الحوار بين المنهجية وشروط النجاح
مفهوم الحوار :
الحوار تفاعل لفظي أو كتابي بين اثنين أو أكثر يهدف إلى التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها، وهو نشاط
يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والمدرسة والجامعة ومنتدیات الحوار.
الحوار كذلك (تعاون بين المتحاورين على معرفة الحقيقة والتوصل إليها، ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها،
والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق)). (حميد، ١٩٩٤م، ص٧).
أهداف الحوار :
الحوار الراقي هو مظهر حضاري يعكس تطور المجتمع ونضج فئاته الواعية، يستند إلى أسس ثابتة، وضوابط محكمة، ويقوم على الاحترام المتبادل بين أطراف الحوار، والإنصاف والعدل، ونبذ التعصب والكراهية، وألا يكون الحوار ساحة للتطاول على أفكار الناس وقدراتهم، أو تبادل الإساءة معهم، بحيث لا يفقد الحوار صبغته الحضارية المبنية على احترام الذات واحترام الآخر .
وأهم أهداف الحوار كما ذكرها (الصقهان، وزميله، ٢٠٠٧، ص١٤) هي:
١- إيجاد حل وسط يرضي الأطراف.
٢- التعرف إلى وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى.
٣- تقريب وجهات النظر بين المتحاورين.
٤- الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة.
٥- القضاء على الخلافات المذهبية في المجتمع عن طريق الحوار.
شروط الحوار وأدبياته :
للحوار شروط وأدبيات: لمناقشة الموضوعات المطروحة على طاولة الحوار، ومن هذه
الشروط الآتي :
تحديد القضية التي يعالجها الحوار، والانطلاق مما هو مشترك بين المتحاورين، وتجاوز أحقاد الماضي وسلبياته؛ للوصول إلى التوافق والتعايش والتعاون؛ لإيجاد عالم أفضل يليق بكرامة الإنسان أينما کان.
التكافؤ والمساواة والندية والإرادة المشتركة بين طرفي الحوار، بحيث يكون حوارًا شاملاً مع مختلف فئات المجتمع، سواء على المستوى الحكومي، أو على صعيد المؤسسات الأهلية ذات العلاقة بالموضوعات والمجالات التي تحدد لهذا الحوار.
تناول الحوار مختلف الموضوعات التي تهم طرفي الحوار سواء كانت محلية أو دولية.
تحقيق المنافع والمصالح المشتركة التي تسهم في تطوير العلاقات الإنسانية بين أطراف الحوار.
- عدم تناول الموضوعات المثيرة للجدل والاختلاف، مع تجنب المسائل ذات الحساسية التي تؤثر على نتائج الحوار وإيجابياته.
أما بالنسبة إلى أدبيات الحوار فهي كثيرة ومتعددة، إذا تمكن المحاور من اتباعها في أثناء مشاركته بالحوار مع الآخرين، فإنه يعد من
المحاورين الناجحين، ومن هذه الأدبيات الآتي: (الصقهان وزميله، ٢٠٠٧، ص٣٩-٤١).
الإخلاص والتجرد من التعصب لفكرته أو مذهبه.
الإصغاء وحسن الاستماع لمن يحاوره، وأن يستوعب ما يقوله المتحاورون.
الالتزام بالقول الحسن وتجنب منهج التحدي والإقحام، وينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح، قال الله تعالى: ﴿وجادلهم
بالتي هي أحسن﴾ (سورة النحل، آية ١٢٥).
الالتزام بوقت محدد في الكلام، وألا يستأثر بالكلام على حساب وقت المتحاورين الآخرین.
تقدير الخصم واحترامه، أي الاحترام المتبادل بين المتحاورين.
التركيز على الفكرة لا على صاحبها، والالتزام بنقاش الأفكار التي يتم تداولها في أثناء الحوار، والفصل بين الفكرة وصاحبها.
إنهاء الحوار بأدب ولباقة، بحيث يختم المتحاورون حواراتهم بجمل رقيقة وحسنة، مع إبداء الشكر والتقدير للجميع.
الحوار الأسري وفوائده :
تعد الأسرة النواة الأولى لبناء المجتمع، وهي تؤدي دورا كبيرا في تنمية سلوك الأبناء، وغرس الأخلاق الفاضلة فيهم من خلال
الحوار الدائم بين أفرادها، فكل أسرة تسعى إلى أن يكون أبناؤها صالحين، تسود بينهم علاقات المحبة والمودة، والمشاركة في حل المشكلات التي تعترض الأسرة.
((والحوار هنا أحد أساليب التربية التي يمكن أن نربي الأبناء بها، فالحوار مع الأبناء ليس بالسهولة التي يمكن أن يتصورها بعض الآ باء)».
( المغامسي، ٢٠٠٧، ص٢١٨)
ومن أمثلة الحوار الأسري :
الحوار بين الأبوين والأبناء، فهو يحقق المكاسب والفوائد في الجوانب الآتية:
تهذيب سلوك الأبناء.
تدريب الأبناء على الجرأة ومواجهة الحياة.
مساعدة الأبناء في حل المشكلات خلال مراحل حياتهم المختلفة من الطفولة والمراهقة والشباب.
تعليم الأبناء ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم.
التسامح واحترام حرية الآخرین.
