميمها بالكامل لتلائم البيئة.
سبع طرق لإنقاذ البيروقراطية من نفسها:
- خلق بيئة مشروعة للمصلحين
كثير من الأفراد داخل البيروقراطية يسعون للتحديث، لكنهم يصطدمون بجدار النظام. دعم هؤلاء يتطلب تمويلًا بسيطًا يضفي الشرعية على عملهم، أو التقدير العلني، أو تقديم جوائز، أو توفير منصات للقاء مثل OneTeamGov. يجب تسهيل وصولهم لصنّاع القرار وتفعيل نماذج إصلاح تصاعدية كاستخدام الذكاء الجمعي. - نشر التغيير عبر المهن
أثبت التاريخ أن الأنظمة العامة تتطور عند ظهور مهن جديدة، كما حدث مع الإحصاء في القرن 18، والهندسة، والاقتصاد، وحديثًا “علم الاقتصاد السلوكي”. يمكن دعم مهن ناشئة مثل الحوكمة التشاركية والطرق المجتمعية من خلال تأسيس مراكز تميّز أو تمويل الأبحاث أو إطلاق مدرسة وطنية للحكم المعاصر. - تحديث العمليات الإدارية القديمة
البيروقراطية تعاني من عمليات عقيمة في الميزانية والمساءلة تمنع الابتكار. نماذج الأعمال الحالية تتطلب تخطيطًا خطيًا وأدلة ضيقة، ما يعيق العمل القائم على النتائج. كما أن ضغط السياسيين لتقديم “حلول سريعة” يسبب ضجيجًا دون تقدم حقيقي. يمكن اعتماد نماذج تمويل مرنة، تستند إلى النتائج والتجربة والتعلم. - إغلاق المؤسسات القديمة وبناء جديدة
على عكس القطاع الخاص، يفتقر القطاع العام إلى آليات “التدمير الخلّاق”. لذلك يجب تبني دورات “تقليص وتأسيس”، كإغلاق المؤسسات المتقادمة وتوسيع الناجحة منها، عبر إنشاء آليات دائمة تسهّل هذه العملية. - تمويل العمل من الأطراف وليس من المركز فقط
الأطراف في الحكومة والمجتمع المدني أكثر قدرة على التكيّف من المركز. يجب دعمها دون فرض بيروقراطية المركز، ومنحها التمويل الأساسي غير المشروط، وقبول أدلة مرنة للنتائج مثل التقييم القائم على النظرية أو جوائز التحدي. - الانفتاح والتساهل لتجنّب المخاطر الكبرى
حين تواجه الحكومة أزمة، يُطلب من السياسيين “التحكّم الصارم”، لكنه يزيد من جمود النظام. مثال ذلك فشل مشروع “الائتمان الشامل” في بريطانيا، الذي أُنقذ بعد التحوّل لنهج “اختبر وتعلم”. النظام يحتاج للمرونة والتكيّف، لا للمزيد من التحكم المركزي. - تفعيل الضمير الأخلاقي لمواجهة الجمود المؤسسي
الأنظمة البيروقراطية تميل إلى العمل الآلي والانصياع للمعايير دون تفكير، حتى حين تضر المواطنين. عبر تحفيز “الوكالة الأخلاقية”، يمكن للموظفين استعادة إنسانيتهم وكسر العادات البيروقراطية الجامدة. نماذج مثل “بي وِجان” في ويجان و”الممارسة العلائقية” في كامدن، أثبتت أن تدريب الموظفين على القيم والتمكين يغيّر الثقافة فعليًا.
الخلاصة:
علينا أن نعترف بأننا نواجه انهيارًا على مستوى النظام، وهو ما يتطلب العمل على النظام نفسه، لا من داخله فقط. لدينا المعرفة والأدوات لفعل ذلك، رغم أنها قد تكون غير مألوفة أو صعبة. ويجب أن نبدأ بتوقّع أن يمتلك قادة القطاع العام هذه المهارات، وأن نساعدهم على اكتسابها وممارستها.
هذه دعوة مفتوحة للعمل المشترك لتطوير أنظمة أكثر إنسانية ومرونة، بعيدًا عن الجمود البيروقراطي.