مقومات اختيار الموقع الصناعي (التوطّن الصناعي)
يعود تركز الصناعات في بعض الأماكن لعدة مقومات إيجابية تتوافر في تلك الأماكن، ويطلق عليها مقومات اختيار الموقع
الصناعي أو المقومات الصناعية ، فمثلا عندما يفكر شخص ما بإقامة مصنع فإنه لا بد من توافر الشروط اللازمة
لنجاح المشروع الصناعي.
لقد ظهرت نظريات عديدة لتفسير التوطّن الصناعي منها نظرية فيبر التي ركَّزت بشكل أساسي على تكلفة النقل، وأنه من
الضروري أن تقوم الصناعة عند النقطة التي تبلغ تكاليف النقل أدناها، وتنجذب الصناعة باتجاه الموقع الذي يؤمِّن الجزء الأكبر
من المتطلبات بأقل كلفة ممكنة، ومن هنا تصبح الموازنة بين متطلبات الصناعة هي المقومات المحددة للموقع الصناعي،
ويمكن تقسيم هذه المقومات إلى مقومات طبيعية وأخرى بشرية:
أولا: المقومات الطبيعية
المادة الخام :
المواد الخام هي مواد أولية توجد في الطبيعة بشكلها الطبيعي، وغالبًا ما تكون بدون فائدة أو ذات فائدة قليلة لا تقارن بفائدتها بعد الصناعة .
وتقسّم هذه المواد إلى:
١. مواد خام نباتية مثل: الأخشاب، والقطن، والمطاط، وقصب السكر، والقمح.
٢. مواد خام حيوانية: مثل الجلود، والأصواف، والألبان، واللحوم.
٣. مواد خام معدنية مثل: الحديد، والنحاس، والذهب.
٤. مواد خام نصف مصنعة تستخدم لصناعات أخرى أكثر تطورًا مثل: الزيوت، والخيوط النسيجية، وكتل حديد الزهر، ومشتقات النفط .
ويؤدي توافر المادة الخام ورخص أثمانها وتنوعها وسهولة استغلالها دورًا كبيرًا في قيام الصناعة
ونجاحها، وتوجد علاقة قوية بين المادة الخام والتوطن الصناعي، حيث تتوطن الصناعة قرب المادة الخام
إذا كانت :
١. قيمة المواد الخام منخفضة بالنسبة لحجمها.
٢. إذا كانت المادة الخام تفقد قدرًا كبيرًا من وزنها أثناء التصنيع.
٣. إذا شكّلت المواد الخام نسبة كبيرة من التكاليف.
٢. الطاقة:
تعدُّ الطاقة عصب الصناعة الحديثة، ومن مصادرها الفحم والنفط والطاقة المائية والطاقة الشمسية والطاقة النووية، وتختلف في مدى تأثيرها على توطُّن الصناعة في أماكن هذه الموارد، فالفحم مثلاً تركزت حوله مصانع الحديد والصلب في أوروبا نتيجة لثقل وزنه وصعوبة نقله، على العكس من النفط الذي يمكن نقله بسهولة، لذلك لم يؤثر على إعادة توزيع المناطق الصناعية، وكذلك إمكانية نقل التيار الكهربائي لمسافات طويلة تصل آلاف الكيلومترات بعيدًا عن مصدر توليد التيار.
٣. الموارد المائية:
تحتاج الصناعة إلى الموارد المائية بكميات متفاوتة حسب نوعية الصناعة، فمثلاً صناعة الحديد والصلب تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لعملية التبريد، ومن هنا نجد أن موقع المشروع لهذه الصناعة يميل نحو أماكن توافر المياه، لأن إقامة المشروع في المناطق الجافة يصبح من الأمور الصعبة.