الحوار المدرسي … تفاعل وتواصل :
التعليم أداة لتطوير قدرات الإنسان العلمية والمهنية وتنمية القيم والاتجاهات، مثل: قواعد السلوك والتواصل والتعبير عن حاجاته، وكذلك تعلم قواعد الاختلاف والإقناع والتفاهم مع الآخرين، ويعتبر التعليم إحدى وسائل الحوار الفعال. ويتطلب تحقيق الحوار السليم والإيجابي في المدارس ومؤسسات التعليم المختلفة مساعدة المجتمع المحيط بالمتعلمين من أولياء الأمور والإعلام وأفراد المجتمع بشكل عام.
كما تتنوع الوسائل التربوية التي يمكن من خلالها غرس مفهوم الحوار، سواء المنهج المدرسي أو من خلال المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية تساعد على التنشئة الاجتماعية الأصيلة، وتعزز مفهوم الحوار وآدابه ومجالاته عند المتعلمين. ولا شك في أن المناهج الدراسية تسهم في بناء ثقافة الحوار، فهي تساعد في تكوين الوعي الاجتماعي لدى المتعلم، وفهم علاقته ببيئته بمختلف جوانبها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، الأمر الذي يجعله قادرًا على الحوار الحضاري الإيجابي مع
الآخرين، ويساعد ذلك على نمو قدراته الذاتية في بناء شخصيته الاجتماعية الفاعلة لخدمة مجتمعه المحلي والدولي.
كما لا ننسى هنا الدور المهم الذي يقوم به المعلمون بالمدرسة في تعزيز ثقافة الحوار بين بعضهم بعضا أو مع المتعلمين أو بين المتعلمين أنفسهم، من خلال المشاركة في مناشط حوارية مختلفة، واكتساب مهارات الحوار وآدابه علمێًا.
ولكي يتم بناء ثقافة الحوار في المدرسة بالشكل الصحيح لا بد من إشاعة الحب والاحترام بين الجميع، وفق مرتكزات وأهداف
تربوية تحقق الحوار الحضاري المطلوب، وهي:
١- توفير مناخ مدرسي يرتكز على إرساء مفاهيم التعاون وقيمه وإیجابیاته.
٢- توفير بيئة محفزة للطلاب والمعلمين على التعلم والاستمرار فيها والانتماء لها.
٣- أن يتسم العمل في المدرسة بالتعاون والجماعية، وتوضع التعليمات التي تكفل ذلك.
٤- أن يتسم سلوك العاملين بالمدرسة بالانضباط والشعور بالمسؤولية.
٥- أن تتيح المدرسة فرصا متكافئة لتحقيق التميز للطلبة .
٦- أن تتيح المدرسة للطلبة فرصا متنوعة للمشاركة في صنع واتخاذ القرارات ذات الصلة بهم، وبتطوير مدرستهم.
مجالات الحوار وأهدافها :
مجالات الحوار مع ثقافات العالم متعددة، غير أن أهمها يتمثل في المجالات الآتية :
أولاً: الحوار في المجال الثقافي :
ويهدف إلى تعرف ثقافات الشعوب وحضاراتها، والتعارف فيما بينها، والتفاهم على الجوانب المشتركة بين الثقافات
والحضارات، وبالتالي تفاعلها العلمي والثقافي والحضاري الذي ينتج عنه الإبداع والتجديد والتطور.
ومن أمثلة ذلك :
المحاضرات والندوات العلمية.
الحوار بين الطلبة والمعلمين في المدارس والمعاهد والكليات الجامعیة.
المعارض الثقافية المشتركة.
الأسابيع أو الأيام الثقافية.
حوارات الأدباء والمفكرين.
الاتفاقيات العلمية والثقافية بين الدول.
ثانيًا : الحوار في المجال الديني :
ويهدف إلى توحيد الرؤى الدينية، والاتفاق على تعزيز العدالة والقيم المشتركة بين الثقافات، ونشر الفضائل ومكارم الأخلاق،
ورفض الظلم والعدوان على الكرامة الإنسانية، وتقوية الإيمان بالمبادئ القويمة التي جاءت بها الأديان السماوية، والتعاون على توعية الناس بأخطار الانحراف الفكري والسلوكي والتطرف والغلو والجريمة بكل أنواعها.
ومن أمثلة ذلك :
الندوات الدينية.
مؤتمرات الأديان.
لقاءات العلماء والمفكرين.
ثالثًا : الحوار في المجال الاقتصادي :
ويهدف إلى تطوير العلاقات التجارية بين دول العالم في إطار القوانين الدولية، وبما يحقق المصالح المشتركة فيما بينها، بعيدا عن أي نوع من الاستغلال، ودعم جهود التنمية الشاملة والمتكاملة خصوصا في الدول النامية، ومنع الاحتكار والاستغلال واستنزاف الموارد الطبيعية والمواد الأولية للدول الفقيرة، وإقامة أُسس جديدة للتجارة الدولية لضمان العدل والإنصاف.
- الندوات الاقتصادية.
- المؤتمرات الاقتصادية.
- المعارض التجارية.
- حلقات النقاش الاقتصادية.
- الاتفاقيات الاقتصادية بین الدول.
رابعًا : الحوار في المجال السياسي:
ويهدف إلى احترام قواعد القانون الدولي والالتزام بالشرعية الدولية، وإقامة العلاقات الثنائية بين الدول على
أساس الاحترام المتبادل ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل من أجل استتباب الأمن والسلام في ربوع العالم،
ومحاربة الإرهاب، ودعم حق الشعوب في الدفاع عن سيادتها وتحرير أراضيها.
ومن أمثلة ذلك :
مؤتمرات القادة والوزراء.
المباحثات الثنائية بين الدول.
الزيارات المتبادلة بين السياسيين.
الاتفاقيات السياسية بين الدول.