ثانيًا: المقومات البشرية
١. رأس المال:
تستخدم الصناعات الحديثة آلات معقدة عالية التكاليف، كما تستخدم كميات ضخمة من الوقود وأعدادًا كبيرة من العمَّال وكل ذلك يستدعي توافر رأس المال، وقد أسهمت وسائل النقل والمواصلات وخاصة شبكة الاتصالات اللاسلكية في حرية حركة رأس المال، فيمكن لصاحب رأس المال أن يستثمر أمواله في بلد يقع بعيدًا عن موطنه الأصلي، وبالرغم من هذا البعد إلا أنه يبقى على اتصال مع إدارة المصنع لمتابعة سير العمل عن طريق أجهزة الاتصال والحواسب الآلية. ويعدُّ رأس المال وطريقة الحصول عليه من المغريات التي تحفِّز قيام التصنيع في دول العالم، وكلما تعددت قنوات الحصول على رأس المال وتيسَّرت التسهيلات التي تتبعها في عمليات الدفع والتأمينات شجَّع ذلك في توطن الصناعة وازدهارها. وينقسم رأس المال في الصناعة إلى قسمين رئيسيين ، وهما:
رأس المال الجاري: ويقصد به القيم النقدية المستخدمة في الأجور، وفي نفقات تشكيل المشروع.
رأس المال الثابت: ويشمل الآلات ، والمباني ، وغيرها.
٢. الأيدي العاملة :
على الرغم من توافر التكنولوجيا والمعدات والآلات التي تدار بها المصانع إلا أن العنصر البشري ما زال يؤدي دورًا حيويًّا في العمليات التصنيعية.
وتقوم شركات متخصصة تعمل حول العالم بتوفير الأيدي العاملة التي تمد بها أسواق العمل في العالم، وتعدُّ الأسواق الخليجية من أهم الأسواق العربية التي تجذب هذه العمالة للعمل في المصانع والمؤسسات وقطاع المقاولات التابعة لها. وما زالت هناك صناعات تعدُّ توافر العمالة مهمًّا في إنجاز منتجاتها مثل:
صناعة الذهب، والزجاج. ومع تقدُّم وسائل النقل خاصة الجوية استطاع العُمَّال التنقل من مناطق سكنهم إلى مناطق العمل في أسرع وقت ممكن .
٣. وسائل النقل والمواصلات:
تعتمد الصناعة اعتمادًا كبيرًا على توافر وسائل النقل وسرعتها ورخص تكاليفها من أجل الحصول على الخامات والوقود أو لتصريف الإنتاج ، ويؤدي ابتعاد المادة الخام والسوق عن بعضهما بعضًا وعن مراكز الصناعة إلى زيادة تكاليف النقل، وهو ما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يجعل التقليل من تكاليف النقل عملية ضرورية لخفض تكاليف الإنتاج.
وقد أدى التقدَّم في وسائل النقل والمواصلات إلى تخفيض تكلفة النقل، فمثلا تصل تكلفة النقل في الصناعات الإلكترونية ٤٪ من سعر السلعة فقط، ولقد لَعِب رخص أسعار النقل المائي دورًا مهمًّا في توطين الكثير من الصناعات بقربه.
وهكذا أصبحت وسائل النقل والمواصلات الحديثة دعامة أساسية للتطوّر الصناعي خاصة في عالم تزداد فيه المنافسة لتقديم المنتجات الجديدة بأسعار مناسبة للمستهلكين .
٤. السوق:
كل صناعة تعمل من أجل توفير الحاجات الاستهلاكية سواء لسُكَّان البلد الموجودة فيه أو لسُكَّان البلدان المجاورة والبعيدة، ولكي تستمر الصناعة في الإنتاج لا بد من تصريف هذا الإنتاج لتستخدم أثمان بيعه في شراء الخامات ودفع الأجور وضمان الأرباح لأصحاب رؤوس الأموال، لذلك تحتاج الصناعة إلى الأسواق لتصريف منتجاتها سواءً أكانت أسواقا داخلية للاستهلاك المحلي أو خارجية للتصدير،
ولا بد من مراعاة حجم السوق، ونوعية المشترين وأذواقهم لضمان نجاح عملية التسويق وبخاصة في الصناعات الاستهلاكية.
وقد انتشرت طرق حديثة ومبتكرة لتسويق المنتجات المصنعة عن طريق استخدام شبكات التسويق المرئية، فيمكن للمشتري أن يفتح جهاز التلفاز ليشاهد ويتفحص البضاعة التي يريد أن يشتريها، وبعد أن يقتنع بفاعليتها يقوم بطلبها عن طريق الهاتف ودفع ثمنها ببطاقات الائتمان التي تتيح له الشراء والبيع باستخدام الهاتف أو شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) التي تنتشر خدماتها حول العالم